صفحة جزء
قوله ( وإن تصارفا ثم افترقا ، فوجد أحدهما ما قبضه رديئا فرده : بطل العقد في إحدى الروايتين ) . وفي الأخرى : إن قبض عوضه في مجلس الرد لم يبطل . اعلم أنه إذا تصارفا ووجدا أو أحدهما بما قبضه عيبا ، أو غصبا . فتارة يكون العقد قد وقع على عينين ، وتارة يكون في الذمة . فإن كان قد وقع على عينين ، فتارة يكون العيب من جنسه ، وتارة يكون من غير جنسه . فإن كان من غير جنسه ، فتارة يكون قبل التفرق وتارة يكون بعده . وإن كان من جنسه ، فتارة أيضا يكون قبل التفرق ، وتارة يكون بعده . إذا وقع العقد قد وقع في الذمة فتارة يكون العيب من غير جنسه وتارة يكون من جنسه . فإن كان من غير جنسه : فتارة يكون قبل التفرق ، وتارة يكون بعده . وإن كان من جنسه فتارة أيضا يكون قبل التفرق ، وتارة يكون بعده ، كما قلنا فيما إذا وقع العقد على عينين . فهذه ثمان مسائل . أربعة فيما إذا وقع العقد على عينين . وأربعة فيما إذا كان في الذمة . [ ص: 46 ] وهذه الثمانية تارة تكون المصارفة فيها من جنس واحد ، وتارة تكون من جنسين . فهذه ستة عشر مسألة .

فإن وقع العقد على عينين من جنسين ، ولو بوزن متقدم يعلمانه ، أو إخبار صاحبه ، وكان العيب من غير جنسه . فالصحيح من المذهب : بطلان العقد ، سواء كان قبل التفرق أو بعده . وعليه الأصحاب . وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في الفروع وغيره . قال المصنف : كقوله : بعتك هذا البغل . فإذا هو حمار . وعنه : يصح ويقع لازما . قال في الرعاية : وهو بعيد . قال الزركشي : ولا معول عليها . وعنه له رده وأخذ البدل . وقال في القواعد : ويحتمل أن يصح بما في الدينار من الذهب بقسطه من البيع ويبطل في الباقي ، وللمشتري الخيار لتبعيض المبيع عليه . قلت : وهو قوي في النظر . فعلى المذهب : ظاهره سواء كان العيب كثيرا أو يسيرا . وهو كذلك . وظاهر كلام أبي الحسين التميمي في خصاله : إن كان العيب يسيرا من غير جنسه لا يبطل العقد . وإليه ميل ابن رجب . وما هو ببعيد . وإن وقع على عينين من جنسين ، والعيب من جنسه وقلنا : النقود تتعين بالتعيين فتارة يكون قبل التفرق ، وتارة يكون بعده .

فإن كان قبل التفرق فالصحيح من المذهب : صحة العقد . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، والقواعد ، وغيرهما . قال في الفروع : هذا الأشهر . وقال في الواضح وغيره : يبطل . وهو ظاهر نقل جعفر وابن الحكم . فعلى المذهب : له قبوله ، وأخذ أرش العيب من غير جنس الثمن ، وهذا الصحيح . وعليه أيضا أكثر الأصحاب . وهو في بعض نسخ الخرقي . [ ص: 47 ] وقال في القواعد ، والزركشي ، وظاهر ما أورده أبو الخطاب في الهداية مذهبا . وإحدى نسخ الخرقي : لا يجوز أخذ الأرش مطلقا . وإن كان بعد التفرق عن مجلس العقد ، فالصحيح من المذهب : أن حكمه حكم ما لو كان قبل التفرق . على ما تقدم ، وهو ظاهر ما جزم به في الشرح قال في الفروع : هذا الأشهر . قال الزركشي : والصواب لا فرق بين المجلس وبعده . وقيده في الوجيز بالمجلس . وهو اختيار المصنف . قال الزركشي : وأظنه أنه اختيار الشيخ تقي الدين رحمه الله . وفي الواضح وغيره : يبطل . وهو ظاهر نقل جعفر وابن الحكم ، كما تقدم . فعلى المذهب : له قبوله وأخذ أرش العيب ، ويكون من غير جنس الثمن . لأنه لا يعتبر قبضه ، كبيع بر بشعير ، فيجد أحدهما عيبا . فيأخذ أرشه درهما بعد التفرق . ولا يجوز أخذه من جنس الثمن كما تقدم .

والصحيح من المذهب : له رده ، سواء ظهر على العيب في المجلس أو بعده . ولا بدل له . لأنه يأخذ ما لم يشتره ، إلا على رواية أن النقود لا تتعين بالتعيين . قدمه في الفروع . وهو ظاهر ما جزم به في المحرر . ونقل الأكثر عن أحمد : أن له رده وبدله . ولم يفرق في العيب . وأما إذا وقع العقد في الذمة على جنسين ، وكان العيب من جنسه . فتارة يجده قبل التفرق ، وتارة بعده . فإن وجده قبل التفرق فالصرف صحيح . وله المطالبة بالبدل . وله الإمساك وأخذ الأرش في الجنسين ، على الصحيح من المذهب . قاله الزركشي وجزم في الوجيز بأن له المطالبة بالبدل . وجزم به في الشرح وغيره . وإن وجده بعد التفرق ، فالصرف أيضا صحيح . ثم هو مخير بين الرد [ ص: 48 ] والإمساك . فإن اختار الرد . فعنه يبطل العقد . اختاره أبو بكر . وعنه : لا يبطل . وله البدل في مجلس الرد .

فإن تفرقا قبله بطل العقد . وهو اختيار الخرقي ، والخلال ، والقاضي ، وأصحابه ، وغيرهم . وجزم به في الوجيز . وهو ظاهر ما جزم به في المحرر . وأطلقهما المصنف هنا ، والشارح ، وابن منجى في شرحه ، والزركشي ، وصاحب الفروع . قال الزركشي : وحكى رواية ثالثة أن البيع قد لزم . قال : وهي بعيدة . فعلى الأولى : إن وجد البعض رديئا فرده : بطل فيه . وفي البقية : روايتان تفريق الصفقة . والمصنف أطلق هنا الوجهين . وعلى الثانية : له بدل المردود في مجلس الرد . وإن اختار الإمساك : فله ذلك بلا ريب ، لكن إن طلب معه الأرش . فله ذلك في الجنسين على الروايتين . قال الزركشي : هذا هو المحقق . وقال أيضا ، وقال أبو محمد يعني به المصنف له الأرش على الرواية الثانية ، لا الأولى . انتهى .

إن كان العيب من غير الجنس فيما إذا كانا جنسين . فإن كان قبل التفرق رده ، وأخذ بدله . والصرف صحيح . على الصحيح من المذهب . اختاره ابن عقيل ، والشيرازي ، والمصنف ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم : وجزم به في الوجيز . وهو ظاهر كلام أبي الخطاب . وقال صاحب المستوعب ، والشيخ تقي الدين : الصرف فاسد . وهو ظاهر كلام الخرقي . فعلى المذهب : لو وجد العيب في البعض ، فبعد التفرق يبطل فيه . وفي غير المعيب روايتان تفريق الصفقة ، وقبل التفرق ببدله . وإن وجده بعد التفرق فسخ العقد . على الصحيح من المذهب [ ص: 49 ] قال الزركشي : هذا هو المذهب المحقق . وعليه يحمل كلام الخرقي عندي . انتهى .

وجزم به في الفائق ، والوجيز . وأجرى المصنف في الكافي ، وصاحب التلخيص فيه قال في الفروع : وجماعة الروايتين اللتين فيما إذا كان العيب من الجنس . إحداهما : بطلان العقد برده .

والثانية : لا يبطل ، وبدله في مجلس الرد يقوم مقامه . فمجرد وجود العيب من غير الجنس عندهما بعد التفرق لا يبطل ، قولا واحدا . عكس المذهب قال الزركشي : وليس بشيء .

تنبيه :

هذه الأحكام التي ذكرت : فيما إذا كانت المصارفة في جنسين . وحكم ما إذا كانت من جنس واحد حكم ما إذا كانت من جنسين إلا في أخذ الأرش . فإنه لا يجوز أخذه من جنسه ، قولا واحدا . كما تقدم . وقيل : يجوز . قال في الفروع : وهو سهو . قال المصنف ، والشارح : ولا وجه له . ويأتي ذلك قريبا . وأما مسألة السلم التي ذكرها المصنف هنا : فيأتي حكمها في باب السلم في أول الفصل السادس

التالي السابق


الخدمات العلمية