صفحة جزء
قوله ( وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها : تصدق بها عنهم ، بشرط الضمان كاللقطة ) . إذا بقي في يده غصوب لا يعرف أصحابها ، فسلمها إلى الحاكم : برئ من عهدتها ، بلا نزاع . ويجوز له التصدق بها عنهم بشرط ضمانها . ويسقط عنه إثم الغصب . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . وجزم به في المغني ، والشرح ، والوجيز ، وغيرهم . قال في القاعدة السابعة والتسعين : لم يذكر أصحابنا فيه خلافا . وقال في القاعدة السادسة بعد المائة : ويتصدق بها عنه . على الصحيح وقدمه في الفروع ، والفائق ، وغيرهما . نقل المروذي : يعجبني الصدقة بها . وقال في الغنية : عليه ذلك . ونقل أيضا : على فقراء مكانه إن عرفه . ونقل صالح : أو بقيمته . وله شراء عرض بنقد ويتصدق به . ولا تجوز محاباة قريب وغيره . نص عليهما . وظاهر نقل حرب في الثانية : الكراهة . قال في الفروع : وهو ظاهر كلامهم في غير موضع . انتهى . وعنه : ليس له الصدقة بها . ذكرها القاضي في كتاب الروايتين . وهو تخريج في الشرح ، والفائق .

فائدتان : إحداهما : قال الحارثي وغيره : وكذا الرهون ، والودائع ، وسائر الأمانات . [ ص: 213 ] كالأموال المحرمة فيما ذكرنا . وذكر نصوصا في ذلك . وتقدم حكم المرهون في آخر الرهن ويأتي قريبا من ذلك في باب أدب القاضي ، عند حكم الهدية ، والرشوة . وتأتي مسألة الوديعة في بابها . وهل يلزم الحاكم الأخذ أم لا ؟

الثانية : لا يجوز لمن هذه الأشياء في يده وقلنا : له الصدقة بها أن يأخذ منها لنفسه إذا كان من أهل الصدقة . نص عليه . وخرج القاضي : جواز الأكل منها إذا كان فقيرا ، على الروايتين في شراء الوصي من نفسه . نقله عنه ابن عقيل في فنونه . وأفتى به الشيخ تقي الدين رحمه الله في الغاصب إذا تاب .

تنبيه : ظاهر قوله " لا يعرف أربابها " أنه لا يتصدق بها إلا مع عدم معرفة أربابها ، سواء كان قليلا أو كثيرا . وهو المذهب . وقدمه في الفروع . ونقل الأثرم وغيره : له الصدقة بها إذا علم ربها وشق دفعه إليه ، وهو يسير ، كحبة . وقطع به في القاعدة السابعة والتسعين ، فقال : له الصدقة به عنه . نص عليه في مواضع . وقال الحارثي : إذا علم الغاصب المالك : فهنا حالتان .

إحداهما : انقطاع خبره لغيبة : إما ظاهرها السلامة كالتجارة ، والسياحة . ومضت مدة الإياس ، ولا وارث له : تصدق بها كما لو جهل . نص عليه . وإما ظاهرها الهلاك كالمفقود من بين أهله ، أو في مهلكة ، أو بين الصفين ونحوه . وكذلك أربع سنين ، وأربعة أشهر وعشر ، ولا وارث له تصدق به أيضا . نص عليه . وإن كان له وارث : سلم إليه . وأنكر أبو بكر : الزيادة على الأربع سنين ، وقال : لا معنى للأربعة أشهر في ذلك . [ ص: 214 ] قال القاضي ، وغيره : أصل المسألة : هل يقسم مال المفقود للمدة التي تباح زوجته فيها ، أو لأربع سنين فقط على روايتين . وإن لم تمض المدة المعتبرة : ففي المال المحرم يتعين التسليم إلى الحاكم من غير انتظار . وأما ما اؤتمن عليه كالوديعة ، والرهن : فليس عليه الدفع إليه .

الحالة الثانية : أن يعلم وجوده . فإن كان غائبا : سلم إلى وكيله ، وإلا فإلى الحاكم . وإن كان حاضرا فإليه أو إلى وكيله . وإن علم موته : فإلى ورثته . فإن لم يكن له ورثة : تصدق به . نص عليه . ولا يكون لبيت المال فيه شيء . ويأتي : إذا كسب مالا حراما برضى الدافع ونحوه ، في باب أدب القاضي ، عند الكلام على الهدية للحاكم .

تنبيه : قول المصنف " كاللقطة " قال الحارثي : الأليق فيه التشبيه بأصل الضمان . لا في مضمون الصدقة والضمان . فإن المذهب في " اللقطة " التملك لا التصدق . انتهى . قلت : بل الصحيح من المذهب : جواز التصدق باللقطة التي لا تملك بالتعريف على ما يأتي من كلام المصنف في اللقطة . قال الشارح هنا : وعنه في اللقطة لا تجوز الصدقة بها . فيتخرج هنا مثله . فوائد

إحداها : قال في الفروع : لم يذكر الأصحاب في ذلك سوى الصدقة بها . ونقل إبراهيم بن هانئ : يتصدق بها ، أو يشتري بها كراعا ، أو سلاحا يوقف . هو مصلحة للمسلمين . انتهى . قلت : قد ذكر ذلك الحارثي . وقال عن ذلك : ينزل منزلة الصدقة . انتهى . [ ص: 215 ] قال في الفروع : وسأله جعفر عمن مات ، وكان يدخل في أمور تكره ، فيريد بعض ولده التنزه ؟ فقال : إذا دفعها إلى المساكين ، فأي شيء بقي عليه ؟ واستحسن أن يوقفها على المساكين . ويتوجه على أفضل البر . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : تصرف في المصالح . وقاله في وديعة وغيرها . وقال : قاله العلماء . وأنه مذهبنا . ومذهب أبي حنيفة ، ومالك . وهذا مراد أصحابنا . لأن الكل صدقة . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : من تصرف فيه بولاية شرعية لم يضمن . وقال : ليس لصاحبه إذا عرف رد المعاوضة ، لثبوت الولاية عليها شرعا للحاجة . كمن مات ولا ولي له ، ولا حاكم . مع أنه ذكر أن مذهب الإمام أحمد رحمه الله : وقف العقد للحاجة لفقد المالك ، ولغير حاجة الروايتان . وقال فيمن اشترى مال مسلم من التتار لما دخلوا الشام : إن لم يعرف صاحبه صرف في المصالح ، وأعطى مشتريه ما اشتراه به . لأنه لم يصر لها إلا بنفقته وإن لم يقصد ذلك . كما رجحه فيمن اتجر بمال غيره وربح . ونص في وديعة : تنتظر ، كمال مفقود . وأن جائزة الإمام أحب إليه من الصدقة . قال القاضي : إن لم يعرف أن عينه مغصوب : فله قبوله . وسوى ابن عقيل وغيره بين وديعة وغصب . ذكرهما الحلواني كرهن .

الثانية : إذا تصدق بالمال ، ثم حضر المالك : خير بين الأجر وبين الأخذ من المتصدق . فإن اختار الأجر : فذاك . وإن اختار الأخذ : فله ذلك . والأجر للغارم . نص عليه في الرهن . قاله الحارثي .

الثالثة : إذا لم يبق درهم مباح . فقال في النوادر : يأكل عادته . لا ما له عنه غنية . كحلواء وفاكهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية