صفحة جزء
قوله ( وهل تقبل توبة الزنديق ، ومن تكررت ردته ، أو من سب الله أو رسوله ، والساحر ؟ ) . يعني الذي يكفر بسحره ( على روايتين ) . وأطلقهما الزركشي إحداهما : لا تقبل توبته ، ويقتل بكل حال . وهو المذهب ، صححه في التصحيح ، وإدراك الغاية ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، وغيرهم . وهو اختيار أبي بكر ، والشريف ، وأبي الخطاب ، وابن البنا ، والشيرازي في الزنديق . قال القاضي في التعليق : هذا الذي نصره الأصحاب . وهو اختيار أبي الخطاب في خلافه في الساحر ، وقطع به القاضي في تعليقه ، والشيرازي في ساب الرسول صلى الله عليه وسلم ، والخرقي في قوله : من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل . [ ص: 333 ] والأخرى : تقبل توبته كغيره . وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وهو ظاهر كلام الخرقي . وهو اختيار الخلال في الساحر ، ومن تكررت ردته ، والزنديق ، وآخر قولي الإمام أحمد رحمه الله . وهو اختيار القاضي في روايتيه فيمن تكررت ردته .

وظاهر كلامه في تعليقه في ساب الله تعالى . وعنه : لا تقبل إن تكررت ردته ثلاثا فأكثر ، وإلا قبلت . وقال في الفصول ، عن أصحابنا : لا تقبل توبته إن سب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حق آدمي لا يعلم إسقاطه . وأنها تقبل إن سب الله تعالى ; لأنه : يقبل التوبة في خالص حقه ، وجزم به في عيون المسائل ، وغيرها ; لأن الخالق منزه عن النقائص . فلا يلحق به ، بخلاف المخلوق . فإنه محل لها . ولهذا افترقا . وعنه : مثلهم فيمن ولد على الفطرة ثم ارتد . ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله .

تنبيه : محل الخلاف في الساحر : حيث يحكم بقتله بذلك على ما يأتي في آخر الباب . فوائد الأولى : حكم من تنقص النبي صلى الله عليه وسلم حكم من سبه صلوات الله وسلامه عليه على الصحيح من المذهب . ونقله حنبل ، وقدمه في الفروع . وقيل : ولو تعريضا . نقل حنبل : من عرض بشيء من ذكر الرب . فعليه القتل ، مسلما كان أو كافرا ، وأنه مذهب أهل المدينة . [ ص: 334 ] وسأله ابن منصور : ما الشتيمة التي يقتل بها ؟ . قال : نحن نرى في التعريض الحد . قال : فكان مذهبه فيما يجب فيه الحد من الشتيمة التعريض . الثانية : محل الخلاف المتقدم ، في عدم قبول توبتهم وقبولها : في أحكام الدنيا ، من ترك قتلهم ، وثبوت أحكام الإسلام . فأما في الآخرة : فإن صدقت توبته ، قبلت بلا خلاف . ذكره ابن عقيل ، والمصنف ، والشارح ، وجماعة ، وقدمه في الفروع . وفي إرشاد ابن عقيل رواية : لا تقبل توبة الزنديق باطنا ، وضعفها . وقال كمن تظاهر بالصلاح ، إذا أتى معصية وتاب منها .

وذكر القاضي ، وأصحابه رواية : لا تقبل توبة داعية إلى بدعة مضلة ، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا . وقال ابن عقيل في إرشاده : نحن لا نمنع أن يكون مطالبا بمن أضل . قال في الفروع : وظاهر كلام غيره : لا مطالبة . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : قد بين الله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع . وقال في الرعاية : من كفر ببدعة قبلت توبته على الأصح . وقيل : إن اعترف بها . وقيل : لا تقبل من داعية الثالثة : الزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر . ويسمى منافقا في الصدر الأول . وأما من أظهر الخير وأبطن الفسق : فكالزنديق في توبته في قياس المذهب قاله في الفروع . [ ص: 335 ] وذكره ابن عقيل ، وحمل رواية قبول توبة الساحر على المتظاهر . وعكسه بعكسه . قال في الفروع : يؤيده تعليلهم للرواية المشهورة بأنه لم يوجد بالتوبة سوى ما يظهره . قال : وظاهر كلام غيره : تقبل . وهو أولى في الكل . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية