( وسقط طواف القدوم عمن وقف بعرفة ساعة قبل دخول مكة ولا شيء عليه بتركه ) لأنه سنة وأساء ( ومن وقف بعرفة ساعة ) عرفية وهو اليسير من الزمان ، وهو المحمل عند إطلاق الفقهاء ( من زوال يومها ) أي عرفة ( إلى طلوع فجر يوم النحر ، أو اجتاز ) مسرعا أو ( نائما أو مغمى عليه . [ ص: 526 ] و ) كذا لو ( أهل عنه رفيقه ) وكذا غير رفيقه فتح ( به ) أي بالحج مع إحرامه عن نفسه ، فإذا انتبه أو أفاق وأتى بأفعال الحج جاز ; ولو بقي الإغماء بعد إحرامه طيف به المناسك ، وإن أحرموا عنه اكتفي بمباشرتهم ، [ ص: 527 ] ولم أر ما لو جن فأحرموا عنه وطافوا به المناسك ، وكلام الفتح يفيد الجواز ( أو جهل أنها عرفة صح حجه ) لأن الشرط الكينونة لا النية .
( قوله وسقط طواف القدوم إلخ ) هذه مسائل شتى عنون لها في الهداية والكنز بفصل . وذكر في البحر أن حقيقة السقوط لا تكون إلا في اللازم ، فهو هنا مجاز عن عدم سنيته في حقه . إما لأنه ما شرع إلا في ابتداء الأفعال فلا يكون سنة عند التأخير ، ولا شيء عليه بتركه لأنه سنة ، وإما لأن طواف الزيارة أغنى عنه كالفرض يغني عن تحية المسجد ، ولذا لم يكن للعمرة طواف قدوم لأن طوافها أغنى عنه ، قيد بطواف القدوم لأن القارن إذا لم يدخل مكة ووقف بعرفات صار رافضا لعمرته فيلزمه دم لرفضها وقضاؤها كما سيأتي في آخر القران ا هـ ( قوله وأساء ) أي لتركه السنة وقدمنا أن الإساءة دون الكراهة أي التحريمية ( قوله عرفية ) أي في عرف اللغة والأوضح أن يقول لغوية أو شرعية كما عبر في شرح اللباب ( قوله وهو اليسير ) ذكر الضمير مراعاة لتذكير الخبر ( قوله من زوال إلخ ) متعلق بمحذوف صفة لساعة لا بوقف لفساد المعنى باعتبار الغاية فتدبر ( قوله أو اجتاز ) أي مر . وقوله مسرعا حال أشار به إلى أن هذه الساعة اليسيرة يكفي منها هذا المقدار من الوقوف ، فإن المسرع لا يخلو عن وقوف يسير على قدم عند نقل الأخرى ، ولذا صح اعتكافه كما مر في بابه ( قوله أو نائما أو مغمى عليه ) يشير إلى أن الوقوف بعرفة يصح بلا نية كما سيصرح به ، بخلاف الطواف .
قال في البحر : والفرق أن الطواف عبادة مقصودة ، ولهذا يتنفل به فلا بد من اشتراط أصل النية وإن كان غير محتاج إلى تعيينه كما مر . وأما الوقوف فليس بعبادة مقصودة ، ولذا لا يتنفل به فوجود النية في أصل العبادة وهو الإحرام يغني عن اشتراطه في الوقوف ا هـ لكن أورد عليه في النهر القراءة في الصلاة فإنها عبادة مستقلة بدليل أنه يتنفل بها مع أنه لا يشترط لها النية . قال : ولم أره لأحد ، ولم يظهر لي عنه جواب .
قلت : قد يمنع كون القراءة عبادة مستقلة والتنفل بها لا يدل على ذلك كالوضوء فإنه يتنفل به مع كونه ليس عبادة مستقلة : ولذا لم يصح نذره وكذا القراءة ففي القهستاني من الاعتكاف أن النذر بها لا يصح لأنها فرضت [ ص: 526 ] تبعا للصلاة لا لعينها فتأمل ( قوله وكذا لو أهل عنه رفيقه ) أي عن المغمى عليه أو النائم المريض كما في شرح اللباب لأن الإحرام شرط عندنا كالوضوء في الصلاة فصحت النيابة بعد وجود نية العبادة منه ، وهو خروجه للحج معراج .
وفي النهر : ومعنى الإهلال عنه أن ينوي عنه ويلبي فيصير المغمى عليه محرما بذلك لانتقال إحرام الرفيق إليه وليس معناه أن يجرده وأن يلبسه الإزار . لأن هذا كف عن بعض محظورات الإحرام لا عن الإحرام لما مر ا هـ ويجزيه ذلك عن حجة الإسلام . ولو ارتكب محظورا لزمه موجبه لا الرفيق لباب ، ويصح إحرامه عنه سواء أحرم عن نفسه أو لا ولا يلزمه التجرد عن المخيط لأجل إحرامه عنه . ولو أحرم عنه وعن نفسه وارتكب محظورا لزمه جزاء واحد ، بخلاف القارن لأنه محرم بإحرامين بحر . ولا يشترط كون الإحرام عنه بأمره كما في اللباب : أي خلافا لهما حيث اشترطا الأمر ، وقيده في البحر بالمغمى عليه . أما النائم فيشترط منه صريح الإذن لما في المحيط أن المريض الذي لا يستطيع الطواف إذا طاف به رفيقه وهو نائم إن كان بأمره جاز وإلا فلا . ا هـ .
قلت : وقيد الجواز في اللباب في فصل طواف المغمى عليه والنائم بالفور حيث قال ولو طافوا بمريض وهو نائم من غير إغماء إن كان بأمره وحملوه على فوره يجوز وإلا فلا .
وفي الفتح بعد كلام : والحاصل الفرق بين النائم والمغمى عليه في اشتراط صريح الإذن وعدمه . قال شارح اللباب : وقد أطلقوا الإجزاء بين حالتي النوم والإغماء في الوقوف ، ولعل الفرق أن النية شرط في الطواف عند الجمهور بخلاف الوقوف ا هـ ملخصا .
قلت : والكلام في الإحرام عن النائم . لكن إذا كان الطوف عنه لا يجوز إلا بأمره فالإحرام بالأولى ( قوله وكذا غير رفيقه ) هذا أحد قولين ، وبه جزم في السراج . ورجحه في الفتح والبحر لوجود الإذن للكل دلالة كما لوذبح أضحية غيره في أيامها بلا إذنه . وتمامه في البحر ( قوله أي بالحج ) قال في البحر : وشمل إحرام الرفيق عنه ما إذا أحرم عنه رفيقه بحجة أو عمرة أو بهما من الميقات أو بمكة ولم أره صريحا ا هـ . قال في الشرنبلالية : وفيه تأمل لأن المسافر من بلاد بعيدة ولم يكن حج الفرض كيف يصح أن يحرم عنه بعمرة وليست واجبة عليه ؟ وقد يمتد الإغماء ولا يحصل إحرامه عنه بالحج فيفوت مقصده ظاهرا . ا هـ . وظاهر الفتح يدل على أنه لا بد من العلم بقصده ، وحينئذ فإن علم فلا كلام ، وإلا فينبغي تعيين الحج ( قوله مع إحرامه عن نفسه ) أو بدونه كما قدمناه ( قوله إذا انتبه أو أفاق ) الأول للنائم والثاني للمغمى عليه ( قوله جاز ) لأنه تبين أن عجزه كان في الإحرام فقط فصحت النيابة فيه ثم يجري هو على موجبه بحر أي موجب إحرام الرفيق عنه ، وفيه إشارة إلى لزوم إتيان الأفعال بنفسه لعدم العجز ، وبه صرح في اللباب ( قوله إن الإغماء بعد إحرامه ) أي بنفسه وفيه أن فرض المسألة في إحرام الرفيق عنه ، فكان الأظهر والأخصر أن يقول ولو بقي الإغماء اكتفي بمباشرتهم ولو بقي الإغماء بعد إحرامه طيف به المناسك : أي أحضر المشاهد من وقوف وطواف ونحوهما . قال في البحر . وتشترط نيتهم الطواف إذا حملوه كما تشترط نيته ( قوله اكتفي بمباشرتهم ) أي من غير أن يشهدوا به المشاهد من الطواف [ ص: 527 ] والسعي والوقوف وهو الأصح نعم ذلك أولى نهر ، وانظر هل يكتفي المباشر بطواف واحد عنه وعن المغمى عليه كما لو حمله وطاف به أو لا ؟ لم أره أبو السعود .
قلت : الظاهر الثاني لأنه إذا أحضر الموقف كان هو الواقف ، وإذا طيف به كان بمنزلة الطائف راكبا كما صرحوا به ، فلا يقاس عليه ما إذا لم يحضر فلا بد من نية وقوف عنه وإنشاء طواف وسعي عنه غير ما يفعله المباشر عن نفسه تأمل ( قوله ولم أر ما لو جن قبل الإحرام ) البحث لصاحب النهر . وقدمنا قبيل فروض الحج أن صاحب البحر توقف فيه وقال إن إحرام وليه عنه يحتاج إلى نقل ، وقدمنا هناك عن شرح المقدسي عن البحر العميق أنه لا حج على مجنون مسلم ، ولا يصح منه إذا حج بنفسه ولكن يحرم عنه وليه ا هـ فمن خرج عاقلا يريد الحج ثم جن قبل إحرامه يحرم عنه وليه بالأولى ، ولعل التوقف في إحرام رفيقه عنه وكلام الفتح هو ما نقله عن المنتقى عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أحرم وهو صحيح ثم أصابه عته فقضى به أصحابه المناسك ووقفوا به فمكث كذلك سنين ثم أفاق أجزأه ذلك عن حجة الإسلام . ا هـ . قال في النهر : وهذا ربما يومئ إلى الجواز ا هـ وإنما قال يومئ إلى الجواز لا من حيث إن كلام الفتح في المعتوه وكلامنا في المجنون ، بل من حيث إن كلام الفتح فيما لو أحرم عن نفسه ثم أصابه العته ، وكلامنا فيما إذا جن قبل أن يحرم عن نفسه ، وإيماء الفتح إلى الجواز في ذلك في غاية الخفاء فافهم .