صفحة جزء
وتابع في التلخيص المنصوص ، فقال : أحكام الوقف خمسة . منها : لزومه في الحال . أخرجه مخرج الوصية ، أم لم يخرجه . وعند ذلك : ينقطع تصرفه فيه . وشيخنا رحمه الله في حواشي المحرر لما لم يطلع على نص الإمام أحمد رد كلام صاحب التلخيص وتأوله . اعتمادا على أن المسألة ليس فيها منقول مع أنه وافق الحارثي على أن ظاهر كلام الأصحاب : لا يقع الوقف والحالة هذه لازما . قلت : كلامه في القواعد يشعر أن فيه خلافا : هل هو لازم أم لا ؟ . قاله في القاعدة الثانية والثمانين في تبعية الولد . ومنها : المعلق وقفها بالموت ، إن قلنا : هو لازم . وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية الميموني . انتهى . فظاهر قوله " إن قلنا : هو لازم " يشعر بالخلاف .

ومنها : لو شرط في الوقف أن يبيعه ، أو يهبه ، أو يرجع فيه متى شاء : بطل الشرط والوقف في أحد الأوجه . وهو الصحيح من المذهب . نص عليه . وقدمه في الفروع ، وشرح الحارثي ، والفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . قال المصنف في المغني : لا نعلم فيه خلافا . وقيل : يبطل الشرط دون الوقف ، وهو تخريج من البيع ، وما هو ببعيد . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : يصح في الكل نقله عنه في الفائق . ومنها : لو شرط الخيار في الوقف فسد . نص عليه . وهو المذهب . وخرج فساد الشرط وحده من البيع . [ ص: 26 ] قال الحارثي : وهو أشبه . ومنها : لو شرط البيع عند خرابه ، وصرف الثمن في مثله ، أو شرطه للمتولي بعده . فقال القاضي ، وابن عقيل ، وابن البنا ، وغيرهم : يبطل الوقف . قلت : وفيه نظر . وذكر القاضي ، وابن عقيل وجها بصحة الوقف وإلغاء الشرط . ذكر ذلك الحارثي . قلت : وهو الصواب . قال في الفروع : وشرط بيعه إذا خرب فاسد في المنصوص . نقله حرب . وعلل بأنه ضرورة ومنفعة لهم . قال في الفروع : ويتوجه على تعليله : لو شرط عدمه عند تعطيله . وقيل : الشرط صحيح .

قوله ( ولا يشترط القبول ، إلا أن يكون على آدمي معين . ففيه وجهان ) . إذا وقف وقفا ، فلا يخلو : إما أن يكون على آدمي معين ، أو غيره . فإن كان على غير معين ، فقطع المصنف هنا : أنه لا يشترط القبول . وهو صحيح . وهو المذهب . وعليه الأصحاب . وذكر الناظم احتمالا : أن نائب الإمام يقبله . وإن كان الموقوف عليه آدميا معينا زاد في الرعايتين : أو جمعا محصورا فهل يشترط قبوله أم لا يشترط ؟ فيه وجهان . أطلقهما المصنف هنا . أحدهما : لا يشترط . وهو المذهب . قال في الكافي : هذا ظاهر المذهب . قال الشارح : هذا أولى . [ ص: 27 ] قال الحارثي : هذا أقوى . وقطع به القاضي ، وابن عقيل . قال في الفائق : لا يشترط في أصح الوجهين . وصححه في التصحيح . وجزم به في الوجيز ، والمنور . وقدمه في الكافي ، والمحرر ، والفروع .

والوجه الثاني : يشترط . قال في المذهب والخلاصة : يشترط في الأصح . قال الناظم : هذا أقوى . وقدمه في الهداية ، والمستوعب ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في مسبوك الذهب ، والتلخيص ، وشرح ابن منجا ، والرعاية الكبرى ، والزركشي ، وتجريد العناية . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وأخذ الريع قبول .

تنبيه : أكثر الأصحاب يحكي الخلاف من غير بناء . وقال ابن منجا في شرحه بعد تعليل الوجهين والأشبه : أن ينبني ذلك على أن الملك : هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا ؟ . فإن قيل بالانتقال ، قيل : باشتراط القبول ، وإلا فلا . قال الحارثي : وبناه بعض أصحابنا المتأخرين على ذلك . قال في الرعايتين ، قلت : إن قلنا " هو لله تعالى " لم يعتبر القبول ، وإن قلنا " هو للمعين والجمع المحصور " اعتبر فيه القبول . قال الحارثي : وفي ذلك نظر . فإن القبول إن أنيط بالتمليك فالوقف لا يخلو من تمليك ، سواء قيل بالامتناع أو عدمه . انتهى . قال الزركشي : والظاهر أن الخلاف على القول بالانتقال . إذ لا نزاع بين الأصحاب : أن الانتقال إلى الموقوف عليه هو المذهب ، مع اختلافهم في المختار هنا . فعلى المذهب : لا يبطل برده . فرده وقبوله وعدمهما واحد كالعتق . [ ص: 28 ] جزم به في المغني ، والشرح . وقال أبو المعالي في النهاية : إنه يرتد برده كالوكيل إذا رد الوكالة . وإن لم يشترط لها القبول . قال الحارثي : وهذا أصح . وعلى القول بالاشتراط ، قال الحارثي : يشترط اتصال القبول بالإيجاب . فإن تراخى عنه : بطل كما يبطل في البيع والهبة . وعلله . ثم قال : وإذا علم هذا ، فيتفرع عليه عدم اشتراط القبول من المستحق الثاني والثالث . ومن بعد تراخي استحقاقهم عن الإيجاب . ذكره بعض الأصحاب . قال : وهذا يشكل بقبول الوصية متراخيا عن الإيجاب . انتهى . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا اشترط القبول على المعين . فلا ينبغي أن يشترط المجلس . بل يلحق بالوصية والوكالة . فيصح معجلا ومؤجلا بالقول والفعل . فأخذ ريعه : قبول . وقطع ، واختار في القاعدة الخامسة والخمسين : أن تصرف الموقوف عليه المعين : يقوم مقام القبول بالقول .

قوله ( فإن لم يقبله أو رده : بطل في حقه ، دون من بعده ) . وهذا مفرع على القول باشتراط القبول . فجزم المصنف هنا : أنه كالمنقطع الابتداء ، على ما يأتي بعد ذلك . فيأتي فيه وجه بالبطلان . وهذا أحد الوجهين . أعني : كونه كالمنقطع الابتداء . وجزم به في المغني ، والشرح . وقيل : يصح هذا ، وإن لم تصحح في الوقف المنقطع . وهو الصحيح . قال في الفروع : وهو أصح كتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه . [ ص: 29 ] قال الحارثي : هذا الصحيح . فعلى هذا : يصح هنا . قولا واحدا . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ليس كالوقف المنقطع الابتداء ، بل الوقف هنا صحيح . قولا واحدا

قوله ( وكان كما لو وقف على من لا يجوز . ثم على من يجوز ) . هذا الوقف المنقطع الابتداء . وهو صحيح . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . قال الحارثي : جزم به أكثر الأصحاب . وبناه في المغني ، ومن تابعه ، على تفريق الصفقة . فأجرى وجها بالبطلان . قال : وفيه بعد . فعلى المذهب : يصرف في الحال إلى من بعده . كما قال المصنف . وهذا الصحيح من المذهب . قال الحارثي : وهو الأقوى . وقدمه في المحرر ، والفروع ، والفائق ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . وفيه وجه آخر : أنه إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين صرف إلى مصرف الوقف المنقطع . يعني المنقطع الانتهاء . على ما يأتي . صرح به الحارثي ، إلى أن ينقرض . ثم يصرف إلى من بعده . واختاره ابن عقيل ، والقاضي . وقال : هو قياس المذهب . وقيل : يصرف إلى أقارب الواقف . قاله في الفائق .

قوله ( وإن وقف على جهة تنقطع ، ولم يذكر له مآلا ، أو على من يجوز ، ثم على من لا يجوز ) انصرف بعد انقراض من يجوز ( الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين ) . [ ص: 30 ] وهو المذهب . قال في الكافي : هذا ظاهر المذهب . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . فعليها : يقسم على قدر إرثهم . جزم به في الفروع وغيره . قال الحارثي : قاله الأصحاب . قال القاضي : فللبنت مع الابن الثلث . وله الباقي . وللأخ من الأم مع الأخ للأب السدس . وله ما بقي . وإن كان جد وأخ : قاسمه . وإن كان أخ وعم : انفرد به الأخ . وإن كان عم وابن عم : انفرد به العم . وقال الحارثي : وهذا تخصيص بمن يرث من الأقارب في حال دون حال . وتفضيل لبعض على بعض . وهو لو وقف على أقاربه ، لما قالوا فيه بهذا التخصيص ، والتفضيل . وكذا لو وقف على أولاده ، أو أولاد زيد . لا يفضل فيه الذكر على الأنثى . وقد قالوا هنا : إنما ينتقل إلى الأقارب وقفا . انتهى . فظاهر كلامه : أنه مال إلى عدم المفاضلة . وما هو ببعيد . قال في الفائق : وعنه : في أقاربه ذكرهم وأنثاهم بالسوية . ويختص به الوارث . انتهى .

والرواية الأخرى : يصرف إلى أقرب عصبته . قال في الفروع : وعنه تصرف إلى عصبته . ولم يذكر أقرب . وأطلقهما ابن منجا في شرحه . فعليهما : يكون وقفا . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وقطع به القاضي ، وأبو الخطاب ، والمجد ، وغيرهم . وقدمه في النظم ، والفروع ، والزركشي ، والفائق ، وغيرهم . [ ص: 31 ] وهو ظاهر كلام المصنف هنا . قال في المغني : نص عليه . قال الحارثي : وإنما حذف ذكر الوقف في الرواية الثانية ، اختصارا واكتفاء بذكره المتقدم في رواية العود إلى الورثة . انتهى . وقال ابن منجا في شرحه : مفهوم قوله " في الورثة " يكون وقفا عليهم . على أنه إذا انصرف إلى أقرب العصبة : لا يكون وقفا . ورده الحارثي . فقال : من الناس من حمل رواية العود إلى أقرب العصبة في كلام المصنف : على العود ملكا . قال : لأنه قيد رواية العود إلى الورثة بالوقف ، وأطلق هنا . وأثبت بذلك وجها . قال : وليس كذلك . فإن العود إلى الأقرب ملكا إنما يكون بسبب الإرث ومعلوم أن الإرث لا يختص بأقرب العصبة . وأيضا : فقد حكى خلافا في اختصاص العود بالفقراء بهم . ولو كان إرثا لما اختص بالفقراء . مع أن المصنف صرح بالوقف في ذلك في كتابيه . وكذلك الذين نقل من كتبهم ، كالقاضي ، وأبي الخطاب . انتهى . وعنه : يكون ملكا . قال في الفائق : وقيل يكون ملكا . اختاره الخرقي . قال في المغني : ويحتمله كلام الخرقي . قال في الفائق : وقال ابن أبي موسى : إن رجع إلى الورثة كان ملكا ، بخلاف العصبة . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : وهذا أصح وأشبه بكلام الإمام أحمد رحمه الله . وعلى الروايتين أيضا ( هل يختص به فقراؤهم ؟ على وجهين ) . [ ص: 32 ] وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والرعاية الكبرى ، وغيرهم . أحدهما : عدم الاختصاص . وهو المذهب . قال الحارثي : هذا الأصح في المذهب . قال الناظم : هذا الأقوى . وجزم به في المحرر ، وغيره . قال الزركشي : هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ، والخرقي . وقدمه في الخلاصة ، والفروع ، والفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير .

والوجه الثاني : يختص به فقراؤهم . اختاره القاضي في كتاب الروايتين .

فائدة : متى قلنا برجوعه إلى أقارب الواقف ، وكان الواقف حيا ، ففي رجوعه إليه أو إلى عصبته وذريته روايتان . حكاهما ابن الزاغوني في الإقناع رواية .

إحداهما : يدخل . قطع به ابن عقيل في مفرداته . قاله في القاعدة السبعين . وكذا لو وقف على أولاده وأنسالهم ، على أن من توفي منهم عن غير ولد : رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه . فتوفي أحد أولاد الواقف عن غير ولد ، والأب الواقف حي ، فهل يعود نصيبه إليه ، لكونه أقرب الناس إليه ، أم لا ؟ تخرج على ما قبلها . قاله ابن رجب . والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه .

تنبيه :

لو لم يكن للواقف أقارب : رجع على الفقراء والمساكين . على الصحيح جزم به ابن عقيل في التذكرة ، والمصنف ، والشارح ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم . وقدمه في الفائق . وقال ابن أبي موسى : يباع . ويجعل ثمنه في المساكين . وقيل : يصرف إلى بيت المال لمصالح المسلمين . نص عليه في رواية ابن إبراهيم ، وأبي طالب ، وغيرها . [ ص: 33 ] وقطع به أبو الخطاب ، وصاحب المحرر وغيرهما . وقدمه الزركشي . وفي أصل المسألة ما قاله القاضي في موضع من كلامه : أنه يكون وقفا على المساكين . والموضع الذي قاله القاضي فيه : هو في كتابه الجامع الصغير . قاله الحارثي وهو رواية ثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله . اختارها جماعة من الأصحاب . منهم الشريفان أبو جعفر ، والزيدي والقاضي أبو الحسين . قاله الحارثي . واختاره المصنف أيضا . وصححه في التصحيح . قال الناظم : هي أولى الروايات . قال الحارثي : وهذا لا أعلمه نصا عن الإمام أحمد رحمه الله . قال المصنف : إن كان في أقارب الواقف فقراء : فهم أولى به ، لا على الوجوب وعنه رواية رابعة : يصرف في المصالح . جزم به في المنور . وقدمه في المحرر ، والفائق . وقال نص عليه . قال : ونصره القاضي ، وأبو جعفر . قال الزركشي : أنص الروايات أن يكون في بيت المال ، يصرف في مصالحهم فعلى هاتين الروايتين : يكون وقفا أيضا . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع . وعنه يرجع إلى ملك واقفه الحي . ونقل حرب : أنه قبل ورثته لورثة الموقوف عليه . ونقل المروذي : إن وقف على عبيده لم يستقم . قلت : فيعتقهم ؟ قال : جائز . فإن ماتوا ولهم أولاد فهو لهم ، وإلا فللعصبة . فإن لم يكن عصبة بيع وفرق على الفقراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية