صفحة جزء
قوله ( وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة : انفسخت الإجارة . وإن كان على عمل : خير المستأجر بين الفسخ والصبر ) . إذا هرب الأجير ، أو شردت الدابة ، أو أخذ المؤجر العين وهرب بها ، أو منعه استيفاء المنفعة منها من غير هرب : لم تنفسخ الإجارة . ويثبت له خيار الفسخ . فإن فسخ فلا كلام . وإن لم يفسخ ، وكانت الإجارة على مدة : انفسخت بمضيها يوما فيوما . فإن عادت العين في أثنائها استوفى ما بقي ، وإن انقضت انفسخت . وإن كانت على موصوف في الذمة . كخياطة ثوب ونحوه أو حمل إلى موضع معين : استؤجر من ماله من يعمله . فإن تعذر فله الفسخ . فإن لم يفسخ فله مطالبته بالعمل . وإن هرب قبل إكمال عمله ملك المستأجر الفسخ والصبر كمرضه . قدمه في الرعايتين ، والفائق ، والحاوي الصغير . وقيل : يكترى عليه من يقوم به . فإن تعذر فله فسخها . وإن فرغت مدته في هربه فله الفسخ . قدمه في الفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وقيل : تنفسخ هي . وهو الذي قطع به المصنف هنا . قوله ( وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها . الحاكم من مال الجمال ، أو أذن للمستأجر في النفقة . فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه ) .

[ ص: 61 ] إذا أنفق المستأجر على الجمال والحالة ما تقدم بإذن حاكم : رجع بما أنفقه بلا نزاع . وإن لم يستأذنه ونوى الرجوع . ففيه الرويتان اللتان فيمن قضى دينا عن غيره بغير إذنه ، على ما تقدم في باب الضمان . والصحيح منهما : أنه يرجع . قال في القواعد : ومقتضى طريقة القاضي : أنه يرجع رواية واحدة . ثم إن الأكثرين اعتبروا الإشهاد على نية الرجوع . وفي المغني وغيره : وجه أنه لا يعتبر . قال في القواعد : وهو الصحيح . انتهى . وحكم موت الجمال حكم هربه ، على الصحيح من المذهب . كما قال المصنف وقال أبو بكر : مذهب الإمام أحمد : أن الموت لا يفسخ الإجارة . وله أن يركبها ، ولا يسرف في علفها ولا يقصر . ويرجع بذلك . قوله ( وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها ) . سواء تلفت ابتداء أو في أثناء المدة . فإذا تلفت في ابتداء المدة انفسخت وإن تلفت في أثنائها انفسخت أيضا فيما بقي فقط ، على الصحيح من المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، والمحرر ، وغيرهم . وقدمه في الفروع وغيره . وقيل : تنفسخ أيضا فيما مضى . ويقسط المسمى على قيمة المنفعة . فيلزمه بحصته . نقل الأثرم فيمن اكترى بعيرا بعينه فمات ، أو انهدمت الدار : فهو عذر . يعطيه بحساب ما ركب .

وقيل : يلزمه بحصته من المسمى . وقيل : لا فسخ بهدم دار . فيخير . ويأتي حكم الدار إذا انهدمت في كلام المصنف بعد هذا . وكلامه هنا أعم . وعنه : لا تنفسخ بموت المرضعة . ويجب في مالها أجرة من يرضعه . اختاره أبو بكر . [ ص: 62 ] وأما موت المرتضع فتنفسخ به الإجارة قولا واحدا . كما جزم به المصنف هنا . قوله ( وتنفسخ الإجارة بموت الراكب إذا لم يكن له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة ) . هذا إحدى الروايتين . اختاره المصنف ، والشارح . وجزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وشرح ابن منجا ، والوجيز . والصحيح من المذهب : أن الإجارة لا تنفسخ بموت الراكب مطلقا . قدمه في الفروع . قال في المحرر وغيره : لا تنفسخ بالموت . قال الزركشي هذا : المنصوص . وعليه الأصحاب ، إلا أبا محمد . قوله ( وإن أكرى دارا فانهدمت : انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة ، في أحد الوجهين ) . وهو المذهب . صححه في المغني ، والشرح ، والتصحيح . وجزم به ابن أبي موسى ، والشيرازي ، وابن البناء ، وصاحب الوجيز ، وغيرهم . وهو ظاهر كلام الخرقي . وقدمه في الفروع ، والفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وغيرهم .

والوجه الثاني : لا تنفسخ . ويثبت للمستأجر خيار الفسخ . وهو رواية عن الإمام أحمد . اختاره القاضي . قال في التلخيص : لم تنفسخ . على أصح الوجهين . وقيل : تنفسخ فيما بقي وفيما مضى . ذكره في الرعاية الكبرى . قوله ( أو أرضا للزرع ، فانقطع ماؤها : انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين ) . وهو المذهب . صححه في المغني ، والشارح ، والتصحيح . وجزم به في الوجيز وقدمه في الفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . [ ص: 63 ] والوجه الثاني : لا تنفسخ . وللمستأجر خيار الفسخ . اختاره القاضي . وجزم به في التلخيص في موضع . وقال في موضع آخر : لم تنفسخ على أصح الوجهين . وقدمه في الرعاية الكبرى .

فائدة : لو أجر أرضا بلا ماء : فإن أجرها وأطلق . فاختار المصنف الصحة ، إذا كان المستأجر عالما بحالها وعدم مائها . وقدمه في المغني ، والشرح . وقيل : لا يصح . وجزم به ابن رزين في شرحه ، وأطلقهما في الفروع . وإن ظن المستأجر إمكان تحصيل الماء ، وأطلق الإجارة : لم تصح . جزم به في المغني ، والشرح ، والفروع وغيرهم . وإن ظن وجوده بالأمطار ، أو زيادة الأنهار : صح . على الصحيح من المذهب كالعلم . جزم به في المغني ، والتلخيص ، وغيرهما . وقدمه في الفروع . وفي الترغيب ، والرعاية وجهان . ومتى زرع فغرق ; أو تلف ، أو لم ينبت : فلا خيار له . وتلزمه الأجرة . نص عليه . وإن تعذر زرعها لغرقها فله الخيار . وكذا له الخيار لقلة ماء قبل زرعها أو بعده ، أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : أو برد ، أو فأر ، أو عذر . قال : فإن أمضى العقد فله الأرش كعيب الأعيان . وإن فسخ . فعليه القسط قبل القبض ، ثم أجرة المثل إلى كماله . قال : وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقا ، وإن قال في الإجارة : مقيلا ومراعي ، أو أطلق . لأنه لا يرد على عقد ، كأرض البرية . [ ص: 64 ] قوله ( ولا تنفسخ ) أي الإجارة ( بموت المكري ، ولا المكتري ) هذا المذهب مطلقا في الجملة . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم . منهم صاحب الوجيز . وقدمه في الفروع وغيره . قال الزركشي : هذا المذهب المنصوص . وعليه الأصحاب . وتقدم رواية اختارها جماعة أنها تنفسخ بموت الراكب وتقدم رواية : لا تنفسخ الإجارة بموت المرضعة .

تنبيه : قال ابن منجا في شرحه . فإن قيل : كيف الجمع بين قول المصنف " تنفسخ بموت الراكب " وبين قوله بعد " لا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري " ؟ قيل : يجب حمل قوله " لا تنفسخ بموت المكتري " على أنه مات وله وارث . وهناك صرح بأنها تنفسخ إذا لم يكن له من يقوم مقامه . قلت : ويحتمل أنه قال هذا متابعة للأصحاب . وقال ذلك لأجل اختياره . قوله ( وإن غصبت العين : خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل . فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى ) . إذا غصبت العين فلا تخلو : إما أن تكون إجارتها لعمل أو لمدة . فإن كانت لعمل ، فلا تخلو : إما أن تكون الإجارة على عين موصوفة في الذمة ، أو تكون على عين معينة . فإن كانت على عين موصوفة في الذمة وغصبت : لزمه بدلها . فإن تعذر كان له الفسخ . وإن كانت على عين معينة . خير بين الفسخ والصبر إلى أن يقدر على العين المغصوبة فيستوفى منها . [ ص: 65 ] وإن كانت إلى مدة : فهو مخير بين الفسخ والإمضاء وأخذ أجرة مثلها من غاصبها إن ضمنت منافع الغصب . وإن لم تضمن انفسخ العقد وقال في الانتصار : تنفسخ تلك المدة . والأجرة للمؤجر لاستيفاء المنفعة على ملكه . وأن مثله وطئ ، مزوجة . ويكون الفسخ متراخيا . فإذا لم يفسخ حتى انقضت مدة الإجارة كان له الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى ، وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل . فإن ردت العين في أثناء المدة ولم يكن فسخ : استوفى ما بقي منها . ويكون فيما مضى من المدة مخيرا ، كما ذكرنا . قاله في المغني ، والشرح ، وغيرهما .

فائدتان : إحداهما : لو كان الغاصب هو المؤجر : لم يكن له أجرة مطلقا . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه . وقيل : حكمه حكم الغاصب الأجنبي . وهو تخريج في المحرر وغيره . وقال الزركشي : لو أتلف المستأجر العين ثبت ما تقدم من الفسخ ، أو الانفساخ ، مع تضمين المستأجر ما أتلف . ومثله : جب المرأة زوجها ، تضمن ولها الفسخ . انتهى . قلت : يحتمل أن لا فسخ لها . وتقدم قريبا إذا حوله المالك قبل تقضي المدة . وهذه المسألة من بعض صور تلك .

الثانية : لو حدث خوف عام يمنع من سكنى المكان الذي فيه العين المستأجرة ، أو حصر البلد ، فامتنع خروج المستأجر إلى الأرض : ثبت له خيار الفسخ قال الخرقي : وإذا جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه . [ ص: 66 ] فكلامه أعم من كلام المصنف هنا . لأنه شمل الغصب وغيره . فلذلك استشهد به المصنف . فإن كان الخوف خاصا بالمستأجر ، كمن خاف وحده لقرب أعدائه من الموضع المأجور ، أو حلولهم في طريقه : لم يملك الفسخ . وكذا الحكم لو حبس أو مرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية