صفحة جزء
قوله ( وإن أعارها فتلفت عند المستعير : استقر ضمان قيمتها عليه وضمان الأجرة على الغاصب ) . إذا استعارها من الغاصب عالما بغصبها . فله تضمين الغاصب ، والمستعير . فإن ضمن الغاصب : رجع على المستعير . وإن ضمن المستعير : لم يرجع على الغاصب مطلقا . وإن كان غير عالم بالغصب ، فضمن المستعير : لم يرجع على الغاصب بقيمة العين . ويرجع عليه بضمان المنفعة . على الصحيح من المذهب . وهو قول المصنف " وضمان الأجرة على الغاصب " . وعنه : لا يرجع بضمان المنفعة إذا تلفت بالاستيفاء . ويستقر الضمان عليه في مقابلة الانتفاع . قال في القواعد : وإن ضمن الغاصب المنفعة ابتداء . ففيه طريقان .

أحدهما : البناء على الروايتين . فإن قلنا : لا يرجع القابض عليه إذا ضمن ابتداء : رجع على الغاصب هنا عليه ، وإلا فلا . وهي طريقة أبي الخطاب ، ومن اتبعه ، والقاضي ، وابن عقيل في موضع . [ ص: 179 ]

والطريق الثاني : لا يرجع الغاصب على القابض ، قولا واحدا . قاله القاضي ، وابن عقيل في موضع آخر .

فائدة : ذكر المصنف رحمه الله فيما إذا انتقلت العين من يد الغاصب إلى يد غيره ثلاث مسائل : مسألة الشراء ، ومسألة الهبة ، ومسألة العارية . وتقدم الكلام عليها . وقد ذكر العلامة ابن رجب في قواعده : أن الأيدي القابضة من الغاصب ، مع عدم العلم بالحال عشرة : منها : الثلاثة المذكورة ، التي ذكرها المصنف . ولكن نعيد ذكر يد المتهب لأجل نظائرها في اليد التاسعة .

فاليد الثالثة : الغاصبة من الغاصب ، وحقها : أن تكون أولى . لأنها كالأصل للأيدي . وهو أن اليد الغاصبة من الغاصب يتعلق بها الضمان كأصلها . ويستقر عليها مع التلف تحتها . ولا يطالب بما زاد على مدتها .

اليد الرابعة : يد آخذة لمصلحة الدافع كالاستيداع ، والوكالة بغير جعل . فالصحيح من المذهب : أن للمالك تضمينها . ثم يرجع بما ضمن على الغاصب ، لتغريره . وفيه وجه آخر باستقرار الضمان عليها ، ولتلف المال تحتها من غير إذن . صرح به القاضي في المجرد ، في باب المضاربة . قال ابن رجب : ويتخرج فيه وجه آخر : لا يجوز تضمينها بحال من الوجه المحكي كذلك في المرتهن ، ونحوه . وأولى . وخرجه الشيخ تقي الدين رحمه الله من مودع المودع ، حيث لا يجوز له الإيداع . فإن الضمان على الأول وحده . كذلك قال القاضي في المجرد ، وابن عقيل في الفصول . وذكر : أنه ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ، ومن الأصحاب من منع ظهوره . [ ص: 180 ]

اليد الخامسة : يد قابضة لمصلحتها ، ومصلحة الغاصب كالشريك ، والمضارب ، والوكيل بجعل ، والمرتهن فالمشهور : جواز تضمينها أيضا . وترجع بما ضمنت . لدخولها على الأمانة . وذكر القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، والمصنف في الرهن : احتمالين آخرين .

أحدهما : استقرار الضمان على القابض . وحكوا هذا الوجه في المضارب أيضا .

والثاني : لا يجوز تضمينها بحال . لدخولها على الأمانة . قال ابن رجب : وينبغي أن يكون هو المذهب . وأنه لا يجوز تضمين القابض ما لم يدخل على ضمانه في جميع هذه الأقسام . وحكى القاضي ، وغيره في المضاربة وجها آخر : أن الضمان في هذه الأمانات يستقر على من ضمن منهما . فأيهما ضمن لم يرجع على الآخر .

اليد السادسة : يد قابضة عوضا مستحقا بغير عقد البيع كالصداق ، وعوض الخلع ، والعتق ، والصلح عن دم العمد إذا كان معينا له ، أو كان القبض وفاء لدين مستقر في الذمة من ثمن مبيع ، أو غيره ، أو صداقا ، وقيمة ما تلف ونحوه فإذا تلفت هذه الأعيان في يد من قبضها ، ثم استحقت : فللمستحق الرجوع على القابض ببدل العين والمنفعة ، على ما تقرر . قال : ويتخرج وجه : أن لا مطالبة له عليه . وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى في الصداق . والباقي مثله على القول بالتضمين . فيرجع على الغاصب بما غرم من قيمة المنافع ، لتغريره . إلا بما انتفع به . فإنه مخرج على الروايتين . وأما قيم الأعيان ، فمقتضى ما ذكره القاضي ومن اتبعه : أنه لا يرجع بها . ثم إن كان القبض وفاء عن دين ثابت في الذمة : فهو باق بحاله . وإن كان عوضا متعينا في العقد : لم ينفسخ العقد هنا باستحقاقه . ولو قلنا : إن النكاح على المغصوب لا يصح . لأن القول بانتفاء الصحة مختص بحالة العلم . ذكره [ ص: 181 ] ابن أبي موسى . ويرجع على الزوج بقيمة المستحق في المنصوص . وهو قول القاضي في خلافه . وقال في المجرد : ويجب مهر المثل . وأما عوض الخلع ، والعتق ، والصلح عن دم العمد : ففيه وجهان .

أحدهما : يجب الرجوع فيها بقيمة العوض المستحق . وهو المنصوص . وهو قول القاضي في أكثر كتبه . وجزم به صاحب المحرر .

والثاني : يجب قيمة المستحق في الخلع ، والصلح عن دم العمد . بخلاف العتق . فإن الواجب فيه قيمة العبد . وهو قول القاضي في البيوع من خلافه . ويشبه قول الأصحاب ، فيما إذا جعل عتق أمته صداقها وقلنا لا ينعقد به النكاح فأبت أن تتزوجه على ذلك : أن عليها قيمة نفسها لا قيمة مهر مثلها . وعلى الوجه المخرج في البيع : أن المغرور يرجع بقيمة العين . فهنا كذلك .

اليد السابعة : يد قابضة بمعاوضة . وهي يد المستأجر . فقال القاضي ، والأكثرون : إذا ضمنت المنفعة لم يرجع بها . ولو زادت أجرة المثل على الأجرة المسماة : ففيه ما مر من زيادة قيمة العين على الثمن . وإذا ضمنت قيمة العين رجعت بها على الغاصب لتغريره . وفي تعليقة المجد يتخرج لأصحابنا وجهان .

أحدهما : أن المستأجر لا ضمان عليه بحال . لقول الجمهور : يضمن العين . وهل القرار عليه ؟ لنا وجهان .

أحدهما : عليه .

والثاني : على الغاصب . وهو الذي ذكره القاضي في خلافه . انتهى .

اليد الثامنة : يد قابضة للشركة . وهي المتصرفة في المال بما ينميه بجزء من [ ص: 182 ] النماء كالشريك ، والمضارب ، والمزارع ، والمساقي ولهم الأجرة على الغاصب لعملهم له بعوض لم يسلم . فأما المضارب ، والمزارع بالعين المغصوبة ، وشريك العنان : فقد دخلوا على أن لا ضمان عليهم بحال . فإذا ضمنوا على المشهور رجعوا بما ضمنوا ، إلا حصتهم من الربح ، فلا يرجعون بضمانها . ذكره القاضي ، وابن عقيل في المساقي . والمزارع نظيره . أما المضارب ، والشريك : فلا ينبغي أن يستقر عليهم ضمان شيء بدون القسمة مطلقا . وحكى الأصحاب في المضارب للمضارب بغير إذن وجها آخر : أنه يرجع بما ضمنه . بناء على الوجه المذكور باستقرار الضمان على من تلف المال بيده . ويتخرج وجه آخر : أنه لا يملك المالك تضمينهم بحال . وإنما أعاد حكم الشريك والمضارب لذكر النماء . وأما المساقي إذا ظهر الشجر مستحقا بعد تكملة العمل : فللعامل أجرة المثل لعمله على الغاصب . وإذا تلف الثمن فله حالتان .

إحداهما : أن يتلف بعد القسمة . فللمالك تضمين كل من الغاصب والعامل ما قبضه . وله أن يضمن الكل للغاصب . فإذا ضمنه الكل : رجع على العامل بما قبضه لنفسه . وفي المغني احتمال : لا يرجع عليه . وهل للمالك تضمين العامل جميع الثمرة ؟ ذكر القاضي فيه احتمالين .

أحدهما : نعم . ثم يرجع العامل على الغاصب بما قبضه على الثمرة . على المشهور ، وبالكل على الاحتمال المذكور . والثاني : لا .

الحالة الثانية : أن يتلف الثمر قبل القسمة : إما على الشجر ، وإما بعد جذه . ففي التلخيص في مطالبة العامل بالجميع : احتمالان . وكذا لو تلف بعض الشجر . [ ص: 183 ] قال ابن رجب : وهو ملتفت إلى أن يد العامل : هل يثبت على الشجر والثمر أم لا ؟ والأظهر : أن لا . لأن الضمان عندنا لا ينتقل في الثمر المعلق على شجره بالتخلية . ولو اشترى شجرة بثمرها . فهل تدخل الثمرة في ضمانه تبعا للشجرة ؟ قال ابن عقيل في فنونه : لا تدخل . قال ابن رجب : والمذهب دخولها تبعا .

اليد التاسعة : يد قابضة تملكا لا بعوض : إما للعين بمنافعها كالهبة ، والوقف والصدقة والوصية أو للمنفعة كالموصى له بالمنافع والمشهور . أنها ترجع بما ضمنته بكل حال ، إلا ما يحصل لها به نفع . ففي رجوعها بضمانه الروايتان ويتخرج وجه آخر : أنها لا تضمن ابتداء : ما لم يستقر ضمانها عليه . وذكر القاضي ، وابن عقيل رواية : أنها لا ترجع بما ضمنته بحال . ثم اختلف الأصحاب في محل الروايتين في الرجوع بما انتفعت به على طرق ثلاث : إحداهن : أن محلهما إذا لم يقل الغاصب : هذا ملكي ، أو ما يدل عليه . فإن قال ذلك : فالقرار عليه بغير خلاف . وهي طريقة المصنف في المغني .

والطريقة الثانية : إن ضمن المالك القابض ابتداء ، ففي رجوعه على الغاصب الروايتان مطلقا . وإن ضمن الغاصب ابتداء ، فإن كان القابض قد أقر له بالملكية : لم يرجع على القابض . رواية واحدة . وهي طريقة القاضي .

والطريقة الثالثة : الخلاف في الكل من غير تفصيل . وهي طريقة أبي الخطاب وغيره .

اليد العاشرة : يد متلفة للمال نيابة عن الغاصب كالذابح للحيوان ، والطابخ له فلا قرار عليها بحال . وإنما القرار على الغاصب قاله القاضي ، وابن عقيل ، والأصحاب . [ ص: 184 ] قال ابن رجب : ويتخرج وجه آخر بالقرار عليها مما أتلفه كالمودع إذا تلفت تحت يده وأولى . لمباشرتها للإتلاف . قال : ويتخرج وجه آخر : لا ضمان عليها بحال من نص الإمام أحمد فيمن حفر لرجل بئرا في غير ملكه ، فوقع فيها إنسان . فقال الحافر : ظننت أنها في ملكه . فلا شيء عليه . وبذلك جزم القاضي ، وابن عقيل في كتاب الجنايات . وأما إذا أتلفته على وجه محرم شرعا ، عالمة بتحريمه ، كالقاتلة للعبد المغصوب والمحرقة للمال بإذن الغاصب فيهما . ففي التلخيص : يستقر عليها الضمان . لأنها عالمة بالتحريم . فهي كالعالمة بأنه مال الغير . ورجح الحارثي دخولها في قسم المغرور . انتهى كلام ابن رجب في القواعد ملخصا . ولقد أجاد . فرحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية