صفحة جزء
قوله ( وإن كان بينهما حائط ، فانهدم . فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه : أجبر عليه ) . هذا المذهب . بلا ريب . ونص عليه في رواية ابن القاسم ، وحرب ، وسندي وعليه جماهير الأصحاب . قال في الفروع : اختاره أصحابنا . قال ابن عقيل : عليه أصحابنا . قال القاضي : هذا أصح . قال في الرعاية الكبرى : لزم الآخر على الأصح . قال في الحاويين ، والفائق ، وغيرهم : أجبر ، في أصح الروايتين . قال ابن رزين : اختاره أكثر الأشياخ . قال في القواعد الفقهية : هذا المذهب . نص عليه في رواية جماعة . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في المحرر ، والفروع ، والرعاية الصغرى ، وغيرهم . وهو من المفردات . وعنه لا يجبر . اختاره المصنف ، والشارح . وقالا : هو أقوى في النظر . [ ص: 266 ] واختاره أبو محمد الجوزي أيضا .

قال ابن رزين في شرحه : وهو أظهر ، كبناء حائط بين ملكيهما . فعلى الرواية الثانية : قال المصنف ، والشارح ، وغيرهما : لو بناه ، ثم أراد نقضه . فإن كان بناه بآلته : لم يكن له ذلك . وإن كان بناه من عنده : فله نقضه . فإن قال الشريك : أنا أدفع إليك نصف قيمة البناء ولا تنقضه : لم يجبر على ذلك . وإن أراد غير الباني نقضه ، أو إجبار بانيه على نقضه : لم يكن له ذلك ، على كلا الروايتين . انتهيا . ويأتي الحكم إذا قلنا : يجبر ، في آخر المسألة . وعلى الرواية الثانية أيضا : ليس له منعه من بنائه . لكن إن بناه بآلته فهو بينهما . وليس له منعه من الانتفاع به قبل أن يعطيه نصف قيمة عمله ، على الصحيح . وعليه أكثر الأصحاب . قال في الفروع : ليس له منعه من الانتفاع في الأشهر . كما ليس له نقضه . قال في الكافي : عاد بينهما ، كما كان برسومه وحقوقه ; لأنه عاد بعينه . وهو ظاهر ما جزم به في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح .

قال في القاعدة السادسة والسبعين : هو قول القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، والأكثرين . وقدمه في النهاية ، والتلخيص ، والرعايتين . وقيل : له منعه من الانتفاع حتى يعطيه نصف قيمة العمل . جزم به في المستوعب ، والمحرر ، والحاويين . وهو ظاهر ما قدمه في الفائق . وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى ، والقاضي في خلافه . وحكاه في التلخيص عن بعض متأخري الأصحاب . قال ابن منجى في شرحه : وفيما ذكره الأصحاب من عدم منعه من الانتفاع به قبل أن يعطيه نصف قيمة عمله نظر . بل ينبغي أن الثاني يملك منع شريكه [ ص: 267 ] من التصرف فيه ، حتى يؤدي ما يخصه من الغرامة الواقعة بأجرة المثل ، لأنه لو لم يكن كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك . انتهى .

قلت : وهو الصواب . قال في الوجيز : وإذا بنى أحدهما الحائط بأنقاضه . فهو بينهما ، إن أدى الآخر نصف قيمة التالف . قوله على الرواية الثانية ( وإن بناه بآلة من عنده فهو له ) . ولا يحتاج إلى إذن حاكم في بنائه . صرح به القاضي في خلافه . وقدمه في القواعد . واعتبر في المجرد إذن الحاكم . ونص الإمام أحمد رحمه الله على أنه يشهد على ذلك ( وليس للآخر الانتفاع به ) فله منع شريكه من الانتفاع به ، ومن وضع خشبه ورسومه حتى يدفع ما يجب عليه . صرح بذلك في المغني ، والشرح ، والقواعد . قال في الفائق : اختص به وبنفعه دون أرضه . قال في الحاويين : ملكه الباني خاصة ، وليس لشريكه الانتفاع به . فإن كان لغير الباني عليه رسم طرح أخشاب ، فالباني مخير بين أن يمكنه من وضع أخشابه ، ويأخذ منه نصف قيمة الحائط . وبين أن يأخذ بناءه ليعيد البناء بينهما . أو يشتركان في الطرح . وقال في الفروع : وإن بناه بغيرها ، فله منعه من غير رسم طرح خشب . فظاهر كلامه : عدم المنع من الرسوم . وقد صرح المصنف وغيره بالمنع . والظاهر : أن مراد صاحب الفروع بالجواز : إذا كان له حق في ذلك ، وأراد الانتفاع بعد بنائه . وقد صرح المصنف ، والشارح بعد كلامهما الأول بقريب من ذلك . [ ص: 268 ] فقالا : فإن كان على الحائط رسم انتفاع ، أو وضع خشب ، قال له : إما أن تأخذ مني نصف قيمته . أو تمكنني من انتفاعي ، وإما أن تقلع حائطك لنعيد البناء بيننا . فيلزم الآخر إجابته ; لأنه لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه ببنائه . انتهيا . وكذا قال غيرهما .

فائدة : قال في القاعدة السادسة والسبعين ، فإن قيل : فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بوضع خشبه على جداره . فكيف منعتم هنا ؟ . قلنا : إنما منعنا هنا من عود الحق القديم المتضمن ملك الانتفاع قهرا . سواء كان محتاجا إليه أو لم يكن . وأما التمكين من الوضع للارتفاق : فذلك مسألة أخرى . وأكثر الأصحاب يشترطون فيها الحاجة أو الضرورة ، على ما تقدم . قوله ( فإن طلب ذلك ) يعني الشريك الذي لم يبن : الانتفاع ( خير الباني بين أخذ نصف قيمته منه ، وبين أخذ آلته ) . وهذا بلا نزاع . لكن لو اختار الأخذ ، فالصحيح من المذهب : أنه يأخذ نصف قيمة بنائه . جزم به في الوجيز ، والحاويين ، والمغني ، والشرح . وقدمه في الفروع . وعنه يدفع ما يخصه كغرامة ; لأنه نائبه معنى . وقدمه في الرعاية الكبرى .

فوائد :

إحداها : إذا قلنا : يجبر على بنائه معه ، وهو المذهب ، وامتنع : أجبره الحاكم على ذلك . فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه . فإن لم يكن له عين مال باع من عروضه . فإن تعذر اقترض عليه . وإن عمره شريكه بإذنه أو إذن حاكم رجع عليه . وإن أراد بناءه لم يملك الشريك منعه . وما أنفق ، إن تبرع به : لم يكن له الرجوع . [ ص: 269 ] وإن نوى الرجوع به . فهل له الرجوع ؟ . قال في الشرح : يحتمل وجهين ، بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه . انتهى .

قال في الفروع : وفيه بنية رجوعه على الأول : الخلاف . وإن بناه لنفسه بآلته ، فهو بينهما . وإن بناه بآلة من عنده فهو له خاصة . فإن أراد نقضه فله ذلك ، إلا أن يدفع إليه شريكه نصف قيمته . فلا يكون له نقضه . الثانية : يجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الأملاك المشتركة ، على الصحيح من المذهب ، والروايتين . قاله في الرعاية وغيرها . وعنه لا يجبر .

التالي السابق


الخدمات العلمية