صفحة جزء
( ولا يصام يوم الشك ) هو يوم الثلاثين من شعبان وإن لم يكن علة أي على القول بعدم اعتبار اختلاف المطالع لجواز تحقق الرؤية في بلدة أخرى ، وأما على مقابله فليس بشك ولا يصام أصلا شرح المجمع للعيني عن الزاهدي ( إلا نفلا ) ويكره غيره ( ولو صامه لواجب آخر كره ) تنزيها ولو جزم أن يكون عن رمضان كره تحريما ( ويقع عنه في الأصح إن لم تظهر رمضانيته وإلا ) بأن ظهرت ( فعنه ) لو مقيما ( والتنفل فيه أحب ) أي أفضل اتفاقا ( إن وافق صوما يعتاده ) أو صام من آخر شعبان ثلاثة فأكثر [ ص: 382 ] لا أقل لحديث { لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين } .

وأما حديث { من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم } فلا أصل له ( وإلا يصومه الخواص ويفطر [ ص: 383 ] غيرهم بعد الزوال ) به يفتى نفيا لتهمة النهي ( وكل من علم كيفية صوم الشك فهو من الخواص وإلا فمن العوام ، والنية ) المعتبرة هنا ( أن ينوي التطوع ) على سبيل الجزم ( من لا يعتاد صوم ذلك اليوم ) .

أما المعتاد فحكمه مر ( ولا يخطر بباله أنه إن كان من رمضان فعنه ) ذكره أخي زاده ( وليس بصائم لو ) ردد في أصل النية بأن ( نوى أن يصوم غدا إن كان من رمضان وإلا فلا ) أصوم لعدم الجزم ( كما ) أنه ليس بصائم ( لو نوى أنه إن لم يجد غداء فهو صائم وإلا فمفطر ويصير صائما مع الكراهة لو ) ردد في وصفها بأن ( نوى إن كان من رمضان فعنه وإلا فعن واجب آخر وكذا ) يكره ( لو قال أنا صائم إن كان من رمضان وإلا فعن نفل ) للتردد بين مكروهين [ ص: 384 ] أو مكروه وغير مكروه ( فإن ظهر رمضانيته فعنه وإلا فنفل فيهما ) أي الواجب والنفل ( غير مضمون بالقضاء ) لعدم التنفل قصدا .

أكل المتلوم ناسيا قبل النية كأكله بعدها وهو الصحيح شرح وهبانية . .


( قوله : ولا يصام يوم الشك ) هو استواء طرفي الإدراك من النفي والإثبات بحر ( قوله : هو يوم الثلاثين من شعبان ) الأولى قول نور الإيضاح هو ما يلي التاسع والعشرين من شعبان أي ; لأنه لا يعلم كونه يوم الثلاثين لاحتمال كونه أول شهر رمضان ويمكن أن يكون المراد أنه يوم الثلاثين من ابتداء شعبان فمن ابتدائية لا تبعيضية تأمل .

مبحث في صوم يوم الشك [ تنبيه ]

في الفيض وغيره لو وقع الشك في أن اليوم يوم عرفة أو يوم النحر فالأفضل فيه الصوم فافهم ( قوله : وإن لم يكن علة إلخ ) قال في شرحه على الملتقى وبه اندفع كلام القهستاني وغيره ا هـ : أي حيث قيده بما إذا غم هلال شعبان فلم يعلم أنه الثلاثون من شعبان أو الحادي والثلاثون أو غم هلال رمضان فلم يعلم أنه الأول منه أو الثلاثون من شعبان أو رآه واحد أو فاسقان فردت شهادتهم فلو كانت السماء مصحية ولم يره أحد فليس بيوم شك . ا هـ . ومثله في المعراج عن المجتبى بزيادة ولا يجوز صومه ابتداء لا فرضا ولا نفلا وكلامهم مبني على القول باعتبار اختلاف المطالع كما أفاده كلام الشارح هنا .

( قوله : بعدم اعتبار اختلاف المطالع ) سقط من أكثر النسخ لفظ اعتبار ولا بد من تقديره ; لأنه لا كلام في اختلاف المطالع وإنما الكلام في اعتباره وعدمه كما يأتي بيانه ( قوله : لجواز إلخ ) أي فيلزم البلدة التي لم ير فيها الهلال ( قوله : ولا يصام أصلا ) أي ابتداء لا فرضا ولا نفلا كما قدمناه آنفا عن المجتبى ; لأنه لا احتياط في صومه للخواص بخلاف يوم الشك نعم لو وافق صوما يعتاده فالأفضل صومه كما أفاده في المجتبى بقوله ابتداء فافهم .

( قوله : إلا نفلا ) في نسخه تطوعا ( قوله : ويكره غيره ) أي من فرض أو واجب بنية معينة أو مترددة وكذا إطلاق النية ; لأن المطلق شامل للمقادير كما في المعراج ( قوله لواجب آخر ) كنذر وكفارة وقضاء سراج ( قوله : كره تنزيها ) سنذكر وجهه ( قوله : كره تحريما ) للتشبه بأهل الكتاب ; لأنهم زادوا في صومهم وعليه حمل حديث النهي عن التقدم بصوم يوم أو يومين بحر ( قوله : ويقع عنه ) أي عن الواجب وقيل يكون تطوعا هداية ( قوله : إن لم تظهر رمضانيته ) في السراج إذا صامه بنية واجب آخر لا يسقط لجواز أن يكون من رمضان فلا يكون قضاء بالشك ا هـ فأفاد أنه لو لم يظهر الحال لا يكفي عما نوى فكان على المصنف أن يقول كما قال في الهداية إن ظهر أنه من شعبان أجزأه عما نوى في الأصح وإن ظهر أنه من رمضان يجزيه لوجود أصل النية . ا هـ .

( قوله : فعنه ) أي عن رمضان ( قوله : لو مقيما ) قيد لقوله كره تنزيها ولقوله فعنه قال في السراج : ولو كان مسافرا فنوى فيه واجبا آخر لم يكره ; لأن أداء رمضان غير واجب عليه فلم يشبه صومه الزيادة ويقع عما نوى وإن بان أنه من رمضان وعندهما يكره كالمقيم ويجزى عن رمضان إن بان أنه منه ( قوله : إن وافق صوما يعتاده ) كما لو كان عادته أن يصوم يوم الخميس أو الاثنين فوافق ذلك يوم الشك سراج وهل تثبت العادة بمرة كما في الحيض تردد فيه بعض الشافعية .

[ ص: 382 ] قلت : الظاهر نعم إذا فعل ذلك مرة وعزم على فعل مثله بعدها فوافق يوم الشك ; لأن الاعتياد يشعر بالتكرار ; لأنه من العود مرة بعد أخرى وبالعزم المذكور يحصل العود حكما أما بدونه فلا تأمل .

( قوله : لحديث إلخ ) هو ما في الكتب الستة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه } والمراد به غير التطوع حتى لا يزاد على صوم رمضان كما زاد أهل الكتاب على صومهم توفيقا بينه وبين ما أخرجه الشيخان عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه أنه قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل هل صمت من سرر شعبان ؟ قال : لا ، قال : إذا أفطرت فصم يوما مكانه } سرر الشهر بفتح السين المهملة وكسرها آخره كذا قال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة لاسترار القمر فيه أي اختفائه وربما كان ليلة أو ليلتين كذا أفاده نوح في حاشية الدرر .

واستدل أحمد بحديث السرر على وجوب صوم يوم الشك وهو عندنا محمول على الاستحباب ; لأنه معارض بحديث التقدم توفيقا بين الأدلة ما أمكن كما أوضحه في الفتح . هذا وقد صرح في الهداية وشروحها وغيرها بأن المنهي عنه هو التقدم على رمضان بصوم رمضان .

ووجه تخصيصه بيوم أو يومين أن صومه عن رمضان إنما يكون غالبا عند توهم النقصان في شهر أو شهرين فيصوم يوما أو يومين عن رمضان على الظن أن ذلك احتياط كما أفاده في الإمداد والسعدية وقال في الفتح : وعليه فلا يكره صوم واجب آخر في يوم الشك قال : وهو ظاهر كلام التحفة حيث قال : وقد قام الدليل على أن الصوم فيه عن واجب آخر وعن التطوع مطلقا لا يكره فثبت أن المكروه ما قلنا يعني صوم رمضان وهو غير بعيد من كلام الشارحين والكافي وغيرهم حيث ذكروا أن المراد من حديث التقدم هو التقدم بصوم رمضان قالوا ومقتضاه أن لا يكره واجب آخر أصلا وإنما كره لصورة النهي في حديث العصيان الآتي وتصحيح هذا الكلام أن يكون معناه يترك صومه عن واجب آخر تورعا وإلا فبعد وجوب كون المراد من النهي عن التقدم صوم رمضان كيف يوجب حديث العصيان منع غيره مع أنه يجب أن يحمل على ما حمل عليه حديث التقدم إذ لا فرق بينهما . ا هـ .

ما في الفتح ملخصا وفي التتارخانية تصحيح عدم الكراهة أي التحريمية فلا ينافي أن التورع تركه تنزيها وفي المحيط كان ينبغي أن لا يكره بنية واجب آخر إلا أنه وصف بنوع كراهة احتياطا فلا يؤثر في نقصان الثواب كالصلاة في الأرض المغصوبة . ا هـ . ( قوله : فلا أصل له ) كذا قال الزيلعي ثم قال : ويروى موقوفا على عمار بن ياسر وهو في مثله كالمرفوع . ا هـ . قلت : وينبغي حمل نفي الأصلية على الرفع كما حمل بعضهم قول النووي في حديث { صلاة النهار عجماء } أنه لا أصل له على أن المراد لا أصل لرفعه وإلا فقد ورد موقوفا على مجاهد وأبي عبيدة وكذا هذا أورده البخاري معلقا بقوله ، وقال صلة عن عمار من صام إلخ قال في الفتح : وأخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم ، وصححه الترمذي عن { صلة بن زفر قال : كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتى بشاة مصلية فتنحى بعض القوم فقال عمار : من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم }

قال في الفتح وكأنه فهم من الرجل المتنحي أنه قصد صومه عن رمضان فلا يعارض ما مر وهذا بعد حمله على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم والله سبحانه أعلم .

( قوله : وإلا يصومه الخواص ) أي وإن لم يوافق صوما يعتاده ولا صام من آخر شعبان ثلاثة فأكثر استحب صومه للخواص .

[ ص: 383 ] قال في الفتح : وقيده في التحفة بكونه على وجه لا يعلم العوام ذلك كي لا يعتادوا صومه فيظنه الجهال زيادة على رمضان ، ويدل عليه قصة أبي يوسف المذكورة في الإمداد وغيره .

حاصلها أن أسد بن عمرو سأله هل أنت مفطر فقال له في أذنه أنا صائم وفي قوله يصومه الخواص إشارة إلى أنهم يصبحون صائمين لا متلومين بخلاف العوام لكن في الظهيرية الأفضل أن يتلوم غير آكل ولا شارب ما لم يتقارب انتصاف النهار فإن تقارب فعامة المشايخ على أنه ينبغي للقضاة والمفتين أن يصوموا تطوعا ويفتوا بذلك خاصتهم ويفتوا العامة بالإفطار وهذا يفيد أن التلوم أفضل في حق الكل كما في النهر لكن في الهداية والمحيط والخانية وغيرها أن المختار أن يصوم المفتي بنفسه أخذا بالاحتياط ، ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ثم بالإفطار والتلوم الانتظار كما في المغرب ( قوله : بعد الزوال ) في العزمية عن خط بعض العلماء في هامش الهداية إنما لم يقل بعد الضحوة الكبرى مع أنه مختاره سابقا ; لأن الاحتياط هنا التوسعة ( قوله : نفيا لتهمة النهي ) أي حديث { لا تقدموا رمضان } كذا في شرحه على الملتقى فهو علة لقوله ويفطر غيرهم ( قوله : والنية إلخ ) بيان للكيفية ( قوله فحكمه مر ) أي في قوله والصوم أحب إن وافق صوما يعتاده .

( قوله : ولا يخطر بباله إلخ ) معطوف على قوله ينوي وهو تفسير لقوله على سبيل الجزم ، والمراد أن لا يردد في النية بين كونه نفلا إن كان من شعبان ، وفرضا إن كان من رمضان بل يجزم بنيته نفلا محضا ولا يضره خطور احتمال كونه من رمضان بعد جزمه بنية النفل ; لأنه يصوم احتياطا لذلك الاحتمال .

قال في غاية البيان : وإنما فرق بين المفتي والعامة ; لأن المفتي يعلم أن الزيادة على رمضان لا تجوز ، فلذا يصوم احتياطا احترازا عن وقوع الفطر في رمضان بخلاف العامة فإنه قد يقع في وهمهم الزيادة فلذا كان فطرهم أفضل بعد التلوم ( قوله : ذكره أخي زاده ) أي في حاشيته على صدر الشريعة وذكره أيضا المحقق في فتح القدير ، وكذا في المعراج وغيره ( قوله : وليس بصائم إلخ ) تكميل لأقسام المسألة المذكورة في الهداية وهي خمسة تقدم منها ثلاثة : وهي الجزم بنية النفل أو بنية واجب أو بنية رمضان ، وعلمت أحكامها ، والرابع : الاضطجاع في أصل النية ، والخامس الاضطجاع في وصفها قال في المغرب : التضجيع في النية هو التردد فيها وأن لا يبتها من ضجع في الأمر إذا وهن فيه وقصر وأصله من الضجوع ( قوله : لعدم الجزم ) في العزم فقد فات ركن النية لكن هذا إذا لم يجدد النية قبل نصف النهار فإن جددها عازما على الصوم جاز كما رأيته بخط بعض العلماء على هامش الهداية وهو ظاهر .

( قوله : كما أنه إلخ ) تنظير لتلك المسألة بهذه وعبارة الهداية فصار كما إذا نوى إلخ ( قوله : غداء ) بالغين المعجمة والدال المهملة ممدودا ( قوله : ويصير صائما ) أي لجزمه بنية الصوم وإن ردد في وصفه بين فرض وواجب آخر أو فرض ونفل ( قوله : مع الكراهة ) أي التنزيهية ; لأن كراهة التحريم لا تثبت إلا إذا جزم أنه عن رمضان كما أفاده الشارح سابقا ط ( قوله : للتردد إلخ ) علة للكراهة في المسألتين على طريق اللف والنشر المرتب ففي الأولى الترديد بين مكروهين وهما الفرض والواجب ، وفي الثانية بين مكروه وغيره وهما الفرض والنفل [ ص: 384 ] قوله : فعنه ) أي فيقع عن رمضان لوجود أصل النية وهو كاف في رمضان لعدم لزوم التعيين فيه بخلاف الواجب الآخر كما مر ( قوله : غير مضمون بالقضاء ) بنصب " غير " على الحالية أي لا يلزمه قضاؤه لو أفسده ( قوله : لعدم التنفل قصدا ) ; لأنه قاصد للإسقاط من وجه وهو نية الفرض ، فصار كالمظنون بجامع أنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما كما مر ( قوله : أكل المتلوم ) أي المنتظر إلى نصف النهار في يوم الشك ( قوله : كأكله بعدها ) فلو ظهرت رمضانيته ونوى الصوم بعد الأكل جاز ; لأن أكل الناسي لا يفطره .

وقيل : لا يجوز كما في القنية وبه جزم في السراج والشرنبلالية وسيأتي تمام الكلام عليه في أول الباب الآتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية