صفحة جزء
( ويسن تحية ) رب ( المسجد ، وهي ركعتان ، وأداء الفرض ) أو غيره ، وكذا دخوله بنية فرض أو اقتداء ( ينوب عنها ) بلا نية ، [ ص: 19 ] وتكفيه لكل يوم مرة ولا تسقط بالجلوس عندنا بحر . قلت : وفي الضياء عن القوت : من لم يتمكن منها لحديث أو غيره يقول ندبا كلمات التسبيح الأربع أربعا . ( ولو تكلم بين السنة والفرض لا يسقطها ولكن ينقص ثوابها ) [ ص: 20 ] وقيل تسقط ( وكذا كل عمل ينافي التحريمة على الأصح ) قنية .


مطلب في تحية المسجد

. ( قوله ويسن تحية ) كتب الشارح في هامش الخزائن أن هذا رد على صاحب الخلاصة حيث ذكر أنها مستحبة .

( قوله رب المسجد ) أفاد أنه على حذف مضاف لأن المقصود منها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد لأن الإنسان إذا دخل بيت الملك يحيي الملك لا بيته بحر عن الحلية . ثم قال : وقد حكي الإجماع على سنيتها ، غير أن أصحابنا يكرهونها في الأوقات المكروهة تقديما لعموم الحاظر على عموم المبيح ا هـ .

( قوله وهي ركعتان ) في القهستاني وركعتان أو أربع ، وهي أفضل لتحية المسجد إلا إذا دخل فيه بعد الفجر أو العصر ، فإنه يسبح ويهلل ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه حينئذ يؤدي حق المسجد كما إذا دخل للمكتوبة فإنه غير مأمور بها حينئذ كما في التمرتاشي . ا هـ .

( قوله وأداء الفرض أو غيره إلخ ) قال في النهر : وينوب عنها كل صلاة صلاها عند الدخول فرضا كانت أو سنة . وفي البناية معزيا إلى مختصر المحيط أن دخوله بنية الفرض أو الاقتداء ينوب عنها وإنما يؤمر بها إذا دخله لغير الصلاة ا هـ كلام النهر .

والحاصل أن المطلوب من داخل المسجد أن يصلي فيه ليكون ذلك تحية لربه تعالى : والظاهر أن دخوله بنية صلاة الفرض لإمام أو منفرد أو بنية الاقتداء ينوب عنها إذا صلى عقب دخوله ، وإلا لزم فعلها بعد الجلوس ، وهو خلاف الأولى كما يأتي ، فلو كان دخوله بنية الفرض مثلا لكن بعد زمان يؤمر بها قبل جلوسه كما لو كان دخوله لغير صلاة كدرس أو ذكر . وبما قررناه علم أن ما نقله في النهر عن البناية لا يخالف ما قبله ، غايته أنه عبر عن الصلاة بنيتها بناء على ما هو الغالب من أن من دخل لأجل الصلاة يصلي ، وليس معناه أن النية المذكورة تكفيه عن التحية وإن لم يصل كما يوهمه ظاهر العبارة كما أفاده ح ، والله أعلم .

( قوله ينوب عنها بلا نية ) قال في الحلية : لو اشتغل داخل المسجد بالفريضة غير ناو للتحية قامت تلك الفريضة مقام تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد ، كما في البدائع وغيره ، فلو نوى التحية مع الفرض فظاهر ما في المحيط وغيره أنه يصح عندهما . وعند محمد لا يكون داخلا في الصلاة ، فإنهم قالوا : لو نوى الدخول في الظهر والتطوع يجوز عن الفرض عند أبي يوسف . ورواه الحسن عن أبي حنيفة . وعند محمد لا يكون داخلا لأن الفرض مع النفل في الصلاة جنسان مختلفان لا رجحان لأحدهما على الآخر في التحريمة . فمتى نواهما تعارضت النيتان فلغتا . ولأبي يوسف أن الفرض أقوى فتندفع نية الأدنى كمن نوى حجة الإسلام والتطوع ا هـ ملخصا ، ومثله في البحر . [ ص: 19 ] أقول : الذي يظهر لي أن هذا الخلاف لا يجري في مسألتنا لأن الفريضة إذا قامت مقام التحية وحصل المقصود بها لم تبق التحية مطلوبة لأن المقصود تعظيم المسجد بأي صلاة كانت ، ولا يؤمر بتحية مستقلة إلا إذا دخل لغير الصلاة كما مر ، وحينئذ فإذا نواها مع الفريضة يكون قد نوى ما تضمنته الفريضة وسقط بها ، فلم يكن ناويا جنسا آخر على قول محمد ، بخلاف ما إذا نوى فرض الظهر وسنته مثلا فليتأمل ، بل لقائل أن يقول إن الأولى أن ينويها بذلك الفرض ليحصل له ثوابها أي ينوي بإيقاع ذلك الفرض في المسجد تحية الله تعالى أو تعظيم بيته لأن سقوطها به وعدم طلبها لا يستلزم الثواب بلا قصدها .

ثم رأيت المحقق ابن حجر من الشافعية كتب عند قول المنهاج : وتحصل بفرض أو نفل آخر ما نصه : وإن لم ينوها معه . لأنه لم ينتهك حرمة المسجد المقصودة : أي يسقط طلبها بذلك ، أما حصول ثوابها فالوجه توقفه على النية ، لحديث { إنما الأعمال بالنيات } وزعم أن الشارع أقام فعل غيرها مقام فعلها فيحصل : أي الثواب وإن لم ينو بعيد وإن قيل إن كلام المجموع يقتضيه ; ولو نوى عدمها لم يحصل شيء من ذلك اتفاقا كما هو ظاهر أخذا مما بحثه بعضهم في سنة الطواف ، وإنما ضرب نية ظهر وسنة مثلا لأنها مقصودة لذاتها بخلاف التحية ا هـ . وقوله وإنما ضرب إلخ هو عين ما بحثته أولا أيضا ولله الحمد ، فإن ما قاله لا يخالف قواعد مذهبنا ( قوله وتكفيه لكل يوم مرة ) أي إذا تكرر دخوله لعذر . وظاهر إطلاقه أنه مخير بين أن يؤديها في أول المرات أو آخرها ط .

( قوله ولا تسقط بالجلوس عندنا ) فإنهم قالوا في الحاكم إذا دخل المسجد للحكم إن شاء صلى التحية عند دخوله أو عند خروجه لحصول المقصود كما في الغاية . وأما حديث الصحيحين { إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين } فهو بيان للأولى لحديث ابن حبان في صحيحه { يا أبا ذر إن للمسجد تحية ، وإن تحيته ركعتان ، فقم فاركعها } وتمامه في الحلية .

( قوله وفي الضياء إلخ ) عبارته وقال بعضهم : من دخل المسجد ولم يتمكن من تحية المسجد إما لحدث أو لشغل أو نحوه يستحب له أن يقول " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " قاله أبو طالب المكي في قوت القلوب ا هـ وقدمنا نحوه عن القهستاني .

[ خاتمة ] يستثنى من المساجد المسجد الحرام بالنسبة إلى أول دخول الآفاقي المحرم ، فإن تحيته الطواف ، وفيه تأمل ، كذا في الحلية ، ولعل وجه التأمل إطلاق المسجد في الحديث المار .

وفي النهر : واتفقوا على أن الإمام لو كان يصلي المكتوبة أو أخذ المؤذن في الإقامة أنه يتركها ، وأنه يقدم الطواف عليها ، بخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم . ا هـ .

قلت : لكن في لباب المناسك وشرحه لمنلا علي القارئ : ولا يشتغل بتحية المسجد لأن تحية المسجد الشريف هي الطواف إن أراده ، بخلاف من لم يرده وأراد أن يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد ، إلا أن يكون الوقت مكروها . ا هـ . وظاهره أنه لا يصلي مريد الطواف للتحية أصلا لا قبله ولا بعده ، ولعل وجهه اندراجها في ركعتيه .

( قوله ولو تكلم إلخ ) وكذا لو فصل بقراءة الأوراد لأن السنة الفصل بقدر " اللهم أنت السلام إلخ " حتى [ ص: 20 ] لو زاد تقع سنة لا في محلها المسنون كما مر قبيل فصل الجهر بالقراءة .

( قوله وقيل تسقط ) أي فيعيدها لو قبلية ، ولو كانت بعدية فالظاهر أنها تكون تطوعا ، وأنه لا يؤمر بها على هذا القول تأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية