صفحة جزء
[ ص: 244 ] ويحفر قبرا لنفسه ، وقيل يكره ; والذي ينبغي أن لا يكره تهيئة نحو الكفن بخلاف القبر . [ ص: 245 ] يكره المشي في طريق ظن أنه محدث حتى إذا لم يصل إلى قبره إلا بوطء قبر تركه .


( قوله : ويحفر قبرا لنفسه ) في بعض النسخ : وبحفر قبر لنفسه ، على أن لفظة حفر مصدر مجرور بالباء مضاف إلى قبر : أي ولا بأس به . وفي التتارخانية : لا بأس به ، ويؤجر عليه ، هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خيثم وغيرهما . ا هـ . ( قوله والذي ينبغي إلخ ) كذا قوله في شرح المنية ، وقال لأن الحاجة إليه متحققة غالبا ، بخلاف القبر { وما تدري نفس بأي [ ص: 245 ] أرض تموت } ( قوله يكره المشي إلخ ) قال في الفتح : ويكره الجلوس على القبر ، ووطؤه ، وحينئذ فما يصنعه من دفنت حول أقاربه خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه . ويكره النوم عند القبر ، وقضاء الحاجة بل أولى ، وكل ما لم يعهد من السنة ، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما ا هـ .

قلت : وفي الأحكام عن الخلاصة وغيرها : لو وجد طريقا إن وقع في قلبه أنه محدث لا يمشي عليه وإلا فلا بأس به . وفي خزانة الفتاوى وعن أبي حنيفة : لا يوطأ القبر إلا لضرورة ، ويزار من بعيد ولا يقعد ، وإن فعل يكره . وقال بعضهم : لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ أو يسبح أو يدعو لهم . ا هـ . وقال في الحلية : وتكره الصلاة عليه وإليه لورود النهي عن ذلك ، ثم ذكر عن الإمام الطحاوي أنه حمل ما ورد من النهي عن الجلوس على القبر على الجلوس لقضاء الحاجة ، وأنه لا يكره الجلوس لغيره جمعا بين الآثار ، وأنه قال إن ذلك قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، ثم نازعه بما صرح به في النوادر والتحفة والبدائع والمحيط وغيره ، من أن أبا حنيفة كره وطء القبر والقعود أو النوم أو قضاء الحاجة عليه ، وبأنه ثبت النهي عن وطئه والمشي عليه ، وتمامه فيها . وقيد في نور الإيضاح كراهة القعود على القبر بما إذا كان لغير قراءة .

قلت : وتقدم أنه إذا بلي الميت ، وصار ترابا يجوز زرعه ، والبناء عليه ، ومقتضاه جواز المشي فوقه . ثم رأيتالعيني في شرحه على صحيح البخاري ذكر كلام الطحاوي المار ، ثم قال : فعلى هذا ما ذكره أصحابنا في كتبهم من أن وطء القبور حرام وكذا النوم عليها ليس كما ينبغي ، فإن الطحاوي هو أعلم الناس بمذاهب العلماء ولا سيما بمذهب أبي حنيفة انتهى .

قلت : لكن قد علمت أن الواقع في كلامهم التعبير بالكراهة لا بلفظ الحرمة ، وحينئذ فقد يوفق بأن ما عزاه الإمام الطحاوي إلى أئمتنا الثلاثة من حمل النهي على الجلوس لقضاء الحاجة يراد به نهي التحريم ، وما ذكره غيره من كراهة الوطء والقعود إلخ يراد به كراهة التنزيه في غير قضاء الحاجة . وغاية ما فيه إطلاق الكراهة على ما يشمل المعنيين ، وهذا كثير في كلامهم ، ومنه قولهم مكروهات الصلاة ، وتنتفي الكراهة مطلقا إذا كان الجلوس للقراءة كما يأتي ، والله سبحانه أعلم .

مطلب في وضع الجريد ونحو الآس على القبور

[ تتمة ] يكره أيضا قطع النبات الرطب والحشيش من المقبرة دون اليابس كما في البحر والدرر وشرح المنية وعلله في الإمداد بأنه ما دام رطبا يسبح الله - تعالى - فيؤنس الميت وتنزل بذكره الرحمة ا هـ ونحوه في الخانية .

أقول : ودليله ما ورد في الحديث { من وضعه عليه الصلاة والسلام الجريدة الخضراء بعد شقها نصفين على القبرين اللذين يعذبان } . وتعليله بالتخفيف عنهما ما لم ييبسا : أي يخفف عنهما ببركة تسبيحهما ; إذ هو أكمل من تسبيح اليابس لما في الأخضر من نوع حياة ; وعليه فكراهة قطع ذلك ، وإن نبت بنفسه ولم يملك لأن فيه تفويت حق الميت . ويؤخذ من ذلك ومن الحديث ندب وضع ذلك للاتباع ويقاس عليه ما اعتيد في زماننا من وضع أغصان الآس ونحوه ، وصرح بذلك أيضا جماعة من الشافعية ، وهذا أولى مما قال بعض المالكية من أن التخفيف عن القبرين إنما حصل ببركة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم أو دعائه لهما فلا يقاس عليه غيره . وقد ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان ، والله تعالى أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية