صفحة جزء
قوله ( وإن جني عليه جناية موجبة للقصاص ، فلسيده القصاص ) . هذا المذهب مطلقا . جزم به في الشرح ، والوجيز . وهو ظاهر ما جزم به في المحرر ، والكافي ، والفروع . وقدمه ابن منجى في شرحه ، ونهاية ابن رزين ، ونظمهما . قال في القاعدة الرابعة والخمسين : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله : جواز القصاص . وقيل : ليس له القصاص بغير رضى المرتهن . وحكاه ابن رزين رواية . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة . واختاره القاضي ، وابن عقيل . قاله في القواعد . وقدمه في الفائق ، والرعايتين .

وقال في الحاويين : ولسيده القود في العبد برضى المرتهن . وإلا جعل قيمة أقلهما قيمته رهنا . نص عليه .

قال في التلخيص : ولا يقتص إلا بإذن المرتهن ، أو إعطائه قيمته رهنا مكانه قوله ( فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة ، تجعل مكانه ) . يعني يلزم الضمان . وهذا المذهب . نص عليه في رواية ابن منصور . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفائق ، والرعايتين ، والحاويين ، وغيرهم . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة . والوجيز ، وشرح ابن رزين ، وغيرهم .

[ ص: 183 ] وقال الزركشي : هذا المشهور عند الأصحاب ، والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله . قال في القواعد الفقهية : اختاره القاضي ، والأكثرون وقيل : لا يلزمه شيء . وهو تخريج في المغني ، والشرح .

قال في المحرر : وهو أصح عندي . وقطع به ابن الزاغوني في الوجيز . وحكي عن القاضي . قاله الزركشي . وحكاهما في الكافي وجهين ، وأطلقهما .

تنبيه : قوله ( فعليه قيمة أقلهما قيمة ) . هكذا قال المصنف هنا ، والشارح ، وصاحب الحاويين ، والفائق . وقدمه في الرعاية الصغرى . قال في القواعد : قاله القاضي ، والأكثرون . وقيل : يلزمه أرش الجناية . وجزم به في المحرر . وقدمه في الرعاية الكبرى . قال في القواعد : وهو المنصوص . قال ابن منجى ، قال في المغني : إن اقتص أخذت منه قيمته فجعلت مكانه رهنا قال : فظاهره أنه يجب على الراهن جميع قيمة الجاني . قال : وهو متجه . انتهى .

قلت : الذي وجدناه في المغني في الرهن عند قول الخرقي " وإذا جرح العبد المرهون أو قتل فالخصم في ذلك السيد " أنه قال : فإذا اقتص أخذت منه قيمة أقلهما قيمة ، فجعلت مكانه رهنا . نص عليه . هذا لفظه . فلعل ابن منجى رأى ما قال في غير هذا المكان .

تنبيهات

الأول : معنى قوله " فعليه قيمة أقلهما قيمة " لو كان العبد المرهون يساوي عشرة وقاتله يساوي خمسة ، أو عكسه : لم يلزم الراهن إلا خمسة ; لأنه في الأولى [ ص: 184 ] لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر . وفي الثانية : لم يكن حق المرتهن متعلقا إلا بذلك القدر .

الثاني : محل الوجوب : إذا قلنا الواجب في القصاص أحد شيئين . فإذا عينه بالقصاص ، فقد فوت المال الواجب على المرتهن . وظاهر كلامه في الكافي : أن الخلاف على قولنا " موجب العمد القود عينا " فأما إن قلنا : موجبه أحد شيئين : وجب الضمان . قال في القواعد : وهو بعيد . وأما إذا قلنا : الواجب القصاص عينا ، فإنه لا يضمن قطعا . وأطلق القاضي ، وابن عقيل ، والمصنف هنا الخلاف من غير بناء . قال في القواعد : ويتعين بناؤه على القول بأن الواجب أحد شيئين . قال في التلخيص : وإن عفا وقلنا الواجب أحد أمرين أخذت منه القيمة ، وإن قلنا : الواجب القصاص ، فلا قيمة على أصح الوجهين . قوله ( وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه ، هو أو ورثته ) . وكذا قال الأصحاب . يعني حكمه حكم ما إذا كانت الجناية على العبد المرهون من أجنبي ، واقتص السيد : من الخلاف والتفصيل على ما مر . قال المصنف ، وابن رزين ، والشارح : فإن كانت الجناية على سيد العبد فلا يخلو : إما أن تكون موجبة للقود ، أو غير موجبة له ، كجناية الخطأ ، أو إتلاف المال . فإن كانت خطأ ، أو موجبة للمال : فهدر . وإن كانت موجبة للقود ، فلا يخلو : إما أن يكون على النفس أو على ما دونها . فإن كانت على ما دونها ، بأن عفا على مال : سقط القصاص ، ولم يجب المال . وكذلك إن عفا على غير مال . وإن أراد أن يقتص فله ذلك . فإن اقتص فعليه قيمته تكون رهنا مكانه ، أو قضاء عن الدين . [ ص: 185 ] قال الشارح : ويحتمل أن لا يجب عليه شيء . وكذلك إن كانت الجناية على النفس ، فاقتص الورثة ، فهل تجب عليهم القيمة ؟ يخرج على ما ذكرنا . وليس للورثة العفو على مال . وذكر القاضي وجها : لهم ذلك . وأطلقهما في الفروع . فإن عفا بعض الورثة سقط القصاص . وهل يثبت لغير العافي نصيبه من الدية ؟ على الوجهين . انتهى كلامهما .

قوله ( فإن عفا السيد على مال ، أو كانت موجبة للمال . فما قبض منه جعل مكانه ) . لا أعلم فيه خلافا .

فائدة :

لو عفا السيد على غير مال أو مطلقا وقلنا : الواجب القصاص عينا كان كما لو اقتص . فيه القولان السابقان . قاله المصنف ، والشارح . وصحح صاحب التلخيص : أنه لا شيء على السيد هنا ، مع أنه قطع هناك بالوجوب . كما هو المنصوص . قوله ( فإن عفا السيد عن المال : صح في حقه . ولم يصح في حق المرتهن . فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني ) يعني إذا عفا السيد عن المال الذي وجب على الجاني بسبب الجناية : صح في حق الراهن . ولم يصح في حق المرتهن ، بمعنى أنه يؤخذ من الجاني الأرش ، فيدفع إلى المرتهن . فإذا انفك الرهن رد ما أخذ من الجاني إليه . وهذا المذهب . قال في الفروع : هذا الأشهر . واختاره القاضي . وجزم به في الوجيز ، والنظم . وقدمه في الشرح ، وشرح ابن منجى ، وابن رزين ، والرعاية الصغرى ، والفائق ، والحاويين . [ ص: 186 ] وقال أبو الخطاب : يصح . وعليه قيمته يعني على الراهن قيمته تجعل رهنا مكانه . جزم به في الهداية ، والمذهب . قال الزركشي : وهو قول صاحب التلخيص . انتهى .

وقال بعض الأصحاب : لا يصح مطلقا . واختاره المصنف في المغني ، وقال : هو أصح في النظر . وقدمه في الرعاية الكبرى . واختاره في الفائق . وأطلقهن الزركشي .

تنبيه :

محل الخلاف : إذا قلنا الواجب أحد شيئين . فأما إن قلنا : الواجب القصاص عينا : فلا شيء على المرتهن . كما تقدم . فعلى المذهب : إن استوفى المرتهن حقه من الراهن : رد ما أخذ من الجاني ، كما قال المصنف . وإن استوفاه من الأرش . فقيل : يرجع الجاني على العافي . وهو الراهن . لأن ماله ذهب في قضاء دين العافي . قلت : وهو الصواب . ثم رأيت ابن رزين قدمه في شرحه . وقيل : لا يرجع عليه ، لأنه لم يوجد منه في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان . وإنما استوفى بسبب كان منه حال ملكه له . فأشبه ما لو جنى إنسان على عبده ، ثم رهنه لغيره ، فتلف بالجناية السابقة . وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح ، والفائق ، والفروع ، والزركشي .

فائدة :

لو أتلف الرهن متلف ، وأخذت قيمته . قال في القاعدة الحادية والأربعين : ظاهر كلامهم : أنها تكون رهنا بمجرد الأخذ . وفرع القاضي على ذلك : أن الوكيل في بيع المتلف يملك بيع البدل المأخوذ بغير إذن جديد . وخالفه صاحب الكافي ، والتلخيص . [ ص: 187 ] وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار ، في مسألة إبدال الأضحية : أنه لا يصير رهنا إلا بجعل الراهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية