صفحة جزء
قوله ( وإن تلف المغصوب : لزمه مثله ، إن كان مكيلا ، أو موزونا ) . كذا لو أتلفه . هذا المذهب . وعليه الأصحاب ، سواء تماثلت أجزاؤه أو تفاوتت كالأثمان ، والحبوب ، والأدهان ، وغير ذلك وجزم به في العمدة ، والمحرر ، والوجيز ، والتسهيل ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . [ ص: 191 ] وحكاه ابن عبد البر إجماعا في المأكول ، والمشروب . وعنه : يضمنه بقيمته . قال الحارثي : ذكرها القاضي أبو الحسين في كتابه التمام ، وأبو الحسن بن بكروس في رءوس المسائل . وذكره القاضي أيضا . وذكر أيضا أخذ القيمة في نقرة وسبيكة للأثمان ، وعنب ورطب وكمثرى . قال المصنف ، والشارح : ويحتمل أن يضمن النقرة بقيمتها .

تنبيه : محل هذا إذا كان باقيا على أصله . فأما مباح الصناعة كمعمول الحديد ، والنحاس ، والرصاص ، والصوف ، والشعر المغزول ، ونحو ذلك فإنه يضمن بقيمته . لأنه خرج عن أصله . جزم به في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . قوله ( وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، والمحرر وناظم المفردات ، والمنور ، وغيرهم . وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والكافي ، والمغني ، والشرح ، والتلخيص ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وهو من مفردات المذهب . وقال القاضي في الخصال : يضمنه بقيمته يوم القبض . يعني يوم قبض البدل . قال في التلخيص : وذكره ابن عقيل . قال الحارثي : اختاره ابن عقيل . وعنه : يلزمه قيمته يوم تلفه . وقيل : أكثرهما يعني : أكثر القيمتين قيمته يوم البدل ، وقيمته يوم التلف . [ ص: 192 ] وعنه : يوم المحاكمة . وعنه يلزمه قيمته يوم غصبه . وقيل : يلزمه أكثر القيمتين : قيمته يوم الإعواز ، وقيمته يوم الغصب . وهو تخريج في الهداية وغيرها .

فوائد : إحداهما : إن قدر على المثل قبل أخذ القيمة : وجب رد المثل . قاله الأصحاب . وقال في القاعدة السادسة والأربعين : ينبغي أن يحمل كلامهم على ما إذا قدر على المثل عند الإتلاف ، ثم عدمه . أما إن عدمه ابتداء : فلا يبعد أن يخرج في وجوب أداء المثل خلاف . انتهى . وإن كان بعد أخذها : أجزأت . ولا يلزمه ردها ، وأخذ المثل . على الصحيح من المذهب . قال في الفروع : لم يرد القيمة في الأصح . قال في التلخيص : لم يرد القيمة على الأظهر . وجزم به في الفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وقيل : يرده ويأخذ المثل .

الثانية : الصحيح من المذهب : أن المثلي هو المكيل والموزون . قال الحارثي : المذهب أنه المكيل والموزون . كذلك نص عليه من رواية إبراهيم بن هانئ ، وحرب بن إسماعيل . وتقدم كلام القاضي في السبيكة ونحوها . وقال في المجرد : الحطب ، والخشب ، والحديد ، والنحاس ، والرصاص ليس مثليا لا يختلف . قال الحارثي : وعموم نص الإمام أحمد رحمه الله على خلافه ، وهو الصحة . انتهى . [ ص: 193 ] ذكر في المستوعب : أن كل ما لا يضبط بالصفة كالربويات ، والأشربة ، والغالية غير مثلي . لاختلافه باختلاف المركبات والتركيب . قال الحارثي : والصواب إدراجه في المنصوص . لأنه موزون . وقال الحارثي أيضا : ولعمري ، إن اعتبار المثلي بكل ما يثبت في الذمة حسن . والتشابه في غير المكيل والموزون ممكن . فلا مانع منه . وكذلك ما انقسم بالأجزاء بين الشريكين من غير تقويم ، مضافا إلى هذا النوع . لوجود التماثل وانتفاء التخالف . انتهى .

الثالثة : الدراهم المغشوشة الرائجة : مثلية لتماثلها عرفا . ولأن أخلاطها غير مقصودة . قاله الحارثي . قوله ( وإن لم يكن مثليا : ضمنه بقيمته ) . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وهو من المفردات . قال الحارثي : هو قول الأكثرين . وقد نص عليه ، في الأمة : من رواية صالح وحنبل ، وموسى بن سعيد ، ومحمد بن يحيى الكحال . وفي الدابة : من رواية مهنا . وفي الثياب : من رواية الكحال أيضا ، وابن مشيش ومهنا . وعنه : في الثوب والقصعة والعصي ونحوها : يضمنها بالمثل ، مراعيا للقيمة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وصاحب الفائق . قال في رواية موسى بن سعيد : المثل في العصي والقصعة إذا كسر ، وفي الثوب . وصاحب الثوب مخير إن شاء شق الثوب ، وإن شاء مثله . قال المصنف : معناه والله أعلم إن شاء أخذ أرش الشق . قال الحارثي : وفيه نظر . فقد قال في رواية الشالنجي : يلزمه المثل في العصي ، والقصعة والثوب .

[ ص: 194 ] قلت : فلو كان الشق قليلا ؟ قال صاحب الثوب بالخيار قليلا كان أو كثيرا . وذكر ذلك في الفائق ، وغيره . وقال في الفروع ، وعنه : يضمنه بمثله . ذكرها ابن أبي موسى . واختاره شيخنا . قال في الاختيارات : وهو المذهب عند ابن أبي موسى . قال الحارثي : هو المذهب عند ابن أبي موسى . واختاره . وذكر لفظه في الإرشاد . قال الحارثي : وهو الحق . وعنه : يضمنه بمثله . وعنه : يضمنه في غير الحيوان بمثله . ذكره جماعة . وذكر في الواضح ، والموجز : أنه ينقص عنه عشرة دراهم . وذكر في الانتصار ، والمفردات : لو حكم حاكم بغير المثل في المثلي ، وبغير القيمة في المتقوم : لم ينفذ حكمه ، ولم يلزمه قبوله . ونقل ابن منصور فيمن كسر خلخالا : أنه يصلحه . قوله ( ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده ) . وهذا المذهب .

نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله . قال الحارثي : وهو الصحيح والمشهور . وقال الزركشي : هذا المشهور والمختار عند الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، ونظم المفردات ، والمنور ، وغيرهم . وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والتلخيص ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، والفائق ، والحارثي ، وغيرهم . ويتخرج : أن يضمنه بقيمته يوم غصبه . وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله قال الحارثي : أورد المصنف وأبو الخطاب هذا التخريج من قول [ ص: 195 ] الإمام أحمد في حوائج البقال يعطيه على سعر يوم أخذ . وفرق بينهما بأن الحوائج يملكها الآخذ بأخذها . بخلاف المغصوب . انتهى . وعنه : بأكثرهما يعني أكثر القيمتين قيمة يوم تلفه ويوم غصبه . قال الحارثي : ومن الأصحاب من حكى رواية بوجوب أقصى القيم : من يوم الغصب إلى يوم التلف . ونسب إلى الخرقي من قوله " ولو غصبها حاملا ، فولدت في يده ثم مات الولد . أخذها سيدها وقيمة ولدها أكثر ما كانت قيمته " وهو اختيار السامري . قال القاضي في الروايتين : وما وجدت رواية بما قال الخرقي . وهو عندي غير مناف للأول . فإن قيمة الولد بعد الولادة تتزايد بتزايد تربيته . فتكون يوم موته أكثر ما كانت . وعلى هذا يتعين حمل ما قال . لأنه المعروف من نص الإمام أحمد . وما عداه من ذلك لا يعرف من نصه . انتهى .

فائدة : حكم المقبوض بعقد فاسد وما جرى مجراه : حكم المغصوب في اعتبار الضمان بيوم التلف . وكذا المتلف بلا غصب ، بغير خلاف . قاله الحارثي . وتقدمت الإحالة على هذا المكان في أواخر خيار البيع . وقوله " في بلده " هو الصحيح من المذهب . أي في بلد غصبه . جزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والتلخيص ، والفائق ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في الفروع . وعنه : تعتبر القيمة من نقد البلد الذي تلف فيه . لأنه موضع ضمانه . جزم به في الكافي . قال الحارثي ، عن القول الأول : كذا قال أبو الخطاب ومن تابعه . وعلل بأنه محل الضمان . فاختص به دون غيره . قال : وفي هذا نظر . فإنه إنما يتمشى على اعتبار الضمان بيوم الغصب . لأنه إذن محل الضمان .

[ ص: 196 ] أما على اعتباره بيوم التلف كما هو الصحيح فالاعتبار إذن إنما هو بمحل التلف . لأنه محل الضمان ، حيث وجد سببه فيه . فوجب الاعتبار به . وقد أشار صاحب التلخيص إلى ما قلنا . فإنه قال : لو غصب في بلد ، وتلف في بلد آخر ، ولقيه في ثالث : كان له المطالبة بقيمة أي البلدين شاء من بلد الغصب والتلف ، إلا أن نقول : الاعتبار بيوم القبض ، فيطالب بالقيمة في بلد الغصب . انتهى . قلت : قد صرح في التلخيص بأنه يعتبر القيمة في بلد الغصب في هذا المحل من كتابه . فقال : وتعتبر القيمة في بلد الغصب . وعلى كلا القولين : إن كان في البلد نقد أخذ منه . وإن كان فيه نقود أخذ من غالبها . صرح به الأصحاب ، إلا أن يكون من جنس المغصوب . مثل المصوغ ونحوه . على ما يأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية