صفحة جزء
( وحفر قبره ) [ ص: 234 ] في غير دار ( مقدار نصف قامة ) فإن زاد فحسن ( ويلحد ولا يشق ) إلا في أرض رخوة ( ولا ) يجوز أن ( يوضع فيه مضربة ) وما روي عن علي فغير مشهور لا يؤخذ به ظهيرية ( ولا بأس باتخاذ تابوت ) [ ص: 235 ] ولو من حجر أو حديد ( له عند الحاجة ) كرخاوة الأرض


مطلب في دفن الميت

( قوله وحفر قبره إلخ ) شروع في مسائل الدفن . وهو فرض كفاية إن أمكن إجماعا حلية . واحترز بالإمكان عما إذا لم يمكن كما لو مات في سفينة كما يأتي . ومفاده أنه لا يجزئ دفنه على وجه الأرض ببناء عليه كما ذكره الشافعية ، ولم أره لأئمتنا صريحا ، وأشار بإفراد الضمير إلى ما تقدم من أنه لا يدفن اثنان في قبر إلا لضرورة ، وهذا في الابتداء ، وكذا بعده . قال في الفتح ، ولا يحفر قبر لدفن آخر إلا إن بلي الأول فلم يبق له عظم إلا أن لا يوجد فتضم عظام الأول ويجعل بينهما حاجز من تراب . ويكره الدفن في الفساقي ا هـ وهي كبيت معقود بالبناء يسع جماعة قياما لمخالفتها السنة إمداد . والكراهة فيها من وجوه : عدم اللحد ، ودفن الجماعة في قبر واحد بلا ضرورة ، واختلاط الرجال بالنساء بلا حاجز ، وتجصيصها ، والبناء عليها بحر . قال في الحلية : وخصوصا إن كان فيها ميت لم يبل ; وما يفعله جهلة الحفارين من نبش القبور التي لم تبل أربابها ، وإدخال أجانب عليهم فهو من المنكر الظاهر ، وليس من الضرورة المبيحة لجمع ميتين فأكثر ابتداء في قبر واحد قصد دفن الرجل مع قريبه أو ضيق المحل في تلك المقبرة مع وجود غيرها ، وإن كانت مما يتبرك بالدفن فيها فضلا عن كون ذلك ونحوه مبيحا للنبش ، وإدخال البعض على البعض قبل البلى مع ما فيه من هتك حرمة الميت الأول ، وتفريق أجزائه ، فالحذر من ذلك ا هـ : وقال الزيلعي : ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن غيره في قبره وزرعه والبناء عليه ا هـ . قال في الإمداد : ويخالفه ما في التتارخانية إذا صار الميت ترابا في القبر يكره دفن غيره في قبره لأن الحرمة باقية ، وإن جمعوا عظامه في ناحية ثم دفن غيره فيه تبركا بالجيران الصالحين ، ويوجد موضع فارغ يكره ذلك . ا هـ . [ ص: 234 ]

قلت : لكن في هذا مشقة عظيمة ، فالأولى إناطة الجواز بالبلى إذ لا يمكن أن يعد لكل ميت قبر لا يدفن فيه غيره ، وإن صار الأول ترابا لا سيما في الأمصار الكبيرة الجامعة ، وإلا لزم أن تعم القبور السهل والوعر ، على أن المنع من الحفر إلى أن يبقى عظم عسر جدا وإن أمكن ذلك لبعض الناس ، لكن الكلام في جعله حكما عاما لكل أحد فتأمل .

[ تتمة ]

قال في الأحكام : لا بأس بأن يقبر المسلم في مقابر المشركين إذا لم يبق من علاماتهم شيء كما في خزانة الفتاوى ، وإن بقي من عظامهم شيء تنبش وترفع الآثار وتتخذ مسجدا ، لما روي { أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل مقبرة المشركين فنبشت } كذا في الواقعات . ا هـ . ( قوله في غير دار ) يغني عنه ما يأتي متنا ( قوله مقدار نصف قامة إلخ ) أو إلى حد الصدر ، وإن زاد إلى مقدار قامة فهو أحسن كما في الذخيرة ، فعلم أن الأدنى نصف القامة والأعلى القامة ، وما بينهما شرح المنية ، وهذا حد العمق ، والمقصود منه المبالغة في منع الرائحة ونبش السباع . وفي القهستاني : وطوله على قدر طول الميت ، وعرضه على قدر نصف طوله ( قوله : ويلحد ) لأنه السنة وصفته أن يحفر القبر ثم يحفر في جانب القبلة منه حفيرة فيوضع فيها الميت ويجعل ذلك كالبيت المسقف حلية ( قوله ولا يشق ) وصفته أن يحفر في وسط القبر حفيرة فيوضع فيها الميت حلية ( قوله إلا في أرض رخوة ) فيخير بين الشق واتخاذ تابوت ط عن الدر المنتقى ، ومثله في النهر .

ومقتضى المقابلة أنه يلحد ويوضع التابوت في اللحد لأن العدول إلى الشق لخوف انهيار اللحد كما صرح به في الفتح ، فإذا وضع التابوت في اللحد أمن انهياره على الميت ، فلو لم يكن حفر اللحد تعين الشق ، ولم يحتج إلى التابوت ، إلا إن كانت الأرض ندية يسرع فيها بلى الميت قال في الحلية عن الغاية : ويكون التابوت من رأس المال إذا كانت الأرض رخوة أو ندية مع كون التابوت في غيرها مكروها في قول العلماء قاطبة . ا هـ . وقد يقال : يوضع التابوت في الشق إذا لم يكن فوقه بناء لئلا يرمس الميت في التراب ، أما إذا كان له سقف أو بناء معقود فوقه كقبور بلادنا ولم تكن الأرض ندية ولم يلحد فيكره التابوت ( قوله : ولا يجوز إلخ ) أي يكره ذلك . قال في الحلية : ويكره أن يوضع تحت الميت في القبر مضربة أو مخدة أو حصير أو نحو ذلك ا هـ ولعل وجهه أنه إتلاف مال بلا ضرورة ، فالكراهة تحريمية ، ولذا عبر بلا يجوز ( قوله وما روي عن علي ) يعني من فعل ذلك نهر .

ثم إن الشارح تبع في ذلك المصنف في منحه . والذي وجدته في الظهيرية عن عائشة ، وكذا عزاه إلى الظهيرية في البحر والنهر قال في شرح المنية : وما روي { أنه جعل في قبره عليه الصلاة والسلام قطيفة } ، قيل لأن المدينة سبخة ، وقيل إن العباس وعليا تنازعاها فبسطها شقران تحته لقطع التنازع ، وقيل { كان عليه الصلاة والسلام يلبسها ويفترشها ، فقال شقران : والله لا يلبسك أحد بعده أبدا فألقاها في القبر } ( قوله فغير مشهور ) أي غير ثابت عنه ، أو المراد أنه لم يشتهر عنه فعله بين الصحابة ليكون إجماعا منهم ، بل ثبت عن غيره خلافه . ففي شرح المنية : وكره ابن عباس أن يلقى تحت الميت شيء ، ورواه الترمذي . وعن أبي موسى { لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئا } " . ا هـ . ( قوله : ولا بأس باتخاذ تابوت إلخ ) أي يرخص ذلك عند الحاجة ، وإلا كره كما قدمناه آنفا .

قال في الحلية : [ ص: 235 ] نقل غير واحد عن الإمام ابن الفضل أنه جوزه في أراضيهم لرخاوتها : وقال : لكن ينبغي أن يفرش فيه التراب ، وتطين الطبقة العليا مما يلي الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد ، والمراد بقوله ينبغي يسن كما أفصح به فخر الإسلام وغيره ، بل في الينابيع : والسنة أن يفرش في القبر التراب ، ثم لم يتعقبوا الرخصة في اتخاذه من حديد بشيء ، ولا شك في كراهته كما هو ظاهر الوجه ا هـ أي لأنه لا يعمل إلا بالنار فيكون كالآجر المطبوخ بها كما يأتي ( قوله له ) أي للميت كما في البحر أو للرجل ، ومفهومه أنه لا بأس للمرأة مطلقا ، وبه صرح في شرح المنية فقال : وفي المحيط : واستحسن مشايخنا اتخاذ التابوت للنساء ، يعني ولو لم تكن الأرض رخوة فإنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الوضع في القبر . ا هـ . ( قوله كرخاوة الأرض ) أي وكونها ندية ، فيوضع في اللحد أو في الشق إن كانت ندية أو لم يكن للشق سقف كما قدمناه

التالي السابق


الخدمات العلمية