صفحة جزء
وعلى آله وصحبه [ ص: 14 ] الذين حازوا من منح فتح كشف فيض فضلك الوافي حقائقا . وبعد : فيقول فقير ذي اللطف الخفي . [ ص: 15 ] محمد علاء الدين الحصكفي ابن الشيخ علي الإمام بجامع بني أمية [ ص: 16 ] ثم المفتي بدمشق المحمية الحنفي : لما بيضت الجزء الأول من خزائن الأسرار ، وبدائع الأفكار ، في شرح [ ص: 17 ] تنوير الأبصار وجامع البحار ، قدرته في عشر مجلدات كبار ، فصرفت عنان العناية نحو الاختصار ، وسميته بالدر المختار ، في شرح تنوير الأبصار ، الذي فاق كتب هذا الفن في الضبط والتصحيح والاختصار ، ولعمري لقد [ ص: 18 ] أضحت روضة هذا العلم به مفتحة الأزهار ، مسلسلة الأنهار ، من عجائبه ثمرات التحقيق تختار ، ومن غرائبه ذخائر تدقيق تحير الأفكار ، لشيخ شيخنا شيخ الإسلام محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي الغزي [ ص: 19 ] عمدة المتأخرين الأخيار ،


( قوله : وعلى آله ) اختلف في المراد بهم في مثل هذا الموضع ; فالأكثرون أنهم قرابته صلى الله عليه وسلم الذين حرمت عليهم الصدقة على الاختلاف فيهم ، وقيل جميع أمة الإجابة وإليه مال مالك واختاره الأزهري والنووي في شرح مسلم ، وقيل غير ذلك شرح التحرير .

وذكر القهستاني أن الثاني مختار المحققين ( قوله : وصحبه ) جمع صاحب ، وقيل اسم جمع له . قال في شرح التحرير : والصحابي عند المحدثين وبعض الأصوليين من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ومات على الإسلام ، أو قبل النبوة ومات قبلها على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل ، أو ارتد وعاد في حياته . وعند جمهور الأصوليين من طالت صحبته متبعا له مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عرفا بلا تحديد في الأصح . ا هـ .

وظاهره أن من ارتد ثم أسلم تعود صحبته وإن لم يلقه بعد الإسلام ، وهذا ظاهر على مذهب الشافعي من أن المرتد لا يحبط عمله ما لم يمت على الردة : أما عندنا فبمجرد الردة يحبط العمل ، والصحبة من أشرف الأعمال ، لكنهم قالوا إنه بالإسلام تعود أعماله مجردة عن الثواب ، ولذا لا يجب عليه قضاؤه سوى عبادة بقي سببها كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها . وعلى هذا فقد يقال تعود صحبته مجردة عن الثواب ، [ ص: 14 ] وقد يقال إن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعود صحبته ما لم يلقه لبقاء سببها فتأمل ( قوله : الذين حازوا ) أي جمعوا ( قوله : من منح إلخ ) فيه صناعة التوجيه حيث ذكر أسماء الكتب وهي المنح للمصنف والفتح شرح الهداية للمحقق ابن الهمام والكشف شرح المنار للنسفي والفيض للكركي والوافي متن الكافي للنسفي والحقائق شرح منظومة النسفي ، وفيه حسن الإبهام بذكر ما له معنى قريب ومعنى بعيد . وأراد المعنى البعيد وهو المعاني اللغوية هنا دون الاصطلاحية لأهل المذهب : أي حازوا عن عطايا فتح باب كشف : أي إظهار فيض أي كثير فضلك أي إنعامك الوافي أي التام حقائقا أي أمورا محققة .

وبهذه اللطافة يغتفر ما فيه من تتابع الإضافات الذي عد مخلا بالفصاحة إلا إذا لم يثقل على اللسان فإنه يزيد الكلام ملاحة ولطافة . فيكون من أنواع البديع . ويسمى الاطراد كقوله تعالى - { ذكر رحمة ربك } - وقوله تعالى - { كدأب آل فرعون } - .

[ تنبيه ] حقائقا بالألف للسجع مع أنه ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة . فصرفه هنا على حد قوله تعالى - { سلاسل وأغلالا } - وقوله تعالى - قواريرا - في قراءة من نونهما . وذكروا لذلك أوجها منها التناسب ، ومنهم من قرأ " سلاسلا " بالألف دون تنوين ( قوله : وبعد ) يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر لا يكون بينهما مناسبة . فهي من الاقتضاب المشوب بالتخلص .

واختلف في أول من تكلم بها . وداود أقرب . وهي فصل الخطاب الذي أوتيه ، وهي من الظروف الزمانية أو المكانية المنقطعة عن الإضافة مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه أو منصوبة غير منونة لنية لفظه أو منونة إن لم ينو لفظه ولا معناه . والثالث لا يحتمل هنا لعدم مساعدة الخط إلا على لغة من لا يكتب الألف المبدلة عن التنوين حال النصب ، وعلى كل لا بد لها من متعلق . فإن كانت الواو هنا نائبة عن أما كما هو المشهور فمتعلقها إما الشرط أو الجزاء ، والثاني أولى ليفيد تأكيد الوقوع . لأن التعليق على أمر لا بد من وقوعه يفيد وقوع المعلق ألبتة .

والتقدير مهما يكن من شيء فيقول بعد البسملة والحمدلة والتصلية وإن كانت الواو للعطف وهو من عطف القصة على القصة . أو للاستئناف فالعامل فيها يقول . وزيدت فيه الفاء لتوهم أما إجراء للمتوهم مجرى المحقق كما في : ولا سابق بالجر . والتقدير ويقول بعد البسملة .

وعلى الأول فهي في جواب الشرط لنيابة الواو عن أداته . واعترضه حسن جلبي في حواشي التلويح بأن النيابة تقتضي مناسبة بين النائب والمنوب عنه ، ولا مناسبة بين الواو وأما ا هـ ولا يصح تقدير أما بعد الواو لأن أما لا تحذف إلا إذا كان الجزاء أمرا أو نهيا ناصبا لما قبله أو مفسرا له كما في الرضي وما هنا ليس كذلك ( قوله : فقير ذي اللطف ) أي كثير الفقر : أي الاحتياج لله تعالى . ذي اللطف : أي الرفق والبر بعباده والإحسان إليهم ( قوله : الخفي ) أي الظاهر فإنه من أسماء الأضداد . فإن لطفه تعالى لا يخفى على شخص في كل شخص ، أو المراد الخفي عن العبد . بأن يدبر له الأمر من غير تعان منه ومشقة . ويهيئ له أمور دنياه وآخرته من حيث لا يحتسب ، والله على كل شيء قدير ط

( قوله : محمد ) بدل من فقير أو عطف بيان . وعلاء الدين لقبه : أي معليه ورافعه بالعمل به وبيان أحكامه . [ ص: 15 ] ومنع بعضهم من التسمي بمثل ذلك مما فيه تزكية نفس ويأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى ، وهو رحمة الله تعالى كما في شرح ابن عبد الرزاق على هذا الشرح : محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن جمال الدين بن حسن بن زين العابدين الحصني الأثري المعروف بالحصكفي صاحب التصانيف في الفقه وغيره ، منها هذا الشرح وشرح الملتقى وشرح المنار في الأصول وشرح القطر في النحو ومختصر الفتاوى الصوفية والجمع بين فتاوى ابن نجيم جمع التمرتاشي وجمع ابن صاحبها ، وله تعليقة على صحيح البخاري تبلغ نحو ثلاثين كراسا وعلى تفسير البيضاوي من سورة البقرة إلى سورة الإسراء ، وحواش على الدرر وغير ذلك من الرسائل والتحريرات ، وقد أقر له بالفضل والتحقيق مشايخه وأهل عصره حتى قال شيخه الشيخ خير الدين الرملي في إجازته له : وقد بدأني بلطائف أسئلة وقفت بها على كمال روايته وسعة ملكته ، فأجبته غير موسع عليه ، فكرر على ما هو أعلى فزدته فزاد فرأيت جواد رهانه في غاية المكنة والسبق ، فبعدت له الغاية فأتاها مستريحا لا يخفق ، مستبصرا لا يطرق ، فلما تبين لي أنه الرجل الذي حدثت عنه وصلت به إلى حالة يأخذ مني وآخذ منه إلى أن قال في شأنه : فيا من له شك فدونك فاسأل تجد جبلا في العلم غير مخلخل يباري فحول الفقه فيما يرونه ويبرز للميدان غير مزلزل يقشر عن لب معلوم قشوره ويأتي بما يختاره من مفصل ويقوى على الترجيح فيه بثاقب من الفهم والإدراك غير محول وفكر إذا ما حاول الصخر قله وإن رمت حل الصعب في الحال ينجلي وما قلت هذا القول إلا بعيد ما سبرت خباياه بأفحم مقول وقال شيخه العلامة محمد أفندي المحاسني في إجازته له أيضا : وإنه ممن نشأ والفضائل تعله وتنهله ، والرغبة في العلم تقرب له ما يحاوله من ذلك وتسهله ، حتى نال من قداح الكمال القدح المعلى ، وفاز بما وشح به صدر النباهة وحلى ، وكان لي على الغوص على غرر الفوائد أعظم معين ، فأفاد واستفاد ، وفهم وأجاد ، . ا هـ .

وترجمه تلميذه خاتمة البلغاء المحبي في تاريخه فقال ما ملخصه : إنه كان عالما محدثا فقيها نحويا ، كثير الحفظ والمرويات طلق اللسان ، فصيح العبارة ، جيد التقرير والتحرير ، وتوفي عاشر شوال سنة ( 1088 ) عن ثلاث وستين سنة ، ودفن بمقبرة باب الصغير ( قوله : الحصكفي ) كذا يوجد في بعض النسخ ، وهو بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الكاف وفي آخره فاء وياء النسبة إلى حصن كيفا ، وهو من ديار بكر . قال في المشترك : وحصن كيفا على دجلة بين جزيرة ابن عمر وميافارقين ، وكان القياس أن ينسبوا إليه الحصني وقد نسبوا إليه أيضا كذلك ، لكن إذا نسبوا إلى اسمين أضيف أحدهما إلى الآخر ركبوا من مجموع الاسمين اسما واحدا ونسبوا إليه كما فعلوا هنا ، وكذلك نسبوا إلى رأس عين راسعيني وإلى عبد الله وعبد شمس وعبد الدار عبدلي وعبشمي وعبدري ، وكذلك ما كان نظير هذا ذكره المحبي في تاريخه في ترجمة إبراهيم بن المنلا

( قوله : بجامع بني أمية ) متعلق بالإمام والباء بمعنى في ط ، وقد بناه الوليد بن عبد الملك الأموي ، نقل أنه أنفق عليه ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار ، وفيه رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام ، وفي حائطه القبلي مقام هود عليه السلام ، ويقال إنه أول من بنى جدرانه الأربع . [ ص: 16 ] وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى - { والتين } - أنه مسجد دمشق ، وكان بستانا لنبي الله هود عليه السلام ، وأنه كان فيه شجر التين قبل أن يبنيه الوليد ا هـ فهو المعبد القديم الذي تشرف بالأنبياء عليهم السلام ، وصلى فيه الصحابة الكرام . وقد صرح الفقهاء بأن الأفضل بعد المساجد الثلاثة ما كان أقدم ، بل ذكر في كتاب أخبار الدول بالسند إلى سفيان الثوري أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة ، وهو ولله الحمد إلى وقتنا هذا معمور بالعبادة ومجمع العلم والإفادة .

ولا يزال كذلك إن شاء الله تعالى إلى أن يهبط على منارته الشرقية البيضاء عيسى ابن مريم عليه السلام ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من الأنام ( قوله : ثم المفتي إلخ ) أفاد أن الإفتاء لم يجتمع له مع الإمامة وإنما تأخر عنها ط وفي تاريخ المحبي أنه تولى الإفتاء خمس سنين . وكان متحريا في أمر الفتوى غاية التحري ، ولم يضبط عليه شيء خالف فيه القول المصحح ( قوله : بدمشق ) بفتح الميم وقد تكسر : قاعدة الشام ، سميت ببانيها دمشاق بن كنعان قاموس . وقيل بانيها غلام الإسكندر واسمه دمشق أو دمشقش . وهي أنزه بلاد الله تعالى . قال أبو بكر الخوارزمي : جنات الدنيا أربع : غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان وجزيرة نهر الأبلة . وفضل غوطة دمشق على الثلاثة كفضل الثلاثة على سائر الدنيا ، وناهيك ما ورد فيها خصوصا وفي الشام عموما من الأحاديث والآثار ( قوله : الحنفي ) ذكر العراقي في آخر شرح ألفية الحديث : أن النسبة إلى مذهب أبي حنيفة وإلى القبيلة وهم بنو حنيفة بلفظ واحد .

وأن جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي يفرقون بينهما بزيادة ياء في النسبة للمذهب ويقولون حنيفي ، وأنه قال ابن الصلاح لم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري ( قوله : لما بيضت ) الجملة إلى آخر الكتاب في محل نصب مقول القول أو كل جملة من الكتاب محلها نصب بناء على أن جزء المقول له محل ، أو ليس له محل وهما قولان ط ( قوله : من خزائن الأسرار ) الخزائن جمع خزانة ألفها زائدة تقلب في الجمع همزة كقلائد في الألفية :

والمد زيد ثالثا في الواحد همزا يرى في مثل كالقلائد

فتكتب بهمزة لا بياء بنقطتين من تحت بخلاف نحو معايش فإن الياء في المفرد أصلية فتكتب بها ابن عبد الرزاق . [ فائدة ] من لطائف المفتي أبي السعود أنه سئل عن الخزانة والقصعة أيقرآن بالفتح أو بالكسر ؟ فأجاب بقوله : لا تفتح الخزانة ، ولا تكسر القصعة ، ( قوله : وبدائع ) جمع بديعة . من ابتدع الشيء : ابتدأه ( قوله : الأفكار ) جمع فكر بالكسر ويفتح : إعمال النظر في الشيء كالفكرة والفكرى قاموس . والمراد ما ابتدعه بفكره من الأبحاث وحسن التركيب والوضع ، أو ما ابتدعه المجتهد واستنبطه من الأدلة الشرعية ، وهذا بيان لمعاني أجزاء العلم قبل العلمية . أما بعدها فالمجموع اسم الكتاب

( قوله : في شرح ) إن كان من جزء العلم فلا يبحث عن الظرفية وإلا فالأولى حذف " في " لأن خزائن الأسرار هو نفس الشرح . وظاهر الظرفية يقتضي المغايرة أفاده ط . أقول : وقد تزاد في ، وحمل على بعضهم قوله تعالى - { وقال اركبوا فيها } - ويمكن أن تتعلق بمحذوف حالا والظرفية فيها مجازية مثل - { ولكم في القصاص حياة } - ويمكن تعلقه بمذكور نظرا إلى المعنى الأصلي قبل العلمية ، فإن الأعلام وإن كان المراد بها اللفظ قد يلاحظ معها المعاني الأصلية بالتبعية ، ولهذا نادى بعض الكفرة أبا بكر رضي الله عنه بأبي الفصيل أفاده حسن جلبي في حاشية التلويح عند قوله الموسوم بالتلويح إلى [ ص: 17 ] كشف حقائق التنقيح ( قوله : قدرته في عشر مجلدات كبار ) مجلدات جمع مجلد ، واسم المفعول من غير العاقل إذا جمع يجمع جمع تأنيث كمخفوضات ومرفوعات ومنصوبات ، والمراد أجزاء ، لأن العادة أن الجزء يوضع في جلد على حدة ط أي أنه لما بيض الجزء الأول منه قدر أن تمام الكتاب على منوال ما بيض منه يبلغ عشر مجلدات كبار . وذكر المحبي وغيره أنه وصل في هذا الكتاب إلى باب الوتر ; والظاهر أنه لم يكمله في المسودة أيضا وإنما ألف منه هذا الجزء الذي بيضه فقط ، والله تعالى أعلم ( قوله : فصرفت عنان العناية ) العنان بالكسر : ما وصل بلجام الفرس ، والعناية القصد . وفي نهاية الحديث : يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته ، وتشبيه العناية بصورة الفرس في الإيصال إلى المطلوب استعارة بالكناية وإثبات العنان استعارة تخييلية ، وذكر الصرف ترشيح ، وفيه الإيهام بكتاب العناية . ا هـ .

ابن عبد الرزاق ( قوله : نحو الاختصار ) أي جهة اختصار ما في خزائن الأسرار ( قوله : وسميته بالدر المختار ) أي سميت هذا المختصر المأخوذ من الاختصار أو الشرح المتقدم في قوله تبييض هذا الشرح ، وسمى يتعدى إلى مفعولين الأول بنفسه والثاني بحرف الجر كما هنا أو بنفسه كما في سميت ابني محمدا . قال ابن حجر : وما اشتهر من أن أسماء الكتب علم جنس وأسماء العلوم علم شخص نوقش فيه بأنه إن نظر لتعدد الشيء بتعدد محله فكلاهما علم جنس ، وإن نظر للاتحاد العرفي فعلم شخص . وأما التفرقة فهي تحكم وترجيح بلا مرجح . ا هـ .

والدر : الجوهر ، وهو اسم جنس يصدق على القليل والكثير . والمختار : الذي يؤثر على غيره أفاده ط ( قوله : الذي فاق ) نعت لتنوير الأبصار لا للدر المختار . ا هـ . ح ، وهذا بناء على أن قوله في شرح تنوير الأبصار متعلق بمحذوف حال من الدر المختار ليس جزء علم ، فلا يرد أن جزء العلم لا يوصف ، على أنه قد ينظر فيه إلى ما قبل العلمية كما قدمناه فافهم ( قوله : هذا الفن ) في القاموس : الفن الحال والضرب من الشيء كالأفنون جمعه أفنان وفنون . ا هـ . والمراد به هنا علم لأنه نوع من العلوم ( قوله : في الضبط ) هو الحفظ بالحزم قاموس ، والمراد به هنا حسن التحرير ومتانة التعبير فهو مضبوط كالحمل المحزوم ( قوله : والتصحيح ) أي ذكر الأقوال المصححة إلا ما ندر ( قوله : والاختصار ) تقدم معناه ، فهو مع حسن التحرير والتصحيح خال عن التطويل

( قوله : ولعمري ) قال في المغرب : العمر بالضم والفتح البقاء إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم ، يقال لعمرك ولعمر الله لأفعلن ، وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف ا هـ : أي قسمي أو يميني ، والواو فيه للاستئناف واللام للابتداء . قال في القاموس : وإذا سقطت اللام نصب انتصاب المصادر ، وجاء في الحديث النهي عن قول لعمر الله . ا هـ . قال الحموي في حاشية الأشباه : فعلى هذا ما كان ينبغي للمصنف أن يأتي بهذا القسم الجاهلي المنهي عنه . ا هـ .

وفي شرح النقاية للقهستاني : لا يجوز أن يحلف بغير الله تعالى ، ويقال لعمر فلان ، وإذا حلف ليس له أن يبر ، بل يجب أن يحنث ، فإن البر فيه كفر عند بعضهم كما في كفاية الشعبي ا هـ . أقول : لكن قال فاضل الروم حسن جلبي في حاشية المطول : قوله : لعمري يمكن أن يحمل على حذف المضاف : أي لواهب عمري وكذا أمثاله مما أقسم فيه بغير الله تعالى كقوله تعالى - { والشمس } - والليل - والقمر - ونظائره أي ورب الشمس إلخ . ويمكن أن يكون المراد بقولهم لعمري وأمثاله ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات ، وأسلم من التأكيد بالقسم بالله تعالى لوجوب البر به ، وليس الغرض اليمين الشرعي وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم حتى يرد عليه أن الحلف بغير اسمه تعالى وصفاته [ ص: 18 ] عز وجل مكروه كما صرح به النووي في شرح مسلم ، بل الظاهر من كلام مشايخنا أنه كفر إن كان باعتقاده أنه حلف يجب البر به ، وحرام إن كان بدونه كما صرح به بعض الفضلاء ، وذكر صورة القسم على الوجه المذكور لا بأس به ، ولهذا شاع بين العلماء ، كيف وقد { قال عليه الصلاة والسلام قد أفلح وأبيه } " وقال عز من قائل - { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } - فهذا جرى على رسم اللغة وكذا إطلاق القسم على أمثاله ا هـ

( قوله : أضحت ) أي صارت ، وتستعمل أضحى بمعنى صار كثيرا كما ذكره الأشموني ( قوله : روضة هذا العلم ) الروضة من العشب : مستنقع الماء لاستراضة الماء فيها ، وهذا معناها في أصل الوضع ، ولذا قال بعض العلماء : الروضة أرض ذات مياه وأشجار وأزهار ، شبه الفقه ببستان على سبيل الاستعارة بالكناية وإثبات الروضة تخييل ، وما بعده ترشيح للمكنية أو للتخييلية باقيا على معناه مقصودا به تقوية الاستعارة ، ويجوز أن يكون مستعار الملائم المشبه كما قرر في محله ، بأن تشبيه المسائل بالأزهار والأنهار على سبيل الاستعارة المكنية أيضا وإثبات التفتيح والتسلسل تخييل ( قوله : مفتحة الأزهار ) أصله مفتحة الأزهار منها أو أزهارها على جعل أل عوضا عن المضاف إليه ، والأزهار مرفوع بالنيابة عن الفاعل فحول الإسناد إلى ضمير الموصوف ثم أضيف اسم المفعول إلى مرفوعه معنى ، فهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة فافهم ( قوله : مسلسلة الأنهار ) الكلام فيه كالذي قبله . وفي القاموس : تسلسل الماء جرى في حدور

( قوله : من عجائبه ) جمع عجيب والاسم العجيبة والأعجوبة قاموس ، والمراد بها مسائله العجيبة ، ومن صلة لقوله تختار وثمرات مبتدأ والتحقيق مضاف إليه ، ويطلق على ذكر الشيء على الوجه الحق وعلى إثبات الشيء بدليله وجملة تختار خبر المبتدأ ، وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبه التحقيق بشجرة وإثبات الثمرات لها تخييل . ولا يخفى أن مسائل هذا الكتاب مذكورة على الوجه الحق وثابتة بدلائلها عند المجتهد ، ولا يلزم من إثبات الشيء بدليله أن يكتب دليله معه حتى يرد أنه لم يذكر في المتن الأدلة ، وكذا لا يلزم من كون مسائله مذكورة على الوجه الحق أن يكون غيره من المتون ليس كذلك فافهم ، ويجوز أن يراد بالثمرة الفائدة والنتيجة ; والمعنى أن ما يستفاد بالتحقيق ويستنتج به من الأحكام الشرعية يختار من مسائله المعجبة ( قوله : ومن غرائبه ) جمع غريبة أي مسائله الغريبة العزيزة الوجود التي زادها على المتون المتداولة فهي كالرجل الغريب ، أو المراد تراكيبه وإشاراته الفائقة على غيرها حتى صارت غريبة في بابها . والذخائر : جمع ذخيرة بمعنى مذخورة ما يذخر أي يختار ويحفظ . والتدقيق إثبات المسألة بدليل دق طريقه لناظريه كما في تعريفات السيد ، وقيل إثبات دليل المسألة بدليل آخر ، وجملة تحير الأفكار صفة ذخائر الواقع مبتدأ مؤخرا مخبرا عنه بالظرف قبله . ولما كان التدقيق مأخوذا من الدقة وهي الغموض والخفاء ذكر معه الذخائر التي تحفظ عادة وتخبأ ، وذكر معه أيضا تحير الأفكار : وهو عدم اهتدائها ، والمراد بها أصحابها ، بخلاف التحقيق فإنه لا يلزم أن يكون فيه دقة ، والحق ظاهر لا يخفى فلذا ذكر معه الثمرات التي تظهر عادة ( قوله : لشيخ شيخنا ) متعلق بمحذوف نعت لتنوير الأبصار أو حال منه : أي الكائن أو كائنا . ا هـ . ح

( قوله : شيخ الإسلام ) أي شيخ أهل الإسلام ، وهذا الوصف غلب على من كان في منصب الإفتاء أو القضاء ( قوله : محمد بن عبد الله ) بن أحمد الخطيب بن محمد الخطيب بن إبراهيم الخطيب . ا هـ . ح . ورأيت في رسالة لحفيد المصنف : وهو الشيخ محمد ابن الشيخ صالح ابن المصنف ، [ ص: 19 ] زاد بعد إبراهيم المذكور ابن خليل بن تمرتاشي . قال المحبي : كان إماما كبيرا حسن السمت قوي الحافظة كثير الاطلاع ، وبالجملة فلم يبق من يساويه في الرتبة ، وقد ألف التآليف العجيبة المتقنة ، منها التنوير وهو في الفقه جليل المقدار جم الفائدة ، دقق في المسائل كل التدقيق ورزق فيه السعد ، فاشتهر في الآفاق ، وهو من أنفع كتبه ، وشرحه هو ، واعتنى بشرحه جماعة منهم العلامة الحصكفي مفتي الشام والمنلا حسين بن إسكندر الرومي نزيل دمشق .

والشيخ عبد الرزاق مدرس الناصرية ، وكتب عليه شيخ الإسلام محمد الأنكوري كتابات في غاية التحرير والنفع ، وكتب عن شرح مؤلفه شيخ الإسلام خير الدين الرملي حواشي مفيدة . وله تآليف لا تحصى ، توفي سنة ( 1004 ) عن خمس وستين سنة ( 156 ) ا هـ . قلت : ومن تأليف المصنف كتاب معين المفتي والمنظومة الفقهية المسماة تحفة الأقران وشرحها مواهب الرحمن والفتاوى المشهورة . وشرح زاد الفقير لابن الهمام وشرح الوقاية ، وشرح الوهبانية ، وشرح يقول العبد ، وشرح المنار وشرح مختصر المنار ، وشرح الكنز إلى كتاب الإيمان ، وحاشية على الدرر لم تتم ، ورسائل كثيرة منها رسالة في العشرة المبشرين بالجنة ، وفي عصمة الأنبياء وفي دخول الحمام ، وفي لفظ جوزتك بتقديم الجيم . وفي القضاء ، وفي الكنائس ، وفي المزارعة ، وفي الوقوف بعرفة ، وفي الكراهية ، وفي حرمة القراءة خلف الإمام . وفي جواز الاستنابة في الخطبة .

وفي أحكام الدروز والأرفاض ، وفي مشكلات مسائل وشرحها ، وله رسالة في التصوف وشرحها ، ومنظومة فيه ، ورسالة في علم الصرف . وشرح القطر وغير ذلك ذكره بعضهم ( قوله : التمرتاشي ) نسبة إلى تمرتاش . نقل صاحب مراصد الاطلاع في أسماء الأماكن والبقاع أن تمرتاش بضمتين وسكون الراء وتاء وألف وشين معجمة : قرية من قرى خوارزم . ا هـ . ط . قلت . والأقرب أنه نسبة إلى جده تمرتاشي كما قدمناه ( قوله : الغزي ) نسبة إلى غزة هاشم ، وهي كما في القاموس : بلد بفلسطين ، ولد بها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى . ومات بها هاشم بن عبد مناف ( قوله : عمدة المتأخرين ) أي معتمدهم في الأحكام الشرعية ( قوله : الأخيار ) جمع خير بالتشديد : كثير الخير

التالي السابق


الخدمات العلمية