صفحة جزء
[ ص: 324 ] فوائد جمة في آداب الأكل والشرب وما يتعلق بهما

كره الإمام أحمد رحمه الله ، أن يتعمد القوم حين وضع الطعام أن يفجأهم ، وإن فجأهم بلا تعمد : أكل . نص عليه . وأطلق في المستوعب ، وغيره : الكراهة إلا من عادته السماحة . وكره الإمام أحمد رحمه الله الخبز الكبار . وقال : ليس فيه بركة . وكره الإمام أحمد في رواية مهنا : وضعه تحت القصعة لاستعماله له . وقال الآمدي : يحرم عليه ذلك . وأنه نص الإمام أحمد . وكرهه غيره ، وكرهه الأصحاب في الأولتين . وجزم به في المغني في الثانية . ذكر ذلك كله في الفروع في باب الأطعمة . ويحرم عليه أخذ شيء من الطعام من غير إذن ربه . فإن علم بقرينة رضا مالكه ، فقال في الترغيب : يكره . وقال في الفروع : يتوجه أنه يباح . وأنه يكره مع ظنه رضاه . وقال في الرعاية الكبرى : له أخذ ما علم رضى ربه به ، وإطعام الحاضرين معه وإلا فلا . ويأتي : هل له أن يلقم غيره ؟ وما يشابهه . ويأتي أيضا في كلام المصنف : تحريم الأكل من غير إذن ولا قرينة ، وأن الدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل . ويغسل يديه قبل الطعام وبعده . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وعنه : يكره قبله . اختاره القاضي . قاله في الفروع . قال : وأطلق جماعة رواية الكراهة . [ ص: 325 ] قلت : قال في المستوعب وغيره : وعنه يكره اختاره القاضي . وقال ابن الجوزي في المذهب : يستحب غسل يديه بعد الطعام إذا كان له غمر . انتهى .

ولا يكره غسله في الإناء الذي أكل فيه . نص عليه . وعليه الأصحاب . ويكره الغسل بطعام . ولا بأس بنخالة . نص عليه . قال بعضهم : يكره بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه . وقال في الآداب : ويتوجه تحريم الغسل بمطعوم . كما هو ظاهر تعليل الشيخ تقي الدين رحمه الله . وقال المصنف ، والشارح : لما أمر الشارع عليه أفضل الصلاة والسلام المرأة أن تجعل مع الماء ملحا ، ثم تغسل به الدم عن حقيبته صلى الله عليه وسلم ، والملح طعام . ففي معناه ما يشبهه . انتهى . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : كلام أبي محمد يقتضي جواز غسلها بالمطعوم وهو خلاف المشهور . وجزم الناظم بجواز غسل يديه بالملح . وهو قول في الرعاية . وقال إسحاق : تعشيت مع أبي عبد الله مرة . فجعل يأكل ، وربما مسح يديه عند كل لقمة بالمنديل . ويتمضمض من شرب اللبن . ويلعق قبل الغسل أو المسح أصابعه ، أو يلعقها . ويعرض رب الطعام الماء لغسلهما . ويقدمه بقرب طعامه . ولا يعرض الطعام . ذكره في التبصرة ، وغيرها . واقتصر عليه في الفروع . ويسن أن يصغر اللقمة . ويجيد المضغ . ويطيل البلع . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : إلا أن يكون هناك ما هو أهم من الإطالة . وذكر بعض الأصحاب : استحباب تصغير الكسر . انتهى .

ولا يأكل لقمة حتى يبلع ما قبلها . [ ص: 326 ] وقال ابن أبي موسى ، وابن الجوزي : ولا يمد يده إلى أخرى ، حتى يبتلع الأولى . كذا قال في الترغيب ، وغيره . وينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة . ويبدأ بهما الأكبر والأعلم . جزم به في الرعاية الكبرى . وقدمه في الآداب الكبرى . وقال الناظم في آدابه : ويكره سبق القوم للأكل نهمة ولكن رب البيت إن شاء يبتدئ وإذا أكل معه ضرير : أعلمه بما بين يديه . وتستحب التسمية عليهما ، والأكل باليمين . ويكره ترك التسمية والأكل بشماله ، إلا من ضرورة . على الصحيح من المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وذكره النووي في الشرب إجماعا . وقيل : يجبان . اختاره ابن أبي موسى . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ينبغي أن نقول بوجوب الاستنجاء باليسرى ومس الفرج بها ; لأن النهي في كليهما . وقال ابن البنا ، قال بعض أصحابنا : في الأكل أربع فرائض : أكل الحلال . والرضا بما قسم الله . والتسمية على الطعام . والشكر لله عز وجل على ذلك وإن نسي التسمية في أوله قال إذا ذكر : " بسم الله أوله وآخره " . وقال في الفروع ، قال الأصحاب : يقول " بسم الله " . وفي الخبر { فليقل : بسم الله أوله وآخره } .

قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : لو زاد " الرحمن الرحيم " عند الأكل لكان حسنا . فإنه أكل بخلاف الذبح . فإنه قد قيل : لا يناسب ذلك . انتهى [ ص: 327 ] ويسمي المميز . ويسمي عمن لا عقل له ولا تمييز غيره . قاله بعضهم . إن شرع الحمد عنه . وينبغي للمسمي : أن يجهر بها . قاله في الآداب . لينبه غيره عليها . ويحمد الله إذا فرغ ، ويقول : ما ورد . وقيل : يجب الحمد . وقيل : ويحمد الشارب كل مرة . وقال السامري : يسمي الشارب عند كل ابتداء ، ويحمد عند كل قطع . قال في الآداب . وقد يقال مثله في أكل كل لقمة . وهو ظاهر ما روي عن الإمام أحمد رحمه الله . نقل ابن هانئ : أنه جعل عند كل لقمة : يسمي ويحمد . وقال : أكل وحمد خير من أكل وصمت . ويسن مسح الصحفة ، وأكل ما تناثر . والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه . ويأكل بثلاث أصابع . ويكره بإصبع . لأنه مقت ، وبإصبعين ، لأنه كبر ، وبأربع وخمس ، لأنه شره . قال في الآداب : ولعل المراد ما يتناول عادة وعرفا بإصبع أو إصبعين . فإن العرف يقتضيه . ويسن أن يأكل مما يليه مطلقا . على الصحيح من المذهب . قال جماعة من الأصحاب منهم القاضي ، وابن عقيل ، وابن حمدان في الرعاية ، وغيرهم : إذا كان الطعام لونا أو نوعا واحدا . وقال الآمدي : لا بأس بأكله من غير ما يليه إذا كان وحده . قاله في الفروع . وقال في الآداب : نقل الآمدي عن ابن حامد ، أنه قال : إذا كان مع جماعة أكل مما يليه . وإن كان وحده : فلا بأس أن تجول يده . انتهى .

قلت : وظاهر كلامهم : أن الفاكهة كغيرها . [ ص: 328 ] وكلام القاضي ومن تابعه محتمل الفرق . ويؤيده حديث عكراش بن ذؤيب رضي الله عنه . لكن فيه مقال . انتهى .

ويكره الأكل من أعلى القصعة ، وأوسطها . قال ابن عقيل : وكذلك الكيل . وقال ابن حامد : يسن أن يخلع نعليه . ويكره نفخ الطعام . على الصحيح من المذهب . زاد في الرعاية ، والآداب ، وغيرهما : والشراب . وقال في المستوعب : النفخ في الطعام والشراب والكتاب : منهي عنه . وقال الآمدي : لا يكره النفخ في الطعام إذا كان حارا . قلت : وهو الصواب . إن كان ثم حاجة إلى الأكل حينئذ . ويكره أكل الطعام الحار . قلت : عند عدم الحاجة . ويكره فعل ما يستقذره من غيره . وكذا يكره الكلام بما يستقذر ، أو بما يضحكهم ، أو يحزنهم . قاله الشيخ عبد القادر في الغنية . وكره الإمام أحمد رحمه الله الأكل متكئا . قال الشيخ عبد القادر في الغنية : وعلى الطريق أيضا . ويكره أيضا الأكل مضطجعا ومنبطحا . قاله في المستوعب وغيره . [ ص: 329 ] ويسن أن يجلس للأكل على رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، أو يتربع . قاله في الرعاية الكبرى ، وغيره . وذكر ابن البناء : أن من آداب الأكل : أن يجلس مفترشا . وإن تربع فلا بأس . انتهى .

وذكر في المستوعب ، من آداب الأكل : أن يأكل مطمئنا . كذا قال . ويكره عيب الطعام . على الصحيح من المذهب . وقال الشيخ عبد القادر في الغنية : يحرم . ويكره قرانه في التمر مطلقا . على الصحيح من المذهب . قدمه الناظم في آدابه ، وابن حمدان في آداب رعايتيه ، وابن مفلح في آدابه . وقيل : يكره مع شريك لم يأذن . قال في الرعاية : لا وحده ، ولا مع أهله ، ولا من أطعمهم ذلك . وأطلقهما ابن مفلح في الفروع . وقال أبو الفرج الشيرازي ، في كتابه أصول الفقه : لا يكره القران . وقال ابن عقيل في الواضح : الأولى تركه . قال صاحب الترغيب ، والشيخ تقي الدين رحمه الله : ومثله ما العادة جارية بتناوله وله أفراد . وكذا قال الناظم في آدابه . وهو الصواب . وله قطع اللحم بالسكين . والنهي عنه لا يصح . قاله الإمام أحمد رحمه الله . والسنة : أن يكون البطن أثلاثا : ثلثا للطعام ، وثلثا للشراب ، وثلثا للنفس . ويجوز أكله كثيرا بحيث لا يؤذيه . قاله في الترغيب . قال في الفروع : وهو مراد من أطلق . وقال في المستوعب ، وغيره : ولو أكل كثيرا لم يكن به بأس . وذكر الناظم : أنه لا بأس بالشبع ، وأنه يكره الإسراف .

[ ص: 330 ] وقال في الغنية : يكره الأكل كثيرا مع خوف تخمة . وكره الشيخ تقي الدين أكله حتى يتخم . وحرمه أيضا . قلت : وهو الصواب . وحرم أيضا : الإسراف . وهو مجاوزة الحد . ويأتي في الأطعمة كراهة إدمان أكل اللحم . ولا يقلل من الأكل بحيث يضره ذلك . وليس من السنة ترك أكل الطيبات . ولا يكره الشرب قائما . على الصحيح من المذهب . ونقله الجماعة ، وعليه أكثر الأصحاب . وعنه : يكره . وجزم به في الإرشاد . واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله . قال صاحب الفروع : وظاهر كلامهم : لا يكره أكله قائما . ويتوجه أنه كالشرب . وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله . قلت : إن قلنا : إن الكراهة في الشرب قائما لما يحصل له من الضرر ، ولم يحصل مثل ذلك في الأكل : امتنع الإلحاق . وكره الإمام أحمد رحمه الله الشرب من فم السقاء ، واختناث الأسقية ، وهو قلبها . ويكره أيضا الشرب من ثلمة الإناء . وقال في المستوعب : ولا يشرب محاذيا العروة ، ويشرب مما يليها . وظاهر كلام الأصحاب : أنهما سواء . وحمله في الآداب على أن العروة متصلة برأس الإناء . وإذا شرب ناول الإناء الأيمن . وقال في الترغيب : وكذا غسل يده .

[ ص: 331 ] وقال ابن أبي المجد : وكذا في رش ماء الورد . وقال في الفروع : وما جرت العادة به ، كإطعام سائل ، وسنور ، وتلقيم ، وتقديم : يحتمل كلامه وجهين . قال : وجوازه أظهر . وقال في آدابه : الأولى جوازه . وقال في الرعاية الكبرى : ولا يلقم جليسه ، ولا يفسح له إلا بإذن رب الطعام . وقال الشيخ عبد القادر : يكره أن يلقم من حضر معه ، لأنه يأكل [ ويتلف بأكله ] على ملك صاحبه على وجه الإباحة . وقال بعض الأصحاب : من الآداب أن لا يلقم أحدا يأكل معه إلا بإذن مالك الطعام . قال في الآداب : وهذا يدل على جواز ذلك ، عملا بالعادة والعرف في ذلك لكن الأدب والأولى : الكف عن ذلك ، لما فيه من إساءة الأدب على صاحبه والإقدام على طعامه ببعض التصرف من غير إذن صريح . وفي معنى ذلك : تقديم بعض الضيفان ما لديه ، ونقله إلى البعض الآخر . لكن لا ينبغي لفاعل ذلك أن يسقط حق جليسه من ذلك . والقرينة تقوم مقام الإذن في ذلك . وتقدم كلامه في الفروع . وقال في الفنون : كنت أقول : لا يجوز للقوم أن يقدم بعضهم لبعض ، ولا لسنور ، حتى وجدت في صحيح البخاري حديث أنس في الدباء . انتهى .

ويسن أن يغض طرفه عن جليسه .

قال الشيخ عبد القادر : من الآداب : أن لا يكثر النظر إلى وجوه الآكلين . انتهى .

[ ص: 332 ] ويسن أن يؤثر على نفسه . قال في الرعاية الكبرى ، والآداب : ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة ، ومع الفقراء بالإيثار ، ومع الإخوان بالانبساط ، ومع العلماء بالتعلم . وقال الإمام أحمد : يأكل بالسرور مع الإخوان ، وبالإيثار مع الفقراء ، وبالمروءة مع أبناء الدنيا . انتهى .

ويسن أن يخلل أسنانه إن علق بها شيء . وقال في المستوعب : روي عن ابن عمر " ترك الخلال يوهن الأسنان " . وذكره بعضهم مرفوعا . قال الناظم : ويلقي ما أخرجه الخلال ، ولا يبتلعه ، للخبر . ويسن الشرب ثلاثا . ويتنفس دون الإناء ثلاثا . فإن تنفس فيه كره . ولا يشرب في أثناء الطعام . فإنه مضر ، ما لم يكن عادة . ويسن أن يجلس غلامه معه على الطعام . وإن لم يجلسه أطعمه . ويسن لمن أكل مع الجماعة أن لا يرفع يده قبلهم ، ما لم توجد قرينة . ويكره مدح طعامه وتقويمه . على الصحيح من المذهب . وقال الشيخ عبد القادر في الغنية : يحرم عليه ذلك . وقال الآمدي : السنة أن يأكل بيده ، ولا يأكل بملعقة ، ولا غيرها . ومن أكل بملعقة أو غيرها : أكل بالمستحب . انتهى .

وقال الشيخ عبد القادر : ويستحب أن يبدأ بالملح ويختم به . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : زاد الملح . ويكره إخراج شيء من فيه ، ورده في القصعة . ولا يمسح يده بالخبز ، ولا يستبذله . ولا يخلط طعاما بطعام . قاله الشيخ عبد القادر . [ ص: 333 ] ويستحب لصاحب الطعام ، أن يباسط الإخوان بالحديث الطيب ، والحكايات التي تليق بالحالة إذا كانوا منقبضين . وقد كان الإمام أحمد رحمه الله : يباسط من يأكل معه . وذكر ابن الجوزي : أن من آداب الأكل : أن لا يسكتوا على الطعام ، بل يتكلمون بالمعروف . ويتكلمون بحكايات الصالحين في الأطعمة . انتهى .

ولا يتصنع بالانقباض . وإذا أخرج من فيه شيئا ليرمي به : صرف وجهه عن الطعام ، وأخذه بيساره . قال : ويستحب تقديم الطعام إليهم . ويقدم ما حضر من غير تكلف . ولا يستأذنهم في التقديم . انتهى .

قال في الآداب : كذا قال . وقال ابن الجوزي أيضا : ولا يكثر النظر إلى المكان الذي يخرج منه الطعام فإنه دليل على الشره . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : إذا دعي إلى أكل : دخل إلى بيته ، فأكل ما يكسر نهمته قبل ذهابه . وقال ابن الجوزي : ومن آداب الأكل : أن لا يجمع بين النوى والتمر ، في طبق واحد . ولا يجمعه في كفه ، بل يضعه من فيه على ظهر كفه . وكذا كل ما فيه عجم ، وثقل . وهو معنى كلام الآمدي . وقال أبو بكر بن حماد : رأيت الإمام أحمد رحمه الله يأكل التمر ، ويأخذ النوى على ظهر إصبعيه السبابة والوسطى . ورأيته يكره أن يجعل النوى مع التمر في شيء واحد . ولرب الطعام أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب ، إذا لم يتأذ غيره . ويستحب للضيف أن يفضل شيئا ، لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته ، أو كان ثم حاجة . [ ص: 334 ] وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله ، والشيخ تقي الدين : أن الخبز لا يقبل ، ولا بأس بالمناهدة . نقل أبو داود : لا بأس أن يتناهد في الطعام ويتصدق منه . لم يزل الناس يفعلون هذا . قال في الفروع : ويتوجه رواية : لا يتصدق بلا إذن ونحوه . انتهى .

ومعنى " النهد " أن يخرج كل واحد من الرفقة شيئا من النفقة ، ويدفعونه إلى رجل ينفق عليهم منه ، ويأكلون جميعا . وإن أكل بعضهم أكثر من بعض : فلا بأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية