صفحة جزء
ومنها : ويشتمل على مسائل كثيرة في أحكام المفتي والمستفتي . تقدم قريبا تحريم الحكم والفتيا بالهوى ، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعا . واعلم أن السلف الصالح رحمهم الله كانوا يهابون الفتيا ، ويشددون فيها ، ويتدافعونها . وأنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره على من تهجم في الجواب . وقال : لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى . وقال : إذا هاب الرجل شيئا لا ينبغي أن يحمل على أن يقول . إذا علمت ذلك : ففي وجوب تقديم معرفة فروع الفقه على أصوله وجهان . وأطلقهما في الفروع .

أحدهما : يجب تقديم معرفة فروع الفقه . اختاره القاضي ، وغيره قال في آداب المفتي : وهو أولى .

والثاني : يجب تقديم معرفة أصول الفقه . اختاره ابن عقيل ، وابن البنا ، وغيرهما . قال في آداب المفتي : وقد أوجب ابن عقيل ، وغيره : تقديم معرفة أصول الفقه على فروعه . ولهذا ذكره أبو بكر ، وابن أبي موسى ، والقاضي ، وابن البنا ، في أوائل كتبهم الفروعية . [ ص: 186 ] وقال أبو البقاء العكبري : أبلغ ما يتوصل به إلى إحكام الأحكام : إتقان أصول الفقه ، وطرف من أصول الدين . انتهى . وقال ابن قاضي الجبل في أصوله ، تبعا لمسودة ابن تيمية ، والرعاية الكبرى : تقديم معرفتها أولى من الفروع عند ابن عقيل ، وغيره . قلت : في غير فرض العين . وعند القاضي : عكسه . فظاهر كلامهم : أن الخلاف في الأولوية ، ولعله أولى . وكلام غيرهم في الوجوب . وتقدم : هل للمفتي الأخذ من المستفتي إذا كان له كفاية ، أم لا ؟ ويأتي : هل له أخذ الهدية أم لا ؟ عند أحكام هدية الحاكم . والمفتي : من يبين الحكم الشرعي ، ويخبر به من غير إلزام . والحاكم : من يبينه ويلزم به . قاله شيخنا في حواشي الفروع . ولا يفتي في حال لا يحكم فيها ، كغضب ونحوه . على ما يأتي في كلام المصنف . قال ابن مفلح في أصوله : فظاهره يحرم كالحكم . وقال في الرعاية الكبرى : لا يفتي في هذه الحال . فإن أفتى وأصاب : صح وكره .

وقيل : لا يصح . ويأتي نظيره في قضاء الغضبان ونحوه وتصح فتوى العبد والمرأة والقريب والأمي والأخرس المفهوم الإشارة أو الكتابة . وتصح مع جر النفع ودفع الضرر . وتصح من العدو ، على الصحيح من المذهب . قدمه في الرعاية ، وآداب المفتي ، والفروع في " باب أدب القاضي " . [ ص: 187 ] وقيل : لا تصح كالحاكم والشاهد . ولا تصح من فاسق لغيره ، وإن كان مجتهدا ، لكن يفتي نفسه ولا يسأل غيره . وقال الطوفي في مختصره ، وغيره : لا تشترط عدالته في اجتهاده ، بل في قبول فتياه وخبره . وقال ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين ، قلت : الصواب جواز استفتاء الفاسق ، إلا أن يكون معلنا بفسقه ، داعيا إلى بدعته . فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته . ولا تصح من مستور الحال أيضا . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع ، وغيره من الأصوليين . وقيل : تصح . قدمه في آداب المفتي . وعمل الناس عليه . وصححه في الرعاية الكبرى . واختاره الشيخ ابن القيم في أعلام الموقعين . وقيل : تصح إن اكتفينا بالعدالة الظاهرة ، وإلا فلا . والحاكم كغيره في الفتيا . على الصحيح من المذهب . وقيل : يكره له مطلقا . وقيل : يكره في مسائل الأحكام المتعلقة به ، دون الطهارة والصلاة ، ونحوهما .

ويحرم تساهل مفت ، وتقليد معروف به . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : لا يجوز استفتاء إلا من يفتي بعلم وعدل . ونقل المروذي : لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه . ويأتي : هل له قبول الهدية ، أم لا ؟ وليس لمن انتسب إلى مذهب إمام في مسألة ذات قولين أو وجهين : أن [ ص: 188 ] يتخير . فيعمل أو يفتي بأيهما شاء ، بل إن علم تاريخ القولين : عمل بالمتأخر ، إن صرح برجوعه عن الأول . وكذا إن أطلق . على الصحيح من المذهب فيهما . وهل يجوز العمل بأحدهما إذا ترجح أنه مذهب لقائلهما ؟ وقال في آداب المفتي : إذا وجد من ليس أهلا للتخريج والترجيح بالدليل اختلافا بين أئمة المذاهب في الأصح من القولين أوالوجهين ، فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم . فيعمل بقول الأكثر والأعلم والأورع . فإن اختص أحدهما بصفة منها ، والآخر بصفة أخرى : قدم الذي هو أحرى منهما بالصواب . فالأعلم الأورع : مقدم على الأورع العالم . وكذلك إذا وجد قولين أو وجهين ، ولم يبلغه عن أحد من أئمته بيان الأصح منهما : اعتبر أوصاف ناقليهما وقابليهما . ويرجح ما وافق منهما أئمة أكثر المذاهب المتبوعة ، أو أكثر العلماء . انتهى . قلت : وفيما قاله نظر . وتقدم في آخر الخطبة تحرير ذلك . وإذا اعتدل عنده قولان وقلنا : يجوز أفتى بأيهما شاء . قاله القاضي في الكفاية ، وابن حمدان ، وصاحب الفروع ، وغيرهم . كما يجوز للمفتي أن يعمل بأي القولين شاء . وقيل : يخير المستفتي ، وإلا تعين الأحوط .

ويلزم المفتي تكرير النظر عند تكرر الواقعة مطلقا . على الصحيح من المذهب . [ ص: 189 ] جزم به القاضي ، وابن عقيل . وقال : وإلا كان . مقلدا لنفسه . لاحتمال تغير اجتهاده . وقدمه ابن مفلح في أصوله . وقيل : لا يلزمه . لأن الأصل بقاء ما اطلع عليه وعدم غيره ، ولزوم السؤال ثانيا فيه الخلاف . وعند أبي الخطاب ، والآمدي : إن ذكر المفتي طريق الاجتهاد : لم يلزمه وإلا لزمه . قلت : وهو الصواب . وإن حدث ما لا قول فيه تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت . وقيل : لا يجوز في أصول الدين . قال في آداب المفتي : ليس له أن يفتي في شيء من مسائل الكلام مفصلا . بل يمنع السائل وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا . وقدمه في مقنعه . وجزم به في الرعاية الكبرى . وقدم ابن مفلح في أصوله : أن محل الخلاف في الأفضلية ، لا في الجواز وعدمه . وأطلق الخلاف . وقال في خطبة الإرشاد : لا بد من الجواب . وقال في أعلام الموقعين بعد أن حكى الأقوال والحق التفصيل ، وأن ذلك يجوز بل يستحب ، أو يجب عند الحاجة ، وأهلية المفتي والحاكم .

فإن عدم الأمران : لم يجز . وإن وجد أحدهما : احتمل الجواز والمنع ، والجواب عند الحاجة دون عدمها . انتهى . وله تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه . روي ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله . وقيل : يأخذ به إن لم يجد غيره ، أو كان أرجح . [ ص: 190 ] وسأله أبو داود : الرجل يسأل عن المسألة ، أدله على إنسان يسأله ؟ قال : إذا كان ، الذي أرشد إليه يتبع ويفتي بالسنة . فقيل له : إنه يريد الاتباع ، وليس كل قوله يصيب . قال : ومن يصيب في كل شيء ؟ وتقدم في آخر الخلع : التنبيه على ذلك . ولا يلزم جواب ما لم يقع ، لكن يستحب إجابته . وقيل : يكره . قلت : وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله . ولا يجب جواب ما لا يحتمله كلام السائل ، ولا ما لا نفع فيه . ومن عدم مفتيا في بلده وغيره : فحكمه حكم ما قبل الشرع . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع . وقدمه في آداب المفتي : وهو أقيس . وقيل : متى خلت البلدة من مفت : حرمت السكنى فيها . ذكره في آداب المفتي . وله رد الفتيا ، إن كان في البلد من يقوم مقامه ، وإلا لم يجز . ذكره أبو الخطاب ، وابن عقيل ، وغيرهما . وقطع به من بعدهم . وإن كان معروفا عند العامة بفتيا ، وهو جاهل : تعين الجواب على العالم .

قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : الأظهر لا يجوز في التي قبلها ، كسؤال عامي عما لم يقع . قال في الفروع : ويتوجه مثله حاكم في البلد غيره ، لا يلزمه الحكم وإلا لزمه . وقال في عيون المسائل ، في شهادة العبد : الحكم يتعين بولايته ، حتى لا يمكنه رد محتكمين إليه . ويمكنه رد من يستشهده . [ ص: 191 ] وإن كان متحملا لشهادة : فنادر أن لا يكون سواه . وفي الحكم لا ينوب البعض عن البعض . ولا يقول لمن ارتفع إليه : امض إلى غيري من الحكام . انتهى . قال في الفروع : ويتوجه تخريج من الوجه في إثم من دعي لشهادة . قالوا : لأنه تعين عليه بدعائه . لكن يلزم عليه إثم من عين في كل فرض كفاية فامتنع . قال : وكلامهم في الحاكم ، ودعوة الوليمة . وصلاة الجنازة : خلافه . انتهى . ومن قوي عنده مذهب غير إمامه : أفتى به وأعلم السائل . ومن أراد كتابة على فتيا ، أو شهادة : لم يجز أن يكبر خطه ، لتصرفه في ملك غيره بلا إذنه ، ولا حاجة كما لو أباحه قميصه فاستعمله فيما يخرجه عن العادة بلا حاجة . ذكره ابن عقيل في الفنون ، وغيره . وكذا قال في عيون المسائل : إذا أراد أن يفتي ، أو يكتب شهادة : لم يجز أن يوسع له الأسطر ، ولا يكثر إذا أمكن الاختصار . لأنه تصرف في ملك غيره بلا إذنه ، ولم تدع الحاجة إليه . واقتصر على ذلك في الفروع .

وقال في أصوله : ويتوجه مع قرينة خلاف . ولا يجوز إطلاقه في الفتيا في اسم مشترك إجماعا ، بل عليه التفصيل . فلو سئل : هل له الأكل بعد طلوع الفجر ؟ فلا بد أن يقول : يجوز بعد الفجر الأول ، لا الثاني . ومسألة أبي حنيفة مع أبي يوسف ، وأبي الطيب مع قوم معلومين . واعلم أنه قد تقدم : أنه لا يفتي إلا مجتهد . على الصحيح من المذهب . وتقدم هناك قول بالجواز . [ ص: 192 ] فيراعي ألفاظ إمامه ومتأخرها . ويقلد كبار أئمة مذهبه . والعامي يخير في فتواه فقط . فيقول : مذهب فلان كذا . ذكره ابن عقيل وغيره . وكذا قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : الناظر المجرد يكون حاكيا ، لا مفتيا . وقال في آداب عيون المسائل : إن كان الفقيه مجتهدا ، يعرف صحة الدليل : كتب الجواب عن نفسه . وإن كان ممن لا يعرف الدليل ، قال : مذهب الإمام أحمد كذا . مذهب الشافعي كذا . فيكون مخبرا ، لا مفتيا . ويقلد العامي من عرفه عالما عدلا ، أو رآه منتصبا معظما . ولا يقلد من عرفه جاهلا عند العلماء . قال المصنف في الروضة ، وغيرها : يكفيه قول عدل . ومراده : خبير . واعتبر بعض الأصحاب الاستفاضة بكونه عالما ، لا مجرد اعتزائه إلى العلم ، ولو بمنصب تدريس .

قلت : وهو الصواب . وقال ابن عقيل : يجب سؤال أهل الثقة والخير . قال الطوفي في مختصره : يقلد من علمه أو ظنه أهلا بطريق ما ، اتفاقا . فإن جهل عدالته : ففي جواز تقليده وجهان . وأطلقهما في الفروع .

أحدهما : عدم الجواز . وهو الصحيح من المذهب . نصره المصنف في الروضة . وقدمه ابن مفلح في أصوله ، والطوفي في مختصره ، وغيرهما .

والثاني : الجواز . قدمه في آداب المفتي . وتقدم : هل يصح فتيا فاسق ، أو مستور الحال ، أم لا ؟ [ ص: 193 ] ويقلد ميتا . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . وهو كالإجماع في هذه الأعصار . وقيل : لا يقلد ميتا . وهو ضعيف . واختاره في التمهيد ، في أن عثمان رضي الله عنه لم يشترط عليه تقليد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لموتهما . وينبغي للمستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي ويجله . فلا يقول أو يفعل ما جرت عادة العوام به ، كإيماء بيده في وجهه ، وما مذهب إمامك في كذا ؟ وما تحفظ في كذا ؟ أو أفتاني غيرك ، أو فلان بكذا أو كذا . قلت أنا : أو وقع لي ، أو إن كان جوابك موافقا فاكتب . لكن إن علم غرض السائل في شيء : لم يجز أن يكتب بغيره . أو يسأله في حال ضجر ، أو هم ، أو قيامه ، ونحوه . ولا يطالبه بالحجة . ويجوز تقليد المفضول من المجتهدين . على الصحيح من المذهب . قال ابن مفلح في أصوله : قاله أكثر أصحابنا : القاضي ، وأبو الخطاب ، وصاحب الروضة ، وغيرهم . وقدمه هو وغيره . قال في فروعه في " استقبال القبلة " لا يجب عليه تقليد الأوثق على الأصح قال في الرعاية : على الأقيس . وعنه : يجب عليه .

قال ابن عقيل : يلزمه الاجتهاد فيهما . فيقدم الأرجح . ومعناه قول الخرقي كالقبلة في الأعمى والعامي قال ابن مفلح في أصوله : أما لو بان للعامي الأرجح منهما : لزمه تقليده . زاد بعض أصحابنا : في الأظهر . قلت : ظاهر كلام كثير من الأصحاب مخالف لذلك . [ ص: 194 ] وقال في التمهيد : إن رجح دين واحد . قدمه في أحد الوجهين . وفي الآخر : لا . لأن العلماء لا تنكر على العامي تركه . وقال أيضا : في تقديم الأدين على الأعلم وعكسه وجهان . قلت : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله : تقديم الأدين ، حيث قيل له : من نسأل بعدك ؟ قال : عبد الوهاب الوراق . فإنه صالح ، مثله يوفق للحق . قال في الرعاية : ولا يكفيه من لم تسكن نفسه إليه . وقدم الأعلم على الأورع انتهى . فإن استوى مجتهدان تخير . ذكره أبو الخطاب وغيره من الأصحاب . وقال ابن مفلح في أصوله : وقال بعض الأصحاب : هل يلزم المقلد التمذهب بمذهب ، والأخذ برخصه وعزائمه ؟ فيه وجهان . قلت : قال في الفروع في أثناء " باب شروط من تقبل شهادته " وأما لزوم التمذهب بمذهب ، وامتناع الانتقال إلى غيره في مسألة : ففيه وجهان ، وفاقا لمالك والشافعي رحمهما الله . وعدمه أشهر . انتهى .

قال في أعلام الموقعين : وهو الصواب المقطوع به . وقال في أصوله : عدم اللزوم قول جمهور العلماء ، فيتخير . وقال في الرعاية الكبرى : يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر فلا يقلد غير أهله . وقيل : بلى . وقيل : ضرورة . [ ص: 195 ] فإن التزم فيما يفتى به أو عمل به ، أو ظنه حقا ، أو لم يجد مفتيا آخر : لزم قوله ، وإلا فلا . انتهى . واختار الآمدي منع الانتقال فيما عمل به . وعند بعض الأصحاب : يجتهد في أصح المذاهب فيتبعه . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : في الأخذ برخصه وعزائمه طاعة غير الرسول عليه الصلاة والسلام في كل أمره ونهيه . وهو خلاف الإجماع . وتوقف أيضا في جوازه . وقال أيضا : إن خالفه لقوة دليل أو زيادة علم أو تقوى : فقد أحسن . ولا يقدح في عدالته بلا نزاع . وقال أيضا : بل يجب في هذه الحال . وأنه نص الإمام أحمد رحمه الله . وهو ظاهر كلام ابن هبيرة . وقال في آداب المفتي : هل للعامي أن يتخير ، ويقلد أي مذهب شاء ، أم لا ؟ فإن كان منتسبا إلى مذهب معين بنينا ذلك على أن العامي : هل له مذهب أم لا ؟ وفيه مذهبان .

أحدهما : لا مذهب له . فله أن يستفتي من شاء من أرباب المذاهب ، سيما إن قلنا : كل مجتهد مصيب .

والوجه الثاني : له مذهب . لأنه اعتقد أن المذهب الذي انتسب إليه هو الحق . فعليه الوفاء بموجب اعتقاده . فلا يستفتي من يخالف مذهبه . وإن لم يكن انتسب إلى مذهب معين ، انبنى على أن العامي : هل يلزمه أن يتمذهب بمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه ؟ وفيه مذهبان .

أحدهما : لا يلزمه ، كما لم يلزم في عصر أوائل الأمة أن يخص الأمي العامي عالما معينا يقلده ، سيما إن قلنا : كل مجتهد مصيب . [ ص: 196 ] فعلى هذا : هل له أن يستفتي على أي مذهب شاء ، أم يلزمه أن يبحث حتى يعلم علم مثله أسد المذاهب ، وأصحها أصلا ؟ فيه مذهبان .

الثاني : يلزمه ذلك . وهو جار في كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد من الفقهاء وأرباب سائر العلوم . فعلى هذا الوجه : يلزمه أن يجتهد في اختيار مذهب يقلده على التعيين . وهذا أولى بإلحاق الاجتهاد فيه على العامي مما سبق في الاستفتاء . انتهى . ولا يجوز للعامي تتبع الرخص . ذكره ابن عبد البر إجماعا . ويفسق عند الإمام أحمد رحمه الله ، وغيره . وحمله القاضي على متأول أو مقلد . قال ابن مفلح في أصوله : وفيه نظر . قال : وذكر بعض أصحابنا في فسق من أخذ بالرخص روايتين . وإن قوي دليل أو كان عاميا فلا كذا قال . انتهى . وإذا استفتى واحدا أخذ بقوله . ذكره ابن البنا ، وغيره . وقدمه ابن مفلح في أصوله . وقال : والأشهر يلزم بالتزامه . وقيل : وبظنه حقا . وقيل : ويعمل به . وقيل : يلزمه إن ظنه حقا . وإن لم يجد مفتيا آخر لزمه كما لو حكم به حاكم . وقال بعضهم : لا يلزمه مطلقا إلا مع عدم غيره . [ ص: 197 ] ولو سأل مفتيين ، واختلفا عليه : تخير . على الصحيح من المذهب . اختاره القاضي ، وأبو الخطاب ، والمصنف ، وغيرهم . قال أبو الخطاب : هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله . وذكر ابن البنا وجها : أنه يأخذ بقول الأرجح . واختاره بعض الأصحاب . وقدم في الروضة : أنه يلزمه الأخذ بقول الأفضل في علمه ودينه . قال الطوفي في مختصره : وهو الظاهر . وذكر ابن البنا أيضا : وجها آخر يأخذ بأغلظهما . وقيل : يأخذ بالأخف . وقيل : يسأل مفتيا آخر . وقيل : يأخذ بأرجحهما دليلا . وقال في الفروع في " باب استقبال القبلة " ولو سأل مفتيين فاختلفا . فهل يأخذ بالأرجح ، أو الأخف ، أو الأشد ، أو يخير ؟ فيه أوجه في المذهب . وأطلقهن . وإن سأل فلم تسكن نفسه ، ففي تكراره وجهان . وأطلقهما في الفروع في باب استقبال القبلة . وقال ابن نصر الله في حواشي الفروع : أظهرهما لا يلزم . فهذه جملة صالحة نافعة إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية