صفحة جزء
باب سجود التلاوة

من إضافة الحكم إلى سببه ( يجب ) بسبب ( تلاوة آية ) أي أكثرها مع حرف السجدة ( من أربع عشرة آية ) [ ص: 104 ] أربع في النصف الأول وعشر في الثاني ( منها أولى الحج ) أما ثانيته فصلاتية لاقترانها بالركوع ( وص ) خلافا للشافعي وأحمد . ونفى مالك سجود المفصل ( بشرط سماعها ) فالسبب التلاوة وإن لم يوجد السماع ، كتلاوة الأصم [ ص: 105 ] والسماع شرط في حق غير التالي ولو بالفارسية إذا أخبر ( أو ) بشرط ( الائتمام ) أي الاقتداء ( بمن تلاها ) فإنه سبب لوجوبها أيضا ، إن لم يسمعها ولم يحضرها للمتابعة ( ولو تلاها المؤتم لم يسجد ) المصلي ( أصلا ) لا في الصلاة ولا بعدها ( بخلاف الخارج ) لأن الحجر ثبت لمعينين فلا يعدوهم ، حتى لو دخل معهم سقطت ، ولا تجب على من تلا في ركوعه أو سجوده ، أو تشهده للحجر فيها عن القراءة


باب سجود التلاوة

تقدم في الباب السابق وجه تأخيره عن سجود السهو .

( قوله من إضافة الحكم إلى سببه ) الحكم هو وجوب السجود لا السجود ، فلو قال من إضافة الفعل إلى سببه لكان أولى أو إن الحكم بمعنى المحكوم به ط ( قوله يجب ) أي وجوبا موسعا في غير صلاة كما سيأتي ولا يجب على المحتضر الإيصاء بها وقيل يجب قنية ، والثاني بالقواعد أليق نهر ; والظاهر أنه يخرج عنها كصلاة فرض أو صوم يوم لأنه المعهود تأمل رحمتي ثم رأيته مصرحا به في التتارخانية مع تصحيح عدم الوجوب .

( قوله بسبب تلاوة ) احترز عما لو كتبها أو تهجاها فلا سجود عليه كما سيأتي .

( قوله أي أكثرها إلخ ) هذا خلاف الصحيح الذي جزم به في نور الإيضاح . ففي السراج : وهل تجب السجدة بشرط قراءة جميع الآية أم بعضها ؟ فيه اختلاف . والصحيح أنه إذا قرأ حرف السجدة وقبله كلمة أو بعده كلمة وجب السجود وإلا فلا . وقيل لا يجب إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة مع حرف السجدة ; ولو قرأ آية السجدة كلها إلا الحرف الذي في آخرها لا يجب عليه السجود ا هـ لكن قوله : ولو قرأ آية السجدة إلخ يقتضي أنه لا بد من قراءة الآية بتمامها كما يفهم من إطلاق المتون ويأتي قريبا ما يؤيده إلا أن يقال سياق الكلام قرينة على أن المراد بقوله إلا الحرف إلخ الكلمة التي فيها مادة السجود وإطلاق الحرف على الكلمة شائع في عرف القراء .

( قوله من أربع عشرة آية ) بيان لآية في قوله تلاوة آية .

[ تنبيه ] : السجود في سورة النمل عند قوله تعالى { رب العرش العظيم } على قراءة العامة بتشديد " ألا " وعند قوله تعالى { ألا يسجدوا } على قراءة الكسائي بالتخفيف ، وفي ص عند - { وحسن مآب } - وهو أولى من قول الزيلعي [ ص: 104 ] عند - وأناب - لما نذكره ، وفي حم السجدة عند - { وهم لا يسأمون } - وهو المروي عن ابن عباس ووائل بن حجر ، وعند الشافعي عند - { إن كنتم إياه تعبدون } - وهو مذهب علي ومروي عن ابن مسعود وابن عمر . ورجحنا الأول للاحتياط عند اختلاف مذاهب الصحابة لأنها لو وجبت عند " تعبدون " فالتأخير إلى " لا يسأمون " لا يضر بخلاف العكس لأنها تكون قبل وجود سبب الوجوب فتوجب نقصانا في الصلاة لو كانت صلاتية ولا نقص فيما قلناه أصلا كذا في البحر عن البدائع إمداد ملخصا ، وقد بين موضع السجود في بقية الآيات فراجعه .

والظاهر أن هذا الاختلاف مبني على أن السبب تلاوة آية تامة كما هو ظاهر إطلاق المتون وأن المراد بالآية ما يشمل الآية والآيتين إذا كانت الثانية متعلقة بالآية التي ذكر فيها حرف السجدة ، وهذا ينافي ما مر عن السراج من تصحيح وجوب السجود بقراءة حرف السجدة مع كلمة قبله أو بعده . لا يقال ما في السراج بيان لموضع أصل الوجوب وما مر عن الإمداد بيان لموضع وجوب الأداء أو بيان لموضع السنة فيه . لأنا نقول إن الأداء لا يجب فور القراءة كما سيأتي وما مر في ترجيح مذهبنا من قولهم لأنها تكون قبل وجود سبب الوجوب ، وقد ذكر مثله أيضا في الفتح وغيره يدل على أن الخلاف بيننا وبين الشافعي في موضع أصل الوجوب وأنه لا يجب السجود في سورة حم السجدة إلا عند انتهاء الآية الثانية احتياطا كما صرح به في الهداية وغيرها لأن الوجوب لا يكون إلا بعد وجود سببه ، فلو سجدها بعد الآية الأولى لا يكفي لأنه يكون قبل سببه ، وبه ظهر أن ما في السراج خلاف المذهب الذي مشى عليه الشراح والمتون تأمل .

( قوله لاقترانها بالركوع ) لأن السجدة متى قرنت بالركوع كانت عبارة عن السجدة الصلاتية كما في قوله تعالى { واسجدي واركعي } بدائع .

( قوله خلافا للشافعي وأحمد ) حيث اعتبرا كلا من سجدتي الحج ولم يعتبرا سجدة ص كما في غرر الأفكار .

( قوله ونفى مالك سجود المفصل ) أي من الحجرات إلى الآخر وفيه سورة النجم والانشقاق والعلق فيكون السجود عنده في إحدى عشرة .

( قوله بشرط سماعها ) فلا تجب على من لم يسمعها وإن كان في مجلس التلاوة شرح المنية .

( قوله فالسبب التلاوة إلخ ) أي التلاوة الصحيحة وهي الصادرة ممن له أهلية التمييز كما ذكره غير واحد من المشايخ حلية ، وسيأتي محترزه في قول المصنف فلا تجب على كافر إلخ .

قلت : وينبغي أن يزاد قيد آخر وهو كونها لا حجر فيها احترازا عن تلاوة المؤتم ومن تلا في ركوعه أو سجوده أو تشهده فإنه لا سجود عليهم بتلاوتهم لحجرهم عنها كما سيأتي .

ثم اعلم أن التلاوة سبب في حق التالي وغيره . واختلف في السماع فقيل هو شرط في حق السامع لا سبب وصححه في الكافي والمحيط والظهيرية ، وقيل هو سبب ثان في حقه ، وإليه ذهب في الهداية والبدائع وسينبه الشارح على ترجيحه . وذكر في المجتبى أن الموجب للسجدة أحد ثلاثة التلاوة والسماع والإتمام وظاهره أنها أسباب ثلاثة وبه صرح في الحلية . واختار المصنف ما في الكافي وزاد عليه سببا آخر وهو الائتمام ، فالسبب عنده شيئان التلاوة والائتمام كما صرح بذلك في المنح ، وصرح أيضا بأن السماع شرط في حق غير التالي وتبعه الشارح في تقرير كلام المتن لكن في كلام الشارح ما يفيد أن الائتمام شرط أيضا كالسماع كما يظهر قريبا ( قوله وإن لم يوجد السماع ) أي بالفعل كما يدل عليه قوله كتلاوة الأصم وإلا فكونه بحيث يسمع نفسه لولا العوارض أو يسمعه من قرب أذنه إلى فمه شرط كما هو مذهب الهندواني وهو الصحيح خلافا للكرخي المكتفي بتصحيح الحروف ح . قلت وبه صرح في الخانية [ ص: 105 ] قوله في حق غير التالي ) أي عند فقد الائتمام فإنه لا يشترط سماع المؤتم بل ولا حضوره عند تلاوة الإمام كما سيأتي ، وإنما ترك التقييد بذلك اعتمادا على ما ذكره المصنف عقبه فافهم ( قوله ولو بالفارسية ) مبالغة على ما أفهمه كلامه من وجوبها على السامع فيعلم وجوبها عليه لو تليت بالعربية بالأولى لا على قوله : والسماع شرط إذ لا تظهر فيه الأولوية فافهم ( قوله إذا أخبر ) أي بأنها آية سجدة سواء فهمها أو لا وهذا عند الإمام وعندهما إن علم السامع أنه يقرأ القرآن لزمته وإلا فلا بحر . وفي الفيض وبه يفتى وفي النهر عن السراج أن الإمام رجع إلى قولهما وعليه الاعتماد . ا هـ .

والمراد من قوله : إن علم السامع أن يفهم معنى الآية كما في شرح المجمع حيث قال : وجبت عليه سواء فهم معنى الآية أو لا عنده . وقالا : إن فهمها وجبت وإلا فلا لأنه إذا فهم كان سامعا للقرآن من وجه دون وجه ا هـ ملخصا ، أما لو كانت بالعربية فإنه يجب بالاتفاق فهم أو لا لكن لا يجب على الأعجمي ما لم يعلم كما في الفتح أي وإن لم يفهم .

( قوله أو بشرط الائتمام ) أي إن سجدها الإمام وإلا فلا تلزمه وإن سمعها منه شرح المنية .

( قوله فإنه سبب ) صوابه فإنه شرط ليوافق قوله أو بشرط وقوله أيضا أي كما إن السماع شرط نعم صرح في المنح بأن السبب شيئان التلاوة والائتمام كما قدمناه وعليه فقوله أو الائتمام معطوف على قوله تلاوة آية ، فإن كان مراد الشارح موافقته كان عليه أن يسقط قوله بشرط وإلا كان عليه أن يقول فإنه شرط لوجوبها أيضا .

( قوله ولم يحضرها ) أي بأن تلاها قبل أن يحضر ويقتدي به .

( قوله للمتابعة ) في البحر عن التجنيس التالي والسامع ينظر كل منهما إلى اعتقاد نفسه فثانية الحج ليست سجدة عندنا خلافا للشافعي لأن السامع ليس بتابع للتالي تحقيقا حتى يلزمه العمل برأيه لأنه لا شركة بينهما . ا هـ .

وظاهره أنه يتبعه فيها لو كان في الصلاة لكونه تابعا تحقيقا أفاده ط وقد تقدم في واجبات الصلاة أنه تجب المتابعة في المجتهد فيه لا في المقطوع بنسخه أو بعدم سنيته كزيادة تكبيرة خامسة في الجنازة وكقنوت الفجر وتقدم الكلام على ذلك هناك والظاهر أن هذه السجدة من المجتهد فيه أي مما للاجتهاد فيه مساغ تأمل .

( قوله لم يسجد المصلي ) أي المصلي صلاته ، سواء كان هو أي المؤتم التالي أو كان إمامه أو مؤتما بإمامه بدليل قول المتن فيما سيأتي ولا من المؤتم لو كان السامع في صلاته ، والأولى إسقاط المصلي ليعود الضمير على المؤتم التالي لئلا يتكرر قول المصنف الآتي ولا من المؤتم إلخ ولأن المصلي يشمل المصلي غير صلاته كإمام غير إمامه ومقتد به ومنفرد مع أنهم كغير المصلي أصلا من قسم الخارج كما أفاده ح أي فإنهم يسجدونها بعد الفراغ من صلاتهم كما سيأتي ذلك في قول المتن ، ولو سمع المصلي من غيره لم يسجد فيها بل بعدها ويأتي تمام الكلام على ذلك هناك .

( قوله لأن الحجر ثبت لمعينين ) وهو الإمام ومن معه وفيه أن الإمام غير محجور عليه القراءة في هذه الصلاة وإنما الحجر على المقتدين به فالأظهر التعليل بما في شرح المنية وغيرها بأنه إن سجد الإمام يلزم انقلاب المتبوع تابعا وإلا لزم مخالفتهم له بخلاف من ليس معهم في صلاتهم لعدم حجره بالنظر إليهم لأنه بمنزلة من ليس في الصلاة في حقهم .

( قوله حتى لو دخل ) أي الخارج معهم أي في صلاتهم سقطت السجدة عنه تبعا لهم وظاهره سقوطها عنه ولو دخل في ركعة أخرى غير ركعة التلاوة .

( قوله للحجر فيها عن القراءة ) قال المرغيناني : وعندي أنها تجب وتتأدى فيه بحر عن الزيلعي . [ ص: 106 ] قلت : وفي التشهد بحث مقدسي : أي لأن اندراجها في الركوع أو السجود ممكن بخلاف التشهد ، ويمكن أن يكون المراد بقوله تتأدى فيه أنه يؤديها في ذلك الموضع الذي تلاها فيه لا بعده لكن في الإمداد وقال المرغيناني : عليه السجود ويتأدى بالركوع والسجود الذي هو فيه كذا في شرح الديري فعليه يسجد لو كان تاليا في التشهد ا هـ .

أقول : هذا يؤيد الأول ثم لا يخفى أن القول بوجوبها عليه أظهر لأنه منهي عن القراءة فيها كالجنب لا محجور كالمقتدي ، وقد فرقوا بين الجنب والمقتدي بأن الأول منهي عنها فتجب عليه السجدة لأن النهي لا ينافي الوجوب والمقتدي محجور لنفاذ تصرف الإمام عليه وتصرف المحجور لا حكم له ، وأما الحائض فلا تجب عليها بتلاوتها لأنها ليست أهلا للصلاة بخلاف الجنب . ولا يخفى أن التالي في ركوعه مثلا أهل للوجوب وليس له إمام يحجر عليه فينبغي ترجيح الوجوب عليه ولعل ذلك وجه اختيار الإمام المرغيناني ، ثم رأيت في حاشية المدني نقل عن شيخه ميرغني في حاشية الزيلعي أنه رجح كلام المرغيناني بما ذكرنا ولله الحمد . والظاهر أن من هذا القبيل ما في الفيض لو سجد للتلاوة وقرأ في سجوده آية أخرى لم تجب السجدة تأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية