صفحة جزء
قوله ( ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها ، إلا أن ينوي الجمع ، أو لمشتغل بشرطها ) . زاد غير واحد " إذا كان ذاكرا لها ، قادرا على فعلها " وهو مراد لمن لم يذكر ذلك . ويجوز تأخير الصلاة عن وقتها لمن ينوي الجمع ، على ما يأتي في بابه ; لأن الوقتين كالوقت الواحد ، لأجل ذلك . وقطع المصنف هنا بجواز التأخير إذا كان مشتغلا بشرطها . وكذا قال في الوجيز ، وابن تميم ، والرعايتين ، والحاويين ، والشرح ، وغيرهم . ولم يذكر الاشتغال بالشرط في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة ، والنهاية له ، وغيرهم . واعلم أن اشتغاله بشرطها على قسمين .

قسم لا يحصل إلا بعد زمن طويل . فهذا لا يجوز تأخيرها لأجل تحصيله جزم به في الفروع . وقسم يحصل بعد زمن قريب فأكثر الأصحاب : يجوزونه ، وقدمه في الفروع [ ص: 399 ] وغيره ، وجزم به المصنف وغيره .

ولم يذكره في المستوعب ، والهداية ، والخلاصة ، والنهاية كما تقدم . وقال الشيخ تقي الدين : وأما قول بعض الأصحاب ( لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لناوي جمعها ) ، أو لمشتغل بشرطها " فهذا لم يقله أحد قبله من الأصحاب ، بل من سائر طوائف المسلمين ، إلا أن يكون بعض أصحابنا والشافعي . فهذا لا شك فيه ولا ريب أنه ليس على عمومه . وإنما أراد صورا معروفة كما إذا أمكن الواصل إلى البئر أن يضع حبلا يستقي به ، ولا يفرغ إلا بعد الوقت . أو أمكن العريان أن يخيط ثوبا ، ولا يفرغ إلا بعد الوقت ، ونحو هذه الصور . ومع هذا فالذي قاله هو خلاف المذهب المعروف عن أحمد وأصحابه وجماهير العلماء . وما أظن يوافقه إلا بعض أصحاب الشافعي . قال : ويؤيد ما ذكرناه أيضا : أن العريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية يشتري منها ثوبا ، ولا يصل إلا بعد الوقت : لا يجوز له التأخير بلا نزاع . وكذلك العاجز عن تعلم التكبير والتشهد الأخير ، إذا ضاق الوقت صلى حسب حاله . وكذلك المستحاضة إذا كان دمها ينقطع بعد الوقت : لم يجز لها التأخير ، بل تصلي في الوقت بحسب حالها . انتهى وتقدم اختياره إن استيقظ أول الوقت ، واختار أيضا تقديم الشرط إذا استيقظ آخر الوقت وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت : اغتسل وصلى ، ولو خرج الوقت . وكذلك لو نسيها تقدم ذلك كله عند قوله " ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات المكتوبة " . وقال ابن منجا في شرحه : في جواز التأخير لأجل الاشتغال بالشروط : نظر وذلك من وجهين . أحدهما : أنه لم ينقله أحد من الأصحاب ممن تقدم المصنف رحمه الله ممن يعلمه ، بل نقلوا عدم الجواز . واستثنوا : من نوى الجمع لا غير . وذكر ذلك أبو الخطاب في هدايته ، وصاحب النهاية فيها ، وفي خلاصته . [ ص: 400 ] وثانيهما : أن ذلك يدخل فيه من أخر الصلاة عمدا حتى بقي من الوقت مقدار الصلاة ، ولا وجه لجواز التأخير له . انتهى .

وقال ذلك أيضا ابن عبيدان في شرحه . وتقدم في آخر التيمم : إذا خاف فوت الصلاة المكتوبة ، أو الجنازة ونحوها : هل يشتغل بالشرط ، أو يتيمم ؟ ويأتي آخر صلاة الخوف : هل يؤخر الصلاة عن وقتها إذا اشتد الخوف أم لا ؟ .

تنبيه :

مفهوم قوله ( ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ) أنه يجوز تأخيرها إلى أثناء وقتها ، وهو صحيح ، إذ لا شك أن أوقات الصلوات الخمس أوقات موسعة . لكن قيد ذلك الأصحاب بما إذا لم يظن مانعا من الصلاة كموت وقتل وحيض ، وكمن أعير سترة أول الوقت فقط ، أو متوضئ عدم الماء في السفر ، وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت . ولا يرجو وجوده . وتقدم إذا كانت للمستحاضة عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعل الصلاة : أنه يتعين لها . فإذا انتفت هذه الموانع جاز له تأخيرها إلى أن يبقى قدر فعلها ، لكن بشرط عزمه على الفعل . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وقيل : يجوز التأخير بدون العزم . واختاره أبو الخطاب في التمهيد . وذكره المجد . ذكره القاضي في بعض المواضع . قاله ابن عبيدان . قال في القواعد الأصولية : ومال إليه القاضي في الكفاية . وينبني على القولين : هل يأثم المتردد حتى يضيق وقتها عن بعضها أم لا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية