صفحة جزء
[ ص: 256 ] كتاب الزكاة قرنها بالصلاة في اثنين وثمانين موضعا في التنزيل دليل على كمال الاتصال بينهما . وفرضت في السنة الثانية قبل فرض رمضان ، ولا تجب على الأنبياء إجماعا . ( هي ) لغة الطهارة والنماء ، وشرعا ( تمليك ) [ ص: 257 ] خرج الإباحة ، فلو أطعم يتيما ناويا الزكاة لا يجزيه إلا إذا دفع إليه المطعوم كما لو كساه بشرط أن يعقل القبض إلا إذا حكم عليه بنفقتهم ( جزء مال ) خرج المنفعة ، فلو أسكن فقيرا داره سنة ناويا لا يجزيه ( عينه الشارع ) وهو ربع عشر نصاب حولي [ ص: 258 ] خرج النافلة والفطرة ( من مسلم فقير ) ولو معتوها ( غير هاشمي ولا مولاه ) أي معتقه ، وهذا معنى قول الكنز تمليك المال : أي المعهود إخراجه شرعا ( مع قطع المنفعة عن المملك من كل وجه ) فلا يدفع لأصله وفرعه ( لله تعالى ) بيان لاشتراط النية


كتاب الزكاة

إنما ترك في العنوان العشر وغيره لأنه داخل فيه تغليبا أو تبعا قهستاني ( قوله : قرنها ) بصيغة المصدر مبتدأ ، وقوله : دليل إلخ خبر ط . وحاصله أن القياس ذكر الصوم عقب الصلاة كما فعل قاضي خان لأنه بدني محض مثلها ، إلا أن أكثرهم قدموا الزكاة عليه اقتداء بكتاب الله - تعالى نوح ولأنها أفضل العبادات بعد الصلاة قهستاني .

قلت : وهو موافق لما في التحرير وشرحه أوائل الفصل الثاني من الباب الأول من أن ترتيبها في الأشرفية بعد الإيمان هكذا : الصلاة ، ثم الزكاة ، ثم الصيام ، ثم الحج ، ثم العمرة والجهاد ، والاعتكاف ، وتمام الكلام عليه هناك ( قوله في اثنين وثمانين موضعا ) كذا عزاه في البحر إلى المناقب البزازية ، وتبعه في النهر والمنح . قال ح : وصوابه اثنين وثلاثين كما عده شيخنا السيد - رحمه الله تعالى ( قوله : قبل فرض رمضان ) هذا مما يحسن تقديمها على الصوم ط ( قوله : ولا تجب على الأنبياء ) لأن الزكاة طهرة لمن عساه أن يتدنس والأنبياء مبرءون منه ، وأما قوله تعالى { وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا } فالمراد بها زكاة النفس من الرذائل التي لا تليق بمقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو أوصاني بتبليغ الزكاة وليس المراد زكاة الفطر لأن مقتضى جعل عدم الزكاة من خصوصياتهم أنه لا فرق بين زكاة المال والبدن ، كذا أفاده الشبراملسي ( قوله الطهارة ) هذا أنسب مما في بعض النسخ من إبداله بالنظافة ( قوله : والنماء ) أي الزيادة ، ولها معان أخر : البركة ، يقال زكت البقعة : إذا بورك فيها ، والمدح يقال : زكى نفسه إذا مدحها ، والثناء الجميل يقال : زكى الشاهد إذا أثنى عليه بحر ، وكلها توجد في المعنى الشرعي لأنها تطهر مؤديها من الذنوب ومن صفة البخل ، والمال بإنفاق بعضه . ولذا كان المدفوع مستقذرا فحرم على آل البيت { - خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } - وتنميه بالخلف - { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } - { ويربي الصدقات } - وبها تحصل البركة { لا ينقص مال من صدقة } ويمدح بها الدافع ويثنى عليه بالجميل - { والذين هم للزكاة فاعلون } - { قد أفلح من تزكى } - ( قوله وشرعا تمليك إلخ ) أي إنها اسم للمعنى المصدري لوصفها بالوجوب الذي هو من صفات الأفعال ولأن موضوع علم الفقه فعل المكلف ونقل القهستاني أنها شرعا القدر الذي يخرجه إلى الفقير . ثم قال : وفي الكرماني أنها في القدر مجاز شرعا فإنها [ ص: 257 ] إيتاء ذلك القدر وعليه المحققون كما في المضمرات وهو القابل للعنوان ، وبالاشتراك قال الزمخشري وابن الأثير : . ا هـ . وقوله تعالى - { وآتوا الزكاة } - ظاهره القدر الواجب ، ويحتمل تأويل الإيتاء بإخراج الفعل من العدم إلى الوجود كما في - { أقيموا الصلاة } - [ تنبيه ]

هذا التعريف لا يدخل فيه زكاة السوائم لأنه يأخذ العامل ولو جبرا فلم يوجد التمليك من المزكى ، إلا أن يقال إن السلطان أو عامله بمنزلة الوكيل عنه في صرفها مصارفها وتمليكها أو عن الفقراء فتأمل ( قوله : خرج الإباحة ) فلا تكفي فيها ، وأما الكفارة فلم تخرج بقيد التمليك لأن الشرط فيها التمكين وهو صادق بالتمليك ، وإن صدق بالإباحة أيضا ، نعم تخرج بقوله جزء مال إلخ فافهم ( قوله : إلا إذا دفع إليه المطعوم ) لأنه بالدفع إليه بنية الزكاة يملكه فيصير آكلا من ملكه ، بخلاف ما إذا أطعمه معه ، ولا يخفى أنه يشترط كونه فقيرا ، ولا حاجة إلى اشتراط فقر أبيه أيضا لأن الكلام في اليتيم ولا أبا له فافهم ( قوله كما لو كساه ) أي كما يجزئه لو كساه ح ( قوله : بشرط أن يعقل القبض ) قيد في الدفع والكسوة كليهما ح . وفسره في الفتح وغيره بالذي لا يرمي به ، ولا يخدع عنه ، فإن لم يكن عاقلا فقبض عنه أبوه أو وصيه أو من يعوله قريبا أو أجنبيا ، أو ملتقطه صح كما في البحر والنهر وعبر بالقبض لأن التمليك في التبرعات لا يحصل إلا به فهو جزء من مفهومه فلذا لم يقيد به أولا كما أشار إليه في البحر تأمل ( قوله : إلا إذا حكم عليه بنفقتهم ) أي نفقة الأيتام ، والأولى إفراد الضمير لأن مرجعه في كلامه مفرد أي إلا إذا كان اليتيم ممن تلزمه نفقته وقضى عليه بها أي فلا تجزيه عن الزكاة لأنه استثناء من المستثنى الذي هو إثبات ، وهذا إذا كان يحتسب المؤدى إليه من النفقة ، أما إذا احتسبه من الزكاة فيجزئه كما في البحر عن الولوالجية ، ومثله في التتارخانية عن العيون ، فكان على الشارح أن يقول : واحتسبه منها كما أفاده ح .

قلت : والظاهر أنه إذا احتسبه من الزكاة تسقط عنه النفقة المفروضة لاكتفاء اليتيم بها لما صرحوا به من أن نفقة الأقارب تجب باعتبار الحاجة ، ولذا تسقط بمضي المدة ، ولو بعد القضاء لوقوع الاستغناء عما مضى ، وهنا كذلك فتأمل ( قوله خلافا للثاني ) أي أبي يوسف فعنده يصح . وعبارة البزازية قضى عليه بنفقة ذي رحمه المحرم فكساه وأطعمه ينوي الزكاة صح عند الثاني . ا هـ . زاد في الخانية ، وقال محمد : يجوز في الكسوة ، ولا يجوز في الإطعام ، وقول أبي يوسف في الإطعام خلاف ظاهر الرواية ا هـ .

قلت : هذا إذا كان على طريق الإباحة دون التمليك كما يشعر به لفظ الإطعام ، ولذا قال في التتارخانية عن المحيط إذا كان يعول يتيما ويجعل ما يكسوه ويطعمه من زكاة ماله ، ففي الكسوة لا شك في الجواز لوجود الركن وهو التمليك ، وأما الطعام فما يدفعه إليه بيده يجوز أيضا لما قلنا ، ما يأكله بلا دفع إليه ( قوله فلو أسكن إلخ ) عزاه في البحر إلى الكشف الكبير وقال قبله والمال كما صرح به أهل الأصول ما يتمول ويدخر للحاجة ، وهو خاص بالأعيان فخرج به تمليك المنافع . ا هـ . ( قوله عينه ) أي الجزء أو المال ، وقول الشارح وهو ربع عشر نصاب صالح لهما فإن ربع العشر معين والنصاب معين أيضا فافهم ( قوله وهو ربع عشر نصاب ) أي أو ما يقوم [ ص: 258 ] مقامه من صدقات السوائم كما أشار إليه في البحر ط ( قوله خرج النافلة إلخ ) لأنهما غير معينين ، أما النافلة فظاهر ، وأما الفطرة فلأنها وإن كانت مقدرة بالصاع من نحو تمر أو شعير وبنصفه من نحو بر أو زبيب فليست معينة من المال لوجوبها في الذمة ، ولذا لو هلك المال لا تسقط كما سيأتي في بابها ، بخلاف الزكاة ; ولذا تجب من البر وغيره ، وإن لم يكن عنده منه شيء ، أما ربع العشر في الزكاة فلا يجب إلا على من عنده تسعة أعشار غيره . والحاصل أن الفرق بينهما بالتعيين والتقدير ، هذا ما ظهر لي فافهم ( قوله : من مسلم إلخ ) متعلق بتمليك ، واحترز بجميع ما ذكر عن الكافر والغني والهاشمي ومولاه والمراد عند العلم بحالهم كما سيأتي في المصرف ح قال في البحر : ولم يشترط الحرية لأن الدفع إلى غير الحر جائز كما سيأتي في بيان المصرف

مطلب في أحكام المعتوه ( قوله : ولو معتوها ) في المغرب : المعتوه الناقص العقل ، وقيل المدهوش من غير جنون ا هـ وفيه التفصيل المار في الصبي كما في التتارخانية ، وفي عامة كتب الأصول أن حكمه كالصبي العاقل في كل الأحكام . واستثنى الدبوسي العبادات فتجب عليه احتياطا . ورده أبو اليسر بأنه نوع جنون فيمنع الوجوب .

وفي أصول البستي أنه لا يكلف بأدائها كالصبي العاقل إلا أنه إن زال العته توجه عليه الخطاب بالأداء حالا ، وبقضاء ما مضى بلا حرج ، فقد صرح بأنه يقضي القليل دون الكثير وإن لم يكن مخاطبا فيما قبل كالنائم والمغمى عليه دون الصبي إذا بلغ ، وهو أقرب إلى التحقيق ، كذا في شرح المغني للهندي إسماعيل ملخصا ( قوله أي معتقه ) بفتح التاء ، والضمير للهاشمي ( قوله وهذا ) أي ما عرف به المصنف ( قوله أي العهود ) إشارة إلى ما أجاب به في النهر عن اعتراض الدرر على الكنز بأن قوله تمليك المال يتناول الصدقة النافلة ، فزاد قوله : عينه الشارع كما فعل المصنف لإخراجها . وحاصل الجواب أن أل في المال للعهد وهو ما عينه الشارع ( قوله مع قطع ) متعلق بتمليك ، وقوله من كل وجه متعلق بقطع ط ( قوله فلا يدفع لأصله ) أي وإن علا ، وفرعه وإن سفل ، وكذا لزوجته وزوجها وعبده ومكاتبه لأنه بالدفع إليهم لم تنقطع المنفعة عن المملك : أي المزكى من كل وجه ( قوله لله تعالى ) متعلق بتمليك أي لأجل امتثال أمره - تعالى ( قوله : بيان لاشتراط النية ) فإنها شرط بالإجماع في مقاصد العبادات كلها بحر

التالي السابق


الخدمات العلمية