صفحة جزء
قوله ( وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها ) . [ ص: 236 ] وهذا المذهب بشرطه الآتي . وعليه الأصحاب . وجزم به في المغني ، والشرح ، والفائق ، وغيرهم من الأصحاب . وسواء كان التالف صيد حرم أو غيره . قال في الفروع : أطلقه الأصحاب . قال : ويتوجه إلا الضارية . ولعله مرادهم . وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن أمر رجلا بإمساكها : ضمنه ، إن لم يعلمه بها . وقال في الفصول : من أطلق كلبا عقورا ، أو دابة رفوسا ، أو عضوضا على الناس ، وخلاه في طريقهم ومصاطبهم ورحابهم ، فأتلف مالا ، أو نفسا : ضمن لتفريطه . وكذا إن كان له طائر جارح كالصقر والبازي فأفسد طيور الناس وحيواناتهم . انتهى . قلت : وهو الصواب .

فائدة : قال في الانتصار : البهيمة الصائلة : يلزم مالكها وغيره إتلافها . وكذا قال في عيون المسائل : إذا عرفت البهيمة بالصول : يجب على مالكها قتلها . وعلى الإمام وغيره : إذا صالت على وجه المعروف ، ومن وجب قتله على وجه المعروف : لم يضمن ، كمرتد . وتقدم إذا كانت البهيمة مغصوبة وأتلفت ، عند قوله " وإن جنى المغصوب فعليه أرش جنايته " .

قوله ( إلا أن تكون في يد إنسان ، كالراكب ، والسائق ، والقائد ) . يعني : إذا كان قادرا على التصرف فيها . فيضمن ما جنت يدها أو فمها . دون ما جنت رجلها . وهذا المذهب . قال الحارثي : هذا الصحيح من المذهب . جزم به في الهداية ، وخلافه الصغير ، [ ص: 237 ] والشريف أبو جعفر ، وابن عقيل في التذكرة ، والمذهب ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز ، وغيرهم . وقدمه في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وعليه جماهير الأصحاب . وعنه : يضمن السائق جناية رجلها . قال القاضي ، وابن عقيل : وهي أصح . لتمكن السائق من مراعاة الرجل ، بخلاف الراكب والقائد . وعنه : يضمن ما جنت برجلها ، سواء كان سائقا أو قائدا أو راكبا . ذكرها في المغني ، وغيره . قال الحارثي : وأورد في المغني هذا الخلاف مطلقا في القائد والسائق والراكب . والصواب : ما حكاه في الكافي وغيره من التقييد بالسائق . فإنه مأخوذ من القاضي . والقاضي إنما ذكره في السائق فقط . انتهى . قلت : هذا غير مؤثر فيما أورده المصنف من الإطلاق . لأن جماعة من الأصحاب حكوا الروايات الثلاث . والناقل مقدم على النافي . وقال في المحرر : يضمن إذا كان معها راكب أو قائد أو سائق ما جنت بيدها وفمها ووطء رجلها ، دون نفحها ابتداء . انتهى . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وقال ابن البنا : إن نفحت برجلها وهو يسير عليها فلا ضمان . وإن كان سائقا : ضمن ما جنت برجلها .

فوائد : منها : لو كبحها باللجام زيادة على المعتاد ، أو ضربها في الوجه : ضمن ما جنت رجلها أيضا ، ولو لمصلحة . قال الحارثي : لا يختلف الأصحاب في وجوب الضمان وطئا ونفحا . وظاهر نقل ابن هانئ في الوطء : لا يضمن . [ ص: 238 ] ونقل أبو طالب : لا يضمن ما أصابت برجلها ، أو نفحت بها . لأنه لا يقدر على حبسها . وهو ظاهر كلام جماعة . قاله في الفروع .

ومنها : لا يضمن ما جنت بذنبها . على الصحيح من المذهب . كرجلها . قال في الفروع : ولا ضمان بذنبها في الأصح . جزم به في الترغيب وغيره . وجزم به أيضا في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، وغيرهم . مع ذكرهم الخلاف في الرجل . وقيل : يضمن . قال الحارثي : والذنب كالرجل ، يجري فيه الخلاف في السائق . ولا يضمن به الراكب والقائد ، كما لا يضمن بالرجل وجها واحدا . كذا أورده في الكافي . انتهى .

ومنها : لو كان السبب من غير السائق والقائد والراكب ، مثل إن نخسها أو نفرها غيره : فالضمان على من فعل ذلك . جزم به في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفروع ، وغيرهم .

ومنها : لو جنى ولد الدابة : ضمن . على الصحيح من المذهب . نص عليه . واختاره ابن أبي موسى ، والسامري ، وقطعا به . وقدمه في الفروع ، وشرح الحارثي . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يضمن إن فرط ، نحو أن يعرفه شموسا ، وإلا فلا . وقيل : لا يضمن مطلقا . واختاره المصنف ، والشارح . وقدمه في الفائق .

ومنها : لو كان الراكب اثنان : فالضمان على الأول ، إلا أن يكون صغيرا أو مريضا ونحوهما ، وكان الثاني متوليا تدبيرها . فيكون الضمان عليه . قال الحارثي : وإن اشتركا في التصرف اشتركا في الضمان . وإن كان مع الدابة سائق وقائد : فالضمان عليهما . على المذهب . وعليه الأصحاب . [ ص: 239 ] قال الحارثي : وعن بعض المالكية : الضمان على القائد وحده . قال : وهذا قول حسن . وإن كان معهما ، أو مع أحدهما راكب : اشتركوا في الضمان على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع . وفيه وجه آخر : الضمان على الراكب فقط . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، وشرح الحارثي ، والفائق . وقيل : يضمن القائد فقط . وهو احتمال في المغني .

ومنها : الإبل والبغال المقطرة كالبهيمة الواحدة على قائدها الضمان . وإن كان معه سائق شاركه في ضمان الأخير منها ، دون ما قبله . هذا إذا كان في آخرها . فإن كان في أولها : شارك في الكل . وإن كان فيما عدا الأول : شارك في ضمان ما باشر سوقه . دون ما قبله . وشارك فيما بعده . وإن انفرد راكب بالقطار ، وكان على أوله : ضمن جناية الجميع . قاله الحارثي . قال المصنف في المغني ، ومن تبعه : المقطور على الجمل المركوب : يضمن جنايته لأنه في حكم القائد له . فأما المقطور على الجمل الثاني : فينبغي أن لا يضمن جنايته . لأن الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية . انتهى . قال الحارثي : وليس بالقوي . فإن ما بعد الراكب إنما يسير بسيره ، ويطأ بوطئه . فأمكن حفظه عن الجناية . فضمن كالمقطور على ما تحته . انتهى .

ومنها : لو انفلتت الدابة ممن هي في يده ، وأفسدت : فلا ضمان . نص عليه فلو استقبلها إنسان فردها . فقياس قول الأصحاب : الضمان . قاله الحارثي .

ومنها : لا فرق في الراكب والسائق والقائد بين المالك ، والأجير ، والمستأجر ، والمستعير والموصي إليه بالمنفعة . وعموم نصوص الإمام أحمد رحمه الله تقتضيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية