صفحة جزء
قوله ( وإن قبلها بعد الموت : ثبت الملك حين القبول . في الصحيح ) وهو المذهب . قاله المصنف ، وغيره . وأومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى . ونصره القاضي ، وأصحابه . وقدمه في الفروع . قال الشارح ، وابن منجا : هذا الصحيح من المذهب . ونصره الشارح . ويحتمل أن يثبت الملك حين الموت . وقدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والخلاصة ، والمحرر ، والفائق . قال في العمدة : ولو وصى بشيء ، فلم يأخذه الموصى له زمانا : قوم وقت الموت . لا وقت الأخذ . انتهى . وقال في الوجيز : ويثبت الملك بالقبول عقب الموت . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب وقيل : الخلاف روايتان . [ ص: 207 ] واختار أبو بكر في الشافي : أن الملك مراعى . فإذا قبل : تبينا أن الملك ثبت له من حين الموت . وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى . وحكى الشريف عن شيخه ، أنه قال : هذا ظاهر كلام الخرقي . قلت : ويحتمله كلام الوجيز المتقدم ، بل هو ظاهر في ذلك . قال في المستوعب : وهذا هو الوجه الذي قبله بعينه . وهو كما قال . وحكي وجه : بأنه من حين الموت بمجرده . نقله الحارثي . فعلى الأول : يكون ( قبل القبول للورثة ) على الصحيح من المذهب . كما صرح به المصنف هنا . واختاره هو وابن البنا ، والشيرازي ، والشارح . وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق . وقيل : يكون على ملك الميت . وهو مقتضى قول الشريف ، وأبي الخطاب ، في خلافيهما .

قال الحارثي : والقول بالبقاء للميت : قال به أبو الخطاب ، والشريف أبو جعفر ، والقاضي أبو الحسين ، وغيرهم . انتهى . وأطلقهما الزركشي ، وصاحب القواعد فيها . وقال : وأكثر الأصحاب قالوا : يكون للموصى له . وهو قول أبي بكر ، والخرقي ، ومنصوص الإمام أحمد رحمه الله تعالى . انتهى .

تنبيه : لهذا الخلاف فوائد كثيرة ذكرها الأصحاب . وذكر المصنف هنا بعضها : منها : حكم نمائه بين الموت والقبول . فإن قلنا : هو على ملك الموصى له : فهو له يحتسب عليه من الثلث . إن قلنا : هو على ملك الميت : فتتوفر به التركة فيزداد به الثلث . [ ص: 208 ] فعلى هذا : لو وصى بعبد لا يملك غيره ، وثمنه عشرة . فلم تجز الورثة . فكسب بين الموت والقبول خمسة : دخله الدور . فتجعل الوصية شيئا . فتصير التركة عشرة ونصف شيء ، تعدل الوصية والميراث ، وهما ثلاثة أشياء . فيخرج الشيء أربعة بقدر خمس العبد . وهو الوصية . وتزداد التركة من العبد درهمين . فأما بقيته : فزادت على ملك الورثة . وجها واحدا . قاله في المحرر ، وغيره . وإن قلنا : هو على ملك الورثة : فهو لهم خاصة . وذكر القاضي في خلافه : أن ملك الموصى له لا يتقدم القبول ، وأن النماء قبله للورثة ، مع أن العين باقية على حكم ملك الميت . فلا يتوفر الثلث . وذكر أيضا إذا قلنا : إنه مراعى ، وأنا نتبين بقبول الموصى له ملكه له من حين الموت . فإن النماء يكون للموصى له معتبرا من الثلث . فإن خرج من الثلث مع الأصل فهما له . وإلا كان له بقدر الثلث . فإن فضل شيء من الثلث كان له من النماء .

وقال في القاعدة الثانية والثمانين : إذا نما الموصى وقفه بعد الموت ، وقبل إيقافه : فأفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله : أنه يصرف مصرف الوقف . لأن نماءه قبل الوقف كنمائه بعده . وأفتى به الشيخ عماد الدين السكري الشافعي . قال الدميري : وهو الظاهر . وأجاب بعضهم بأنه للورثة . قلت : قد تقدم في كتاب الزكاة عند السائمة الموقوفة ما يشابه ذلك . وهو إذا أوصى بدراهم في وجوه البر ، أو ليشتري بها ما يوقف . فاتجر بها الوصي . فقالوا : ربحه مع أصل المال فيما وصى به . وإن خسر ضمن النقص . نقله الجماعة . وقيل : ربحه إرث . [ ص: 209 ]

ومنها : لو نقص الموصى به في سعر أو صفة . فقال في المحرر : إن قلنا يملكه بالموت : اعتبرت قيمته من التركة بسعره يوم الموت على أدنى صفاته من يوم الموت إلى القبول . وإن قلنا : يملكه من حين القبول . اعتبرت قيمته يوم القبول سعرا وصفة . انتهى .

قال في القواعد : والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابن منصور . وذكره الخرقي : أنه تعتبر قيمته يوم الوصية . ولم يحك في المغني فيه خلافا . فظاهره : أنه تعتبر قيمته بيوم الموت على الوجوه كلها . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : هذا قول الخرقي ، وقدماء الأصحاب . قال : وهو أوجه من كلام المجد . انتهى . قلت : وهو الصحيح من المذهب . جزم به في الوجيز وغيره . وقدمه في الفروع وغيره . قال في الفروع : ويقوم بسعره يوم الموت . ذكره جماعة . ثم ذكر ما في المحرر . وقال في الترغيب وغيره : وقت الموت خاصة . انتهى . ويأتي ذلك في كلام المصنف في باب الموصى به في قوله " وإن لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الأخذ " .

ومنها : لو كانت الوصية بأمة . فوطئها الوارث قبل القبول ، وأولدها : صارت أم ولد له . ولا مهر عليه . وولده حر . لا يلزمه قيمته . وعليه قيمتها للموصى له . هذا إن قلنا إن الملك لا يثبت إلا من حين القبول . ويملكها الورثة . وإن قلنا : لا يملكها الوارث لم تصر أم ولد .

ومنها لو وطئها الموصى له قبل القبول وبعد الموت . [ ص: 210 ] فإن قلنا : الملك له فهي أم ولده ، وإلا فلا .

ومنها : لو وصى له بزوجته . فأولدها قبل القبول : لم تصر أم ولد له . وولده رقيق للوارث . ونكاحه باق إن قلنا لا يملكها . وإن قلنا : يملكها بالموت ، فولده حر . وتصير أم ولده ، ويبطل نكاحه بالموت .

ومنها . لو وصى له بأبيه . فمات قبل القبول . فقبل ابنه ، وقلنا : يقوم الوارث مقامه في القبول : عتق الموصى به حينئذ . ولم يرث شيئا . إذا قلنا : إنما يملكه بعد القبول . وإن قلنا يملكه بالموت : فقد عتق به فيكون حرا عند موت أبيه . فيرث منه .

ومنها : لو كانت الوصية بمال في هذه الصورة . فإن قلنا : يثبت الملك بالموت ، فهو ملك للميت . فتوفى منه ديونه ووصاياه . وعلى الوجه الآخر : هو ملك للوارث الذي قبل . ذكره في المحرر .

قال في القواعد : ويتخرج وجه آخر : أنه يكون ملكا للموصى له على كلا الوجهين . لأن التمليك حصل له . فكيف يصح الملك ابتداء لغيره ؟ .

ومنها : لو وصى لرجل بأرض . فبنى الوارث فيها وغرس قبل القبول ، ثم قبل الموصى له . ففي الإرشاد : إن كان الوارث عالما بالوصية : قلع بناؤه وغرسه مجانا . وإن كان جاهلا : فعلى وجهين . قال في القواعد : وهو متوجه على القول بالملك بالموت . أما إن قيل هي قبل القبول على ملك الوارث : فهو كبناء المشتري الشقص المشفوع وغرسه . فيكون محترما ، يتملك بقيمته . قلت : وهو الصواب .

ومنها : لو بيع شقص في شركة الورثة ، والموصى له قبل قبوله . [ ص: 211 ] فإن قلنا : الملك له من حين الموت : فهو شريك للورثة في الشفعة ، وإلا فلا حق له فيها .

ومنها : جريانه من حين الموت في حول الزكاة . فإن قلنا : يملكه الموصى له : جرى في حوله . وإن قلنا : للورثة ، فهل يجري في حولهم ، حتى لو تأخر القبول سنة كانت زكاته عليهم أم لا ؟ لضعف ملكهم فيه ، وتزلزله ، وتعلق حق الموصى له به . فهو كمال المكاتب . قال في القواعد : فيه تردد . قلت : الثاني أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية