صفحة جزء
قوله ( الثاني : أن من وجد عنده عينا باعها إياه . فهو أحق بها بشرط أن يكون المفلس حيا ، ولم ينقد من ثمنها شيئا ، والسلعة بحالها . لم يتلف بعضها ، ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها ، كنسج الغزل ، وخبز الدقيق . ولم يتعلق بها حق : من شفعة ، أو جناية ، أو رهن ، ونحوه ، ولم تزد زيادة متصلة : كالسمن ، وتعلم صنعة ) ذكر المصنف لاختصاص رب العين المباعة الموجودة بعد الحجر في المحجور عليه شروطا . منها : أن يكون المفلس حيا . فلو مات كان صاحبها أسوة الغرماء مطلقا . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . وجزم به في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقيل : ذلك إذا مات قبل الحجر .

تنبيه :

ظاهر كلام المصنف : أن رب العين لو مات كان لورثته أخذ السلعة ، كما لو كان صاحبها حيا . وهو صحيح . وهو ظاهر ما قدمه في الفروع ، وظاهر كلام أكثر الأصحاب ، منهم صاحب الحاويين . قال الزركشي : وهو ظاهر كلام الشيخين المصنف ، والمجد لعدم اشتراطهم ذلك . وقال في الترغيب ، والرعاية الكبرى : فلربه دون ورثته على الأصح أخذه . وقدمه في الرعاية الصغرى ، والفائق ، والزركشي [ ص: 287 ] وقال في التلخيص : من الشروط : أن يكون البائع حيا ، إذ لا رجوع للورثة . للحديث . وحكى أبو الحسن الآمدي رواية أخرى : أنهم يرجعون . انتهى .

ومنها : أن لا يكون نقد من ثمنها شيئا . فإن كان نقد منه شيئا كان أسوة الغرماء ، لا أعلم فيه خلافا . ومنها : أن تكون السلعة بحالها لم يتلف بعضها . وكذا لم يزل ملكه عن بعضها ببيع أو هبة أو وقف ، أو غير ذلك . إن كان عينا واحدة . وإن كان المبيع عينين كعبدين ، أو ثوبين ونحوهما فتلف أحدهما أو نقص ونحوه : رجع في العين الأخرى . على الصحيح من المذهب . جزم به في المنور . ومنتخب الأدمي . وقدمه في المحرر ، والفروع ، والرعايتين ، والحاويين . وعنه : له أسوة الغرماء . وهو ظاهر كلام المصنف هنا ، وجماعة . وقدمه ابن رزين في شرحه . وجزم به في الإرشاد . وأطلقهما في المغني ، والكافي ، والتلخيص ، والمستوعب . والشرح ، والفائق ، والزركشي . وقال : ولعل مبناهما أن العقد : هل يتعدد بتعدد المبيع أم لا ؟ وحكم انتقال البعض ببيع ونحوه حكم التلف . انتهى .

قلت : تقدم في كتاب البيع بعد قوله " وإذا جمع بين كتابة وبيع " أن الصفقة تتعدد بتعدد المبيع ، على الصحيح .

تنبيه :

من جملة صور تلف البعض : إذا استأجر أرضا للزرع . فأفلس بعد مضي مدة لمثلها أجرة ، تنزيلا للمدة منزلة المبيع ، ومضي بعضها بمنزلة تلف بعضها . وهذا المذهب . اختاره المصنف ، والشارح ، وابن رزين ، وغيرهم . وقال القاضي ، وصاحب التلخيص : له الرجوع . وهل يلزمه تبقية زرع المفلس ؟ فيه وجهان وأطلقهما الزركشي بأجرة المثل . [ ص: 288 ] ثم هل يضرب بها له مع الغرماء ؟ اختاره القاضي ، أو يقدم بها عليهم ؟ قاله في التلخيص .

فوائد :

إحداهما : لو وطئ البكر : امتنع الرجوع ، على الصحيح من المذهب . اختاره أبو بكر وغيره . وجزم به في التلخيص ، والمستوعب ، وغيرهما . وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والحاويين . وقيل : لا يمتنع . اختاره القاضي . وأطلقهما في الفائق . وكذا الحكم إذا جرح العبد : فعلى المذهب : لا يرجع ، وعلى قول القاضي : يرجع . فإن كان مما لا أرش له ، كالحاصل بفعل الله تعالى ، أو فعل بهيمة ، أو جناية المفلس ، أو عبده ، أو جناية العبد على نفسه : فلا أرش له مع الرجوع . وإن كان الجراح موجبا للأرش كجناية الأجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من الثمن . وعلى المذهب أيضا : لو وطئ الثيب كان له الرجوع . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . جزم به في المغني ، والشرح ، والفائق ، وشرح ابن رزين وغيرهم . وقدمه في الفروع وغيره . قال في الرعاية الكبرى : فله الرجوع في الأصح ، إذا لم تحمل . وفيه وجه آخر : يمتنع الرجوع . ذكره ابن أبي موسى . وأطلقهما في التلخيص ، والمستوعب ، والرعاية الصغرى ، والحاويين .

الثانية : لا يمنع الأخذ تزوج الأمة . فإذا أخذها البائع بطل النكاح في الأقيس . قاله في الرعاية الكبرى . قلت : الصواب عدم البطلان . [ ص: 289 ]

الثالثة : لو خرجت السلعة عن ملكه قبل الحجر ، ورجعت بعد الحجر ، فقيل : له الرجوع . قال الناظم : عاد الرجوع على القوي . قال في التلخيص : هي كعود الموهوب إلى الابن بعد زواله . هل للأب الرجوع أم لا ؟ . قلت : الصحيح من المذهب : أن له الرجوع . على ما يأتي . وقدمه ابن رزين في شرحه . وقيل : ليس له الرجوع مطلقا . وقيل : إن عادت إليه بسبب جديد كبيع وهبة وإرث ، ووصية لم يرجع . وإن عادت إليه بفسخ كالإقالة ، والرد بالعيب والخيار ونحوه فله الرجوع ويأتي في الهبة نظير ذلك في رجوع الأب إذا رجع إلى الابن بعد وفاته ، والصحيح من ذلك . وأطلقهن في المغني ، والشرح ، والزركشي ، والقواعد الفقهية . وأطلق الوجهين الأولين في الكافي ، والتلخيص ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق . وحيث قلنا : له الرجوع : لو اشتراها ، ثم باعها ، ثم اشتراها . فقيل : يختص بها البائع الأول ، لسبقه . وقيل : يقرع بينه وبين البائع الثاني . وأطلقهما في الفروع . ومنها : بقاء صفة السلعة . فلو تغيرت بما يزيل اسمها كنسج الغزل ، وخبز الدقيق ، وطحن الحنطة ، وعمل الزيت صابونا ، أو قطع الثوب قميصا ، أو نجر الخشب أبوابا ، أو عمل الشريط أبرا ، أو نحو ذلك امتنع الرجوع . على الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في المغني ، والكافي ، والشرح ، والرعاية الصغرى ، والحاويين ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى . [ ص: 290 ] وقال في الموجز : إن أحدث صنعة كنسج غزل ، وعمل الدهن صابونا فروايتان . وقال في التبصرة : لا يأخذه . وعنه : بلى ، ويشاركه المفلس في الزيادة . وقال في الرعاية الكبرى من عنده إن لم تزد قيمة الحب بطحنه ، والدقيق بخبزه ، والغزل بنسجه : رجع وإلا فلا .

فائدتان :

إحداهما : لو كان حبا فصار زرعا ، أو بالعكس ، أو نوى فنبت شجرا ، أو بيضا فصار فرخا : سقط الرجوع . على الصحيح من المذهب . وقال القاضي : لا يمنع ذلك الرجوع . واختاره في التلخيص . ورده في المغني ، والشرح .

الثانية : لو خلط المبيع أو بعضه بما لا يتميز منه . فقال المصنف ، والشارح وغيرهما : سقط حقه من الرجوع ; لأنه لم يجد عين ماله . وهو المذهب . قطع به في التبصرة . وقال الزركشي ، وقد يقال : ينبني على الوجهين في أن الخلط : هل هو بمنزلة الإتلاف أم لا ؟ ولا نسلم أنه لم يجد عين ماله . بل وجده حكما . انتهى .

قلت : الصحيح من المذهب : أن الخلط ليس بإتلاف . وإنما هو اشتراك على ما يأتي في كلام المصنف في باب الغصب في قوله " وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز " . ومنها : أن لا يتعلق بها حق شفعة . فإن تعلق بها حق شفعة : امتنع الرجوع ، على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في الهداية ، والمذهب . والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والمحرر ، والحاويين ، والوجيز ، والرعايتين ، في موضع ، وغيرهم . وقدمه في الفائق . [ ص: 291 ] قال في الفروع : فله أسوة الغرماء في الأصح . وقيل : لا يمتنع الرجوع . اختاره ابن حامد . وقال في الكبرى ، في موضع آخر : وإن اشترى شقصا مشفوعا فلبائعه الرجوع . وقيل : الشفيع أحق به . وقيل : إن طالب الشفيع : امتنع ، وإلا فلا . وأطلقهن في المغني ، والشرح ، والكافي ، والزركشي . ومنها : أن لا يتعلق بها حق رهن . فإن تعلق بها حق رهن : امتنع الرجوع . لا أعلم فيه خلافا . لكن إذا كان الرهن أكثر من الدين ، فما فضل منه : رد على المال . وليس لبائعه الرجوع في الفاضل ، على الصحيح من المذهب . ويأتي قريبا في كلام المصنف مجزوما به . وجزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في المغني ، والكافي ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقال القاضي : له الرجوع ; لأنه عين ماله . قال المصنف ، والشارح : وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب ; لأن تلف بعض المبيع يمنع الرجوع . فكذلك ذهاب بعضه بالبيع . انتهى .

فلو كان المبيع عينين ، فرهن أحدهما . فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى ؟ على وجهين . بناء على الروايتين فيما إذا تلف أحد العينين ، على ما تقدم . وقد علمت أن المذهب : له الرجوع هناك . فكذا هنا .

فائدة :

لو مات الراهن ، وضاقت التركة عن الديون : قدم المرتهن برهنه ، على الصحيح من المذهب . ونص عليه . وعليه الأصحاب . وعنه : هو أسوة الغرماء . نص عليه أيضا . وأطلقهما الزركشي آخر الرهن . [ ص: 292 ] ومنها : أن لا يتعلق بها حق جناية ، بأن يشتري عبدا ، ثم يفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبته . فيمتنع الرجوع . على الصحيح من المذهب . جزم به في الوجيز ، والفروع ، والهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة . وقدمه في الفائق والكافي . وقيل : له الرجوع ; لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه ، بخلاف الرهن . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والنظم ، والزركشي . فعلى المذهب : حكمه حكم الرهن . وعلى الثاني : هو مخير ، إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية . وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء ، فإن أبرأ الغريم من الجناية ، فللبائع الرجوع . قال في القاعدة السادسة عشر : لو تعلق بالعين المبيعة حق شفعة ، أو جناية ، أو رهن ، ثم أفلس . ثم أسقط المرتهن ، أو الشفيع ، أو المجني عليه حقه : فالبائع أحق بها من الغرماء ; لزوال المزاحمة ، على ظاهر كلام القاضي ، وابن عقيل . ذكره المجد في شرحه . ويتخرج فيه وجه آخر : أنه أسوة الغرماء . انتهى .

ومنها : أن لا تزيد زيادة متصلة . فإن زادت زيادة متصلة كالسمن ، وتعلم صنعة ، كالكتابة والقرآن ونحوهما امتنع الرجوع ، على الصحيح من المذهب . اختاره الخرقي ، والشيرازي . وقدمه في المغني ، والهادي ، والكافي ، والشرح ، والفروع . ونصره المصنف ، والشارح وردا غيره . قال القاضي ، في كتاب الهبة من خلافه : هو منصوص الإمام أحمد رحمه الله . وعنه أن الزيادة لا تمنع الرجوع . نص عليه في رواية الميموني . وقاله القاضي وأصحابه ، وابن أبي موسى . وجزم به في الوجيز ، والمنور ، وتجريد العناية ، وغيرهم . وقدمه في النظم ، والفائق ، والرعايتين ، والهداية ، [ ص: 293 ] والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والمحرر ، وإدراك الغاية ، وشرح ابن رزين وقال : وهو القياس . قال في المذهب ، ومسبوك الذهب : هذا ظاهر المذهب ، ولعله المذهب ; لأنه المنصوص . وعليه الأكثر . فعليها : يأخذها بزيادتها . وأطلقهما ابن البنا في الخصال ، وصاحب الحاويين .

التالي السابق


الخدمات العلمية