صفحة جزء
قوله ( وإن كان حالا ، وله مال يفي به : لم يحجر عليه . ويأمره الحاكم بوفائه . فإن أبى حبسه ) القول بالحبس : اختاره جماهير الأصحاب . وقطع به أكثرهم . وعليه العمل . وهو الصواب . ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة غالبا إلا به ، وبما هو أشد منه . وقال ابن هبيرة في الإفصاح : أول من حبس على الدين : شريح القاضي . { ومضت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم : أنه لا يحبس على الديون ، لكن يتلازم الخصمان } . وأما الحبس الآن على الدين : فلا أعلم أنه يجوز عند أحد من المسلمين . وتكلم على ذلك وأطال . ذكره في الفروع والطبقات .

فائدة :

إذا حبس فليس للحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره ، أو يبرئه غريمه أو يرضى بإخراجه . [ ص: 276 ] فإذا تبين أمره : لم يسع الحاكم حبسه ، ولو لم يرض غريمه ; لأنه ظلم محض . قوله ( فإن أصر : باع ماله . وقضى دينه ) إذا أصر على الحبس ، فقال المصنف هنا : يبيع الحاكم ماله . ويقضي دينه ، من غير ضرب . قال في الفائق : أبى الضرب الأكثرون . وقال جماعة من الأصحاب : إذا أصر على الحبس ، وصبر عليه : ضربه الحاكم نقله حنبل . ذكره عنه في المنتخب وغيره . قال في الفصول وغيره : يحبسه . فإن أبى عزره . قال : ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : نص عليه الأئمة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله وغيرهم . ولا أعلم فيه نزاعا ، لكن لا يزاد في كل يوم على أكثر التعزير ، إن قيل بتقديره . انتهى .

فائدتان

إحداهما : متى باع الحاكم عليه . فقال في الفروع : ذكر جماعة أنه يحبس . فإن لم يقض باع الحاكم وقضاه . فظاهره : يجب على الحاكم بيعه . نقل حنبل : إذا تقاعد بحقوق الناس : يباع عليه ، ويقضي . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : لا يلزمه أن يبيع عليه . وقال أيضا : من طولب بأداء حق عليه ، فطلب إمهالا : أمهل بقدر ذلك اتفاقا . لكن إن خاف غريمه منه : احتاط عليه بملازمة ، أو كفيل ، أو ترسيم عليه .

الثانية : لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية ، فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل . جزم به في الفروع . وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا . [ ص: 277 ] قلت : ونظير ذلك : ما ذكره المصنف والأصحاب في باب استيفاء القصاص في أثناء فصل " ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان " ثم قال : وإلا أمر بالتوكيل . وإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني . وكذا أجرة القطع في السرقة على السارق . وقال في الرعاية الكبرى في باب من الدعاوى : وإن أحضر المدعى به ، ولم يثبت للمدعي : لزمه مؤنة إحضاره ورده ، وإلا لزما المنكر . وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله في الضمان : إذا تغيب المضمون عنه حتى غرم الضامن شيئا بسببه ، أو أنفقه في الحبس : أنه يرجع به على المضمون عنه . وقال أيضا : لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر : رجع به على الكاذب ذكره عنه في الفروع في أوائل الفصل الأول من كتاب الغصب .

التالي السابق


الخدمات العلمية