صفحة جزء
قوله ( التاسع : أن يشهدا على رجل بقتل عمد ، أو ردة ، أو زنا فيقتل بذلك ، ثم يرجعا ويقولا : عمدنا قتله ) هكذا قال أكثر الأصحاب بهذه العبارة [ ص: 442 ] وقال في الكافي : وقالا " علمنا أنه يقتل " . وقال في المغني : ولم يجز جهلهما به . وقال في الترغيب ، والرعاية الكبرى : وكذبتهما قرينة . فالأصحاب متفقون على أن هذا عمد محض . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : ذكر الأصحاب من صور القتل العمد الموجب للقود : من شهدت عليه بينة بالردة . فقتل بذلك ، ثم رجعوا . وقالوا : عمدنا قتله . قال : وفي هذا نظر . لأن المرتد إنما يقتل إذا لم يتب ، فيمكن المشهود عليه التوبة . كما يمكنه التخلص من النار إذا ألقي فيها . انتهى . قلت : يتصور عدم قبول توبة المرتد في مسائل على رواية قوية . كمن سب الله أو رسوله . وكالزنديق . ومن تكررت ردته . والساحر وغير ذلك . على ما يأتي في بابه . فلو شهد عليه بذلك . فإنه يقتل بكل حال . ولا تقبل توبته . على إحدى الروايتين . فكلام الأصحاب محله حيث امتنعت التوبة . ويكفي هذا في إطلاقهم في مسألة ، ولو واحدة . لكن ظهر لي على كلام كثير من الأصحاب إشكال في قولهم " لو شهدا على رجل بزنا . فقتل بذلك " فإن الشاهدين لا يقتل الزاني بشهادتهما . فهذا فيه نظر ظاهر لهذا . قال في الفروع : ومن شهدت عليه بينة بما يوجب قتله . فتخلص من الإشكال .

قوله ( أو يقول الحاكم : علمت كذبهما وعمدت قتله ) . فهذا عمد محض . ويجب القصاص على الحاكم . وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب [ ص: 443 ] وجزم به في المغني ، والشرح ، والوجيز ، والهداية ، والمذهب والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والنظم ، والرعاية ، والحاوي ، وغيرهم . وقدمه في الفروع ، وغيره . ونصر ابن عقيل في مناظراته : أن الحاكم والحالة هذه لا قصاص عليه . وقيل : في قتل الحاكم وجهان فوائد

الأولى : يقتل المزكي كالشاهد . قاله أبو الخطاب ، وغيره وعند القاضي لا يقتل وإن قتل الشاهد .

الثانية : لا تقبل البينة مع مباشرة الولي القتل وإقراره أنه فعل ذلك عمدا عدوانا . على الصحيح من المذهب . وجزم به في المغني ، والشرح ، وغيرهما . وقدمه في الفروع ، وغيره . وفي الترغيب وجه : البينة والولي هنا : كممسك مع مباشر فالبينة هنا : كالممسك . والولي هنا : كالمباشر هناك . على ما يأتي في كلام المصنف قريبا في هذا الباب والخلاف فيه . وقال في التبصرة : إن علم الولي والحاكم أنه لم يقتل أقيد الكل .

الثالثة : يختص المباشر العالم بالقود ، ثم الولي ، ثم البينة والحاكم . على الصحيح من المذهب وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقيل : يختص القود بالحاكم إذا اشترك هو والبينة . لأن سببه أخص من سببهم . فإن حكمه واسطة بين شهادتهم وقتله . فأشبه المباشر مع المتسبب .

الرابعة : لو لزمت الدية البينة والحاكم ، فقيل : تلزمهم ثلاثا . على الحاكم الثلث ، وعلى كل شاهد ثلث . [ ص: 444 ] جزم به في المغني ، والشرح . وقيل : نصفين وأطلقهما في الفروع

الخامسة : لو قال بعضهم " عمدنا قتله " وقال بعضهم " أخطأنا " فلا قود على المتعمد . على الصحيح من المذهب . قال في الفروع : فلا قود على المتعمد على الأصح . وصححه المصنف في هذا الكتاب في آخر هذا الباب وعنه : عليه القود . فعلى المذهب : على المتعمد بحصته من الدية المغلظة . وعلى المخطئ بحصته من المخففة . وتأتي هذه المسألة ونظائرها في آخر هذا الباب بأتم من هذا .

السادس : لو قال : كل واحد منهما " تعمدت وأخطأ شريكي " فوجهان في القود وأطلقهما في الفروع . قلت : الصواب الذي لا شك فيه : وجوب القود عليهما . لاعترافهما بالعمدية . وقدم في الرعاية الصغرى والحاوي : عدم القود . وصححه في الكبرى ، وقال : الدية عليهما حالة . ولو قال واحد " عمدنا " وقال الآخر " أخطأنا " لزم المقر بالعمد القود . ولزم الآخر نصف الدية

السابعة : لو رجع الوالي والبينة : ضمنه الوالي وحده . على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع . وقال القاضي وأصحابه : يضمنه الوالي والبينة معا كمشترك . وأطلقهما في الرعايتين . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : أن الوالي يلزمه القود إن تعمد . وإلا الدية . وأن الآمر لا يرث .

التالي السابق


الخدمات العلمية