صفحة جزء
[ ص: 156 ] ( وسننه ) كسنن الوضوء سوى الترتيب . وآدابه كآدابه سوى استقبال القبلة ; لأنه يكون غالبا مع كشف عورة وقالوا : لو مكث في ماء جار أو حوض كبير أو مطر قدر الوضوء والغسل . [ ص: 157 ] فقد أكمل السنة ( البداءة بغسل يديه وفرجه ) وإن لم يكن به خبث اتباعا للحديث ( وخبث بدنه إن كان ) عليه خبث لئلا يشيع ( ثم يتوضأ ) أطلقه فانصرف إلى الكامل ، فلا يؤخر قدميه ولو في مجمع الماء لما أن المعتمد طهارة الماء المستعمل ، على أنه لا يوصف بالاستعمال إلا بعد انفصاله عن كل البدن لأنه في الغسل كعضو واحد ، [ ص: 158 ] فحينئذ لا حاجة إلى غسلهما ثانيا إلا إذا كان ببدنه خبث ولعل القائلين بتأخير غسلها إنما استحبوه ليكون البدء والختم بأعضاء الوضوء ، وقالوا : لو توضأ أولا لا يأتي به ثانيا ; لأنه لا يستحب وضوءان للغسل اتفاقا ، أما لو توضأ بعد الغسل واختلف المجلس على مذهبنا أو فصل بينهما بصلاة كقول الشافعية فيستحب ( ثم يفيض الماء ) على كل بدنه ثلاثا مستوعبا من الماء المعهود في الشرع للوضوء والغسل وهو ثمانية أرطال ، وقيل : المقصود عدم [ ص: 159 ] الإسراف . وفي الجواهر لا إسراف في الماء الجاري ; لأنه غير مضيع وقد قدمناه عن القهستاني ( بادئا بمنكبه الأيمن ثم الأيسر ثم رأسه ) على ( بقية بدنه مع دلكه ) ندبا ، وقيل يثني بالرأس ، وقيل يبدأ بالرأس وهو الأصح . وظاهر الرواية والأحاديث . قال في البحر وبه يضعف تصحيح الدرر .


مطلب سنن الغسل

. ( قوله : وسننه ) أفاد أنه لا واجب له ط . وأما المضمضة والاستنشاق فهما بمعنى الفرض ; لأنه يفوت الجواز بفوتهما ، فالمراد بالواجب أدنى نوعيه كما قدمناه في الوضوء .

( قوله : كسنن الوضوء ) أي من البداءة بالنية والتسمية والسواك والتخليل والدلك والولاء إلخ وأخذ ذلك في البحر من قوله ثم يتوضأ .

( قوله : سوى الترتيب ) أي المعهود في الوضوء ، وإلا فالغسل له ترتيب آخر بينه المصنف بقوله بادئا إلخ ط عن أبي السعود . أقول : ويستثنى الدعاء أيضا فإنه مكروه كما في نور الإيضاح .

( قوله : وآدابه كآدابه ) نص عليه في البدائع : قال الشرنبلالي : ويستحب أن لا يتكلم بكلام مطلقا ، أما كلام الناس فلكراهته حال الكشف ، وأما الدعاء فلأنه في مصب المستعمل ومحل الأقذار والأوحال ا هـ .

أقول : قد عد التسمية من سنن الغسل فيشكل على ما ذكره تأمل . واستشكل في الحلية عموم ذلك بما في صحيح مسلم عن { عائشة رضي الله عنها قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد ، فيبادرني حتى أقول دع لي } " وفي رواية النسائي " { يبادرني وأبادره حتى يقول دعي لي وأقول أنا دع لي } " ثم أجاب بحمله على بيان الجواز أو أن المسنون تركه ما لا مصلحة فيه ظاهرة . ا هـ . أقول : أو المراد الكراهة حال الكشف فقط كما أفاده التعليل السابق ، والظاهر من حاله عليه الصلاة والسلام أنه لا يغتسل بلا ساتر .

( قوله : مع كشف عورة ) فلو كان متزرا فلا بأس به كما في شرح المنية والإمداد .

( قوله : أو حوض كبير أو مطر ) هذا ذكره في البحر بحثا قياسا على الماء الجاري ، وهو مأخوذ من الحلية ، لكن في شرح هدية ابن العماد لسيدي عبد الغني النابلسي ما يخالف ذلك ، حيث قال : إن ظاهر التقييد بالجاري أن الراكد ولو كثيرا ليس كذلك باعتبار أن جريان الماء على بدنه قائم مقام التثليث في الصب ولا كذلك الراكد ، وربما يقال إن انتقل فيه من موضع إلى آخر مقدار الوضوء والغسل فقد أكمل السنة ا هـ وهو كلام وجيه : والظاهر أن الانتقال غير قيد بل التحرك كاف ولا يقال إن الحوض الكبير في حكم الجاري فلا فرق ; لأنا نقول هو مثله في عدم قبوله النجاسة لا مطلقا .

( قوله : قدر الوضوء والغسل ) انظر هل المراد قدر زمنهما لو كان يصب الماء عليه بنفسه أو مقدار ما يتحقق فيه جريان الماء على الأعضاء بلحظات يسيرة يتحقق فيها غسل أعضاء الوضوء مرتبة ثلاثا مع غسل باقي الجسد كذلك ؟ لم أره لأئمتنا . [ ص: 157 ] وذكر الشافعية الموجبون ترتيب غسل الأعضاء في الوضوء أن المتوضئ لو غطس في ماء ومكث قدر الترتيب صح وإلا فلا وصحح النووي الصحة بلا مكث ; لأن الترتيب يحصل في لحظات لطيفة . وقال العلامة ابن حجر في التحفة بعد ذكره سنن الغسل : ويكفي في راكد تحرك جميع البدن ثلاثا وإن لم ينقل قدمه إلى محل آخر على الأوجه ; لأن كل حركة توجب مماسة ماء لبدنه غير الماء الذي قبلها ا هـ ملخصا . والذي يظهر لي أنه لو كان في ماء جار يحصل سنة التثليث والترتيب والوضوء بلا مكث ولا تحرك ولو في ماء راكد فلا بد من التحرك ، أو الانتقال القائم مقام الصب فيحصل به ما ذكرنا ، وقد صرح في الدرر بأنه لو لم يصب لم يكن الغسل مسنونا . ا هـ .

( قوله : البداءة بغسل يديه ) ظاهر كلام المصنف كالهداية وغيرها أن هذا الغسل غير الغسل الذي في الوضوء .

( قوله : وفرجه ) أي ثم فرجه ، بأن يفيض الماء بيده اليمنى عليه فيغسله باليسرى ثم ينقيه ، والفرج قبل الرجل والمرأة ، وقد يطلق على الدبر أيضا كما قال المطرزي . ا هـ . قهستاني : أي فيشمل القبل والدبر وهو المراد هنا .

( قوله : وإن لم يكن به خبث ) رد على الزيلعي وابن الكمال .

( قوله : اتباعا للحديث ) وهو ما روى الجماعة عن { ميمونة رضي الله عنها قالت وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به ، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ، ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ، ثم دلك يده بالأرض ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم غسل وجهه ويديه ، ثم غسل رأسه ثلاثا ، ثم أفرغ على جسده ، ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه } " فتح .

( قوله : وخبث بدنه ) أي لو قليلا كما يظهر من التعليل . وأفاد أن السنة نفس البداءة بغسل النجاسة ، وأما نفس غسلها فلا بد منه ولو قليلة فيما يظهر لتنجس الماء بها ، فلا يرتفع الحدث عما تحتها ما لم تزل كما بحثه سيدي عبد الغني وقال لم أجد من تعرض له من أئمتنا . أقول : ورأيته في شرح والده الشيخ إسماعيل على الدرر والغرر ذكره جازما به ، لكنه لم يعزه إلى أحد ، والله تعالى أعلم .

( قوله : فانصرف إلى الكامل ) أي بجميع سننه ومندوباته كما في البحر ، قال : ويمسح فيه رأسه وهو الصحيح . وفي البدائع أنه ظاهر الرواية .

( قوله : ولو في مجمع الماء ) أي ولو كان واقفا في محل يجتمع فيه الماء الغسل ، وهذا القول هو ظاهر إطلاق المتن كالكنز وغيره ، وهو ظاهر ما أخرجه البخاري من حديث عائشة " { ثم توضأ وضوءه للصلاة } " وبه أخذ الشافعي ، وقيل يؤخر مطلقا ، وهو ظاهر إطلاق الأكثر وإطلاق حديث ميمونة المتقدم ، وقيل بالتفصيل إن كان في مجمع الماء فيؤخر وإلا فلا ، وصححه في المجتبى وجزم به في الهداية والمبسوط والكافي . قال في البحر : ووجه التوفيق بين الحديثين والظاهر أن الاختلاف في الأولوية لا في الجواز .

( قوله : لما أن إلخ ) جواب عن قول المشايخ القائلين بالتأخير إنه لا فائدة في تقديم غسلهما ; لأنهما يتلوثان بالغسلات بعد فيحتاج إلى غسلهما ثانيا . وحاصل الجواب أنه لا حاجة إلى غسلهما ثانيا ; لأن المفتى به طهارة الماء المستعمل ; ولهذا قال الهندي : إن هذا إنما يتأتى على رواية نجاسته .

( قوله : على أنه إلخ ) ترق في الجواب ، وحاصله منع كون الماء مستعملا لما ذكره الشارح ، فما دامت رجلاه في الماء لا يحكم عليه بالاستعمال لعدم تحقق الانفصال فإذا خرج من الماء حكم باستعماله ولم يصبه منه شيء بعد خروجه ، فلا حاجة إلى إعادة غسل الرجلين . [ ص: 158 ] واعلم أنه اختلفت الرواية في تجزيء الطهارة وعدمه . وفائدة الاختلاف أنه لو تمضمض الجنب أو غسل يديه هل يحل له القراءة ومس المصحف ؟ فعلى رواية التجزؤ نعم ، وعلى رواية عدمه لا وهي الصحيحة ; لأن زوال الجنابة موقوف على غسل الباقي ، وما ذكره الشارح من أن الماء لا يصير مستعملا إلا بعد الانفصال متفق عليه كما صرح به في البحر فيصح بناؤه على كل من هاتين الروايتين فافهم . ثم اعلم أيضا أن ما ذكره الشارح يصح دفعا للقول بأنه لا فائدة في تقديم غسلهما على رواية نجاسة الماء المستعمل أيضا إذ لا يحكم باستعماله ونجاسته إلا بعد الانفصال ، فلا حاجة إلى غسلهما ثانيا على هذه الرواية أيضا ، ولصاحب النهر هنا كلام فيه نظر من وجوه أوضحناها فيما علقناه على البحر .

( قوله : إلا إذا كان إلخ ) أي فيلزمه إعادة غسلهما للنجاسة فقط .

( قوله : ولعل القائلين إلخ ) ذكره في البحر بحثا ونقله في الحلية عن القرطبي ، ثم قال : وعلى هذا يغسلهما ثانيا مطلقا سواء أصابهما طين أو كانتا في مجمع الماء أولا ولا .

( قوله : لأنه لا يستحب إلخ ) قال العلامة نوح أفندي : بل ورد ما يدل على كراهته . أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من توضأ بعد الغسل فليس منا } " ا هـ تأمل . والظاهر أن عدم استحبابه لو بقي متوضئا إلى فراغ الغسل ، فلو أحدث قبله ينبغي إعادته . ولم أره ، فتأمل .

( قوله : واختلف المجلس ) كذا في البحر وقدمنا الكلام عليه في بحث الوضوء .

( قوله : ثم يفيضن ) أتى بثم للإشارة إلى الترتيب ، وإنما لم يقل ثم يتمضمض ويستنشق ثم يفيض للإشارة إلى أن فعلهما في الوضوء كاف عن فعلهما في الغسل ; فالسنة نابت مناب الفرض ط . ومعنى يفيض : يصب . قال في الدرر : حتى لو لم يصب لم يكن الغسل مسنونا وإن زال الحدث ا هـ وهذا لو كان في ماء راكد ، أما لو مكث في ماء جار قام الجريان مقام الصب كما علم مما قدمناه قريبا .

( قوله : على كل بدنه ) زاد كل لدفع توهم عدم إعادة غسل أعضاء الوضوء لرفع الحدث عنها ط . أقول : لم أر من صرح بأنه يسن ذلك ، وإنما يفهم ذلك من عباراتهم ، ونظيره ما مر في الوضوء من أنه يسن إعادة غسل اليدين عند غسل الذراعين .

( قوله : ثلاثا ) الأولى فرض والثنتان سنتان على الصحيح سراج .

( قوله : مستوعبا ) أي في كل مرة لتحصل سنة التثليث ط . مطلب في تحرير الصاع والمد والرطل

( قوله : وهو ثمانية أرطال ) أي بالبغدادي ، وهي صاع عراقي ، وهو أربعة أمداد ، كل مد رطلان ، وبه أخذ أبو حنيفة . والصاع الحجازي خمسة أرطال وثلث ، وبه أخذ الصاحبان والأئمة الثلاثة ، فالمد حينئذ رطل وثلث ، والرطل مائة وثلاثون درهما وقيل مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم وتمامه في الحلية . قلت : والصاع العراقي نحو نصف مد دمشقي ، فإذا توضأ واغتسل به فقد حصل السنة .

( قوله : وقيل المقصود إلخ ) الأصوب حذف قيل لما في الحلية أنه نقل غير واحد إجماع المسلمين على أن ما يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر بمقدار . وما في ظاهر الرواية من أن أدنى ما يكفي الغسل صاع ، وفي الوضوء مد للحديث المتفق عليه [ ص: 159 ] { كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد } " ليس بتقدير لازم ، بل هو بيان أدنى القدر المسنون . ا هـ . قال في البحر : حتى إن من أسبغ بدون ذلك أجزأه ، وإن لم يكفه زاد عليه ; لأن طباع الناس وأحوالهم مختلفة كذا في البدائع ا هـ وبه جزم في الإمداد وغيره .

( قوله : وفي الجواهر إلخ ) قدمنا الكلام عليه في الوضوء مستوفى .

( قوله : ثم الأيسر ) أي ثلاثا أيضا ، وقوله ثم برأسه : أي يغسله مع بقية البدن ثلاثا أيضا كما في الحلية وغيرها ، خلافا لما يفيده كلام المتن من غسله الرأس وحده .

( قوله : ثم على بقية بدنه ) أي ثم يفيض على بقية بدنه ، وإنما قدر الشارح لفظة على ولم يبقه معطوفا على مجرور الباء المتعلقة بقوله بادئا لعدم صحة المعنى ; لأن ذلك ختام .

( قوله : مع دلكه ) قيده في المنية بالمرة الأولى ، وعلله في الحلية بكونها سابقة في الوجود فهي بالدلك أولى .

( قوله : ندبا ) عده في الإمداد من السنن ، ويؤيده ما مر في الوضوء .

( قوله : وقيل يثني بالرأس ) أي يبدأ بالأيمن ثلاثا ثم بالرأس ثلاثا ثم بالأيسر ثلاثا . حلية .

( قوله : وقيل يبدأ بالرأس ) أي ثم بقية البدن ، درر .

( قوله : وظاهر الرواية ) كذا عبر في النهر ، والذي في البحر وغيره التعبير بظاهر الهداية .

( قوله : والأحاديث ) قال الشيخ إسماعيل وفي شرح البرجندي وهو الموافق لعدة أحاديث أوردها البخاري في صحيحه ا هـ فافهم .

( قوله : تصحيح الدرر ) هو ما مشى عليه المصنف في متنه هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية