صفحة جزء
تنبيه : قوله ( وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها . فإذا اكترى حنطة . فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع الدخن ونحوه ، ولا يملك الغرس ولا البناء ) . فإن فعل لزمه أجرة المثل ، وإن أكتراها لأحدهما لم يملك الآخر ، وإن أكتراها للغرس ملك الزرع . وهذا المذهب . وقال في الرعاية : وإن اكتراها لغرس أو بناء لم يملك الآخر . فإن فعل فأجرة المثل . وله الزرع بالمسمى . [ ص: 51 ] وقيل : لا زرع له مع البناء .

فائدة :

لو قال أجرتكها لتزرعها أو تغرسها : لم يصح . قطع به كثير من الأصحاب . لأنه لم يعين أحدهما . منهم المصنف ، والشارح . وقال في الرعاية الكبرى : وإن قال لتزرع أو تغرس ما شئت ، زرع أو غرس ما شاء . وقيل : لا يصح للتردد . انتهى . وإن قال : لتزرعها ما شئت ، وتغرسها ما شئت صح . قطع به المصنف ، والشارح ونصراه . وقالا : له أن يزرعها كلها ، وأن يغرسها كلها . وقال في الرعاية الكبرى : وإن قال : لتزرع ، وتغرس ما شئت ، ولم يبين قدر كل منهما : لم يصح . وقيل : يصح . وله ما شاء منهما . انتهى . وإن قال : لتنتفع بها ما شئت . فله الزرع والغرس والبناء كيف شاء . قاله في الرعاية الكبرى وغيره . واختاره الشيخ تقي الدين كما تقدم . وتقدم إذا قال : إن زرعتها كذا فبكذا ، وإن زرعتها كذا فبكذا . عند قوله " إن خطته روميا فبكذا ، وإن خطته فارسيا فبكذا " . وتقدم بعض أحكام الزرع ، والغرس ، والبناء في الباب عند قوله " وإجارة أرض معينة : لزرع كذا أو غرس ، أو بناء معلوم " فليعاود . فإن عادة المصنفين ذكره هنا . قوله ( فإن فعل فعليه أجرة المثل ) يعني : إذا فعل ما لا يجوز فعله من زرع ، وبناء ، وغرس ، وركوب ، وحمل ، ونحوه .

فقطع المصنف : أن عليه أجرة المثل . يعني للجميع . وهو اختيار أبي بكر قاله القاضي . [ ص: 52 ] واختاره أيضا ابن عقيل ، والمصنف ، والشارح . وجزم به في العمدة ، والشرح ، وشرح ابن منجا . وقدمه في الفائق . والصحيح من المذهب : أنه يلزمه المسمى ، مع تفاوتهما في أجرة المثل . نص عليه . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الفروع ، والمحرر . وهو قول الخرقي ، والقاضي ، وغيرهما . وكلام أبي بكر في التنبيه موافق لهذا . قاله في القواعد . وقال في الرعاية الكبرى : وإن أجرها للزرع ، فغرس أو بنى : لزمه أجرة المثل . وإن أجرها لغرس أو بناء لم يملك الآخر . فإن فعل فأجرة المثل . وإن أجرها لزرع شعير لم يزرع دخنا . فإن فعل غرم أجرة المثل للكل . وقيل : بل المسمى ، وأجرة المثل لزيادة ضرر الأرض . وقيل : هو كغاصب . كذا لو أجرها لزرع قمح فزرع ذرة ودخنا . انتهى . ذكره متفرقا . واستثنى المصنف وتبعه الشارح ، واقتصر عليه الزركشي من محل الخلاف : لو اكترى لحمل حديد . فحمل قطنا ، أو عكسه : أنه يلزمه أجرة المثل بلا نزاع .

قوله ( وإن أكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع ، فجاوزه . فعليه الأجرة المذكورة ، وأجرة المثل للزائد ) ذكره الخرقي . وهو المذهب . جزم به في المحرر ، والعمدة ، وتجريد العناية . وقطع به الأصحاب في الثانية . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وقال أبو بكر : عليه أجرة المثل للجميع . جزم به في الوجيز .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أن أبا بكر قاله في المسألتين ، أعني : إذا أكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ، أو إلى موضع فجاوزه . [ ص: 53 ] والذي نقله القاضي عن أبي بكر ، ونقله الأصحاب منهم : المصنف في المغني . والشارح ، وصاحب الفروع ، وغيرهم إنما هو في مسألة من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه فقط . فلذلك قال الزركشي : ولا عبرة بما أوهمه كلام أبي محمد في المقنع من وجوب أجرة المثل على قول أبي بكر فيما إذا اكترى لموضع فجاوزه ، ولا ما اقتضاه كلام ابن حمدان من وجوب ما بين القيمتين على قول ، وأجرة المثل على قول آخر . فإن القاضي قال : لا يختلف أصحابنا في ذلك . وقد نص عليه : الإمام أحمد . انتهى . والذي يظهر : أن المصنف تابع أبا الخطاب في الهداية . فإنه ذكر كلام أبي بكر بعد المسألتين ، إلا أن كلامه في الهداية أوضح . فإنه ذكر مسألة أبي بكر أخيرا . والمصنف ذكرها أولا . فحصل الإيهام . وقال المصنف في المغني ، والشارح : وحكى القاضي أن قول أبي بكر في مسألة من اكترى لحمولة شيء فزاد عليه : وجوب أجر المثل في الجميع ، وأخذه من قوله فيمن استأجر أرضا ليزرعها شعيرا فزرعها حنطة فقال " عليه أجرة المثل للجميع ; لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره . فأشبه ما لو استأجر أرضا زرع أخرى " قالا : فجمع القاضي بين مسألة الخرقي ومسألة أبي بكر . وقالا : ينقل قول كل واحد من إحدى المسألتين إلى الأخرى ، لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون في المسألة وجهان . قالا : وليس الأمر كذلك . فإن بين المسألتين فرقا ظاهرا . وذكراه . انتهيا .

قوله ( وإن تلفت ضمن قيمتها ) . قال المصنف : ظاهر كلام الخرقي وجوب قيمتها إذا تلفت به ، سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة ، وسواء كان صاحبها مع المكتري أو لم يكن . وقطع به في المستوعب ، والحاوي ، والشرح وغيرهم . [ ص: 54 ] قال في الفروع : ويلزمه قيمة الدابة إن تلفت . قال الزركشي : لما قال الخرقي : وإن تلفت فعليه أيضا ضمانها ، يعني : إذا تلفت في حدة المجاوزة . قال في الوجيز : وإن تلفت ضمن قيمتها بعد تجاوز المسافة . قال في الهداية ، والمذهب ، والخلاصة ، وغيرهم : وإن تلفت في حال زيادة الطريق ، فعليه كمال قيمتها . وقال القاضي : إن كان المكتري نزل عنها ، وسلمها إلى صاحبها ليمسكها أو يسقيها فتلفت : فلا ضمان على المكتري .

وقال المصنف أيضا : إذا تلفت في حال التعدي ، ولم يكن صاحبها مع راكبها : فلا خلاف في ضمانها بكمال قيمتها . وكذا إذا تلفت تحت الراكب ، أو تحت حمله وصاحبها معها . فأما إن تلفت في يد صاحبها ، بعد نزول الراكب عنها . فإن كان بسبب تعبها بالحمل والسير : فهو كما لو تلفت تحت الحمل والراكب . وإن تلفت بسبب آخر . فلا ضمان فيها ، وقطع به في الفروع وغيره . قال في القاعدة الثامنة والعشرين : ضمنها بكمال القيمة . ونص عليه في الزيادة على المدة . وخرج الأصحاب وجها بضمان النصف من مسألة الحد . قوله ( إلا أن تكون في يد صاحبها . فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين ) . وهما احتمالان مطلقان في الهداية . وأطلقهما في المذهب ، والمستوعب ، ومسبوك الذهب .

أحدهما : يضمن قيمتها كلها . وهو المذهب . وهو ظاهر كلام الخرقي ، [ ص: 55 ] والقاضي في التعليق ، والشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وابن البنا ، والمجد . وقال أبو المعالي في النهاية : هذا المذهب . وجزم به في الوجيز ، والمجرد للقاضي . وقدمه في الخلاصة ، والفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والشرح .

والوجه الثاني : يضمن نصف قيمتها فقط . وقال في التلخيص : إن تلفت بفعل الله : لم يضمن . وإن تلفت بالحمل : ففي تكميل الضمان وتنصيفه وجهان . واختار في الرعاية : أنه إن زاد في الحمل : ضمن نصفها مطلقا . وإن زاد في المسافة : ضمن الكل إن تلفت حال الزيادة ، وإلا هدر . وعن القاضي في الشرح الصغير : لا ضمان عليه ألبتة . وقال القاضي أيضا : إن كان المكتري نزل عنها ، وسلمها لصاحبها ليمسكها أو يسقيها . فتلفت : لم يضمن . وإن هلكت ، والمكتري راكبها ، أو حمله عليها : ضمنها . ووافقه في المغني ، والفروع على ذلك ، إلا أنهما استثنيا ما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل والسير كما تقدم . قال في التصحيح : يضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين . وفي الآخر : يضمن جميع قيمتها . وهو الصحيح إذا تلفت بسبب تعبها بالحمل والسير . ويأتي نظير ذلك إذا زاد سوطا على الحد ، ومسائل أخرى هناك . فيراجع في أوائل كتاب الحدود .

تنبيه : دخل في قوله ( إذا اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه ) . لو اكتراها ليركبها وحده فركبها معه آخر . فتلفت . وصرح به في القواعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية