صفحة جزء
( وطاف بالبيت طواف القدوم ويسن ) هذا الطواف ( للآفاقي ) لأنه القادم ( وأخذ ) الطائف ( عن يمينه مما يلي الباب ) فتصير الكعبة عن يساره لأن الطائف كالمؤتم بها والواحد يقف عن يمين الإمام ، ولو عكس أعاد مادام بمكة فلو رجع فعليه دم وكذا لو ابتدأ من غير الحجر كما مر [ ص: 495 ] قالوا ويمر بجميع بدنه على جميع الحجر ( جاعلا ) قبل شروعه ( رداءه تحت إبطه اليمنى ملقيا طرفه على كتفه الأيسر ) استنانا ( وراء الحطم ) وجوبا لأن منه ستة أذرع من البيت فلو طاف من الفرجة لم يجز [ ص: 496 ] كاستقباله احتياطا وبه قبر إسماعيل وهاجر ( سبعة أشواط ) فقط ( فلو طاف ثامنا من عمله به ) فالصحيح أنه ( يلزمه إتمام الأسبوع للشروع ) أي لأنه شرع فيه ملتزما بخلاف ما لو ظن أنه سابع لشروعه مسقطا لا مستلزما بخلاف الحج .


( قوله طواف القدوم ) يسمى أيضا طواف التحية وطواف اللقاء وطواف أول عهد بالبيت وطواف إحداث العهد بالبيت ، وطواف الوارد والورود شرح اللباب ويقع هذا الطواف للقدوم من المفرد بالحج وإن لم ينو كونه للقدوم أو نوى غيره لأنه وقع في محله قال في اللباب : ثم إن كان المحرم مفردا بالحج وقع طوافه هذا للقدوم وإن كان مفردا بالعمرة أو متمتعا أو قارنا وقع عن طواف العمرة نواه له أو لغيره وعلى القارن أن يطوف طوافا آخر للقدوم ا هـ أي استحبابا بعد فراغه عن سعي العمرة قاري . وفي اللباب : وأول وقته حين دخوله مكة وآخره من وقوفه بعرفة فإذا وقف فقد فات وقته ، وإن لم يقف فإلى طلوع فجر النحر ( قوله للآفاقي ) أي لا غير فتح فلا يسن للمكي ولا لأهل المواقيت ومن دونها إلى مكة سراج وشرح اللباب إلا أن المكي إذا خرج للآفاقي ثم عاد محرما بالحج فعليه طواف القدوم لباب ، فهذا خلاف ما في القهستاني من أنه يسن لأهل المواقيت وداخلها فافهم ( قوله عن يمينه ) أي يمين الطائف لا الحجر وقوله مما يلي الباب : أي باب الكعبة تأكيد له وهذا واجب في الأصح كما مر ( قوله ولو عكس ) بأن أخذ عن يساره وجعل البيت عن يمينه ، وكذا لو استقبل البيت بوجهه أو استدبره وطاف معترضا كما في شرح اللباب وغيره ( قوله فلو رجع ) أي إلى بلده قبل إعادته .

( قوله وكذا لو ابتدأ من غير الحجر ) أي يعيده وإلا فعليه دم وهذا على القول بوجوبه كما أشار إليه بقوله كما مر أي [ ص: 495 ] في الواجبات ( قوله قالوا إلخ ) قال في البحر : ولما كان الابتداء من الحجر واجبا كان الابتداء في الطواف من الجهة التي فيها الركن اليماني قريبا من الحجر الأسود متعينا ، ليكون مارا بجميع بدنه على جميع الحجر الأسود ، وكثير من العوام شاهدناهم يبتدئون الطواف وبعض الحجر خارج عن طوافهم فاحذره ا هـ .

قلت : قدمنا هذه الكيفية عن اللباب ، وأنها مستحبة لا متعينة ، وبه صرح في فتح القدير أيضا قائلا في تعليله وتبعه القاري في شرح اللباب للخروج عن خلاف من يشترط المرور على الحجر بجميع بدنه وفي الكرماني أنه الأكمل والأفضل ، ثم قال القاري وإلا فلو استقبل الحجر مطلقا ونوى الطواف كفى عندنا في أصل المقصود الذي هو الابتداء من الحجر سواء قلنا إنه سنة أو واجب أو فريضة أو شرط . ا هـ . وفي الشرنبلالية بعدما مر عن البحر وهذا إذا لم يكن في قيامه مسامتا للحجر بأن وقف جهة الملتزم ومال ببعض جسده ليقبل الحجر أما من قام مسامتا بجسده الحجر فقد دخل في ذلك شيء من الركن اليماني لأن الحجر وركنه لا يبلغ عرض جسد المسامت له وبه يحصل الابتداء من الحجر . ا هـ .

قلت : لكن لا يحصل به المرور بجميع البدن على جميع الحجر لكن قد علمت أنه غير لازم عندنا ، ولعل الشارح أشار إلى ضعفه بلفظ قالوا لما علمته فافهم ( قوله قبل شروعه ) أي من حين تجرده للإحرام ، بناء على ما قدمه عند قول المصنف ولبس إزار أو رداء إلخ لكن قدمنا تصحيح خلافه ولذا قال في الفتح وينبغي أن يضطبع قبل شروعه في الطواف بقليل ا هـ فلو قال الشارح قبيل شروعه لكان أصوب فافهم .

هذا ، وفي شرح اللباب : واعلم أن الاضطباع سنة في جميع أشواط الطواف كما صرح به ابن الضياء فإذا فرغ من الطواف تركه حتى إذا صلى ركعتي الطواف مضطبعا يكره لكشفه منكبه ويأتي الكلام على أنه لا اضطباع في السعي . ا هـ . ( قوله استنانا ) أي في كل طواف بعده سعي كطواف القدوم والعمرة وكطواف الزيارة إن كان آخر السعي ولم يكن لابسا ، بقي من لبس المخيط لعذر هل يسن له التشبه به لم يتعرض له أصحابنا وقال بعض الشافعية يتعذر في حقه أي على وجه الكمال ، فلا ينافي ما ذكره بعضهم أنه قد يقال يشرع له وإن كان المنكب مستورا بالمخيط للعذر . قلت : والأظهر فعله شرح اللباب ملخصا ( قوله وراء الحطيم ) ويسمى حظيرة إسماعيل أو هو البقعة التي تحت الميزاب عليها حاجز كنصف دائرة بينها وبين البيت فرجة سمي بالحطيم لأنه حطم من البيت أي كسر وبالحجر لأنه حجر منه أي منع ( قوله لأن منه ستة أذرع من البيت ) لفظة منه خبر أن مقدم وستة اسمها مؤخر ومن البيت صفة ستة والتقدير لأن ستة أذرع كائنة من البيت ثابتة منه أو منه حال من ستة مقدم عليه ومن البيت خبر وهو جائز كقوله لمية موحشا طلل ط .

قلت : والثاني أظهر فافهم قال في الفتح وليس الحجر كله من البيت بل ستة أذرع منه فقط لحديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ستة أذرع من الحج من البيت وما زاد ليس من البيت } رواه مسلم ( قوله لم يجز ) بفتح أوله وضم ثانيه من الجواز بمعنى الحل لا الصحة أو بضم أوله وسكون ثانية من الإجزاء أي على وجه الكمال قال القاري في شرح النقاية : ولو طاف من الفرجة لا يجزيه في تحقيق كماله ، ولا بد من إعادة الطواف كله لتحققه ، وإن أعاد من الحطيم وحده أجزأه بأن يأخذ على يمينه خارج الحجر ، حتى ينتهي إلى آخره ثم يدخل الحجر من الفرجة ويخرج من الجانب الآخر أو لا يدخل الحجر ، وهو أفضل بأن يرجع ويبتدئ [ ص: 496 ] من أول الحجر هكذا يفعل سبع مرات ويقضي صفته من رمل وغيره ولو لم يعد صح طوافه ووجب عليه دم . ا هـ . ( قوله كاستقباله ) أي فإنه إذا استقبله المصلي لم تصح صلاته لأن فرضية استقبال الكعبة ثبتت بالنص القطعي وكون الحطيم من الكعبة ثبت بالآحاد فصار كأنه من الكعبة من وجه دون وجه فكان الاحتياط في وجوب الطواف وراءه وفي عدم صحة استقباله والتشبيه يمكن تصحيحه على الوجهين اللذين ذكرناهما في قوله لم يجز مع قطع النظر عن المفهوم فافهم ( قوله وبه قبر إسماعيل وهاجر ) عزاه في البحر إلى غاية البيان . وذكر بعضهم أن ابن الجوزي أورد أن قبر إسماعيل فيما بين الميزاب إلى باب الحجر الغربي .

[ تنبيه ]

لم يذكر الشاذروان وهو الإفريز المسنم الخارج عن عرض جدار البيت قدر ثلثي ذراع ، قيل إنه من البيت بقي منه حين عمرته قريش كالحطيم ، وهو ليس منه عندنا لكن ينبغي أن يكون طوافه وراءه خروجا من الخلاف كما في الفتح واللباب وغيرهما ( قوله سبعة أشواط ) من الحجر إلى الحجر شوط خانية وهذا بيان للواجب لا للفرض في الطواف في لما مر أن أقل الأشواط السبعة واجبة تجبر بالدم ، فالركن أكثرها بحر لكن الظاهر أن هذا في الفرض والواجب فقد صرحوا بأنه لو ترك أكثر أشواط الصدر لزمه دم وفي الأقل لكل شوط صدقة .

مطلب في طواف القدوم

وأما القدوم فلم يصرحوا بما يلزمه لو تركه بعد الشروع ، وبحث السندي في منسكه الكبير أنه كالصدر ونازعه في شرح اللباب بأن الصدر واجب بأصله فلا يقاس عليه ما يجب بشروعه فالظاهر أنه لا يلزمه بتركه شيء سوى التوبة كصلاة النفل ا هـ ملخصا . وقد يقال وجوبه بالشروع بمعنى وجوب إكماله وقضائه بإهماله ويلزم منه وجوب الإتيان بواجباته كصلاة النافلة ، حتى لو ترك منها واجبا وجب إعادتها أو الإتيان بما يجبر ما تركه منها كالصلاة الواجبة ابتداء ، وهنا كذلك لو ترك أقله تجب فيه صدقة ولو ترك أكثره يجب فيه دم لأنه الجابر لترك الواجب في الطواف كسجود السهو في ترك الواجب في النافلة والله تعالى أعلم . ( قوله مع علمه به ) أي بأنه ثامن لكن فعله بناء على الوهم أو الوسوسة لا على قصد دخول طواف آخر ، فإنه حينئذ يلزم اتفاقا شرح اللباب . قلت : لكن التعليل يفيد أن الخلاف فيما لو قصد الدخول في طواف آخر أيضا ( قوله لشروعه مسقطا لا ملزما ) أي لأنه شرع فيه لإسقاط الواجب عليه وهو إتمام السبعة لا ملزما نفسه بشوط مستأنف حتى يجب عليه إكماله لما تبين له أنه ثامن ( قوله بخلاف الحج ) فإنه إذا شرع فيه مسقطا يلزمه إتمامه بخلاف بقية العبادات بحر .

والحاصل : أن الطواف كغيره من العبادات مثل الصلاة والصوم لو شرع فيه على وجه الإسقاط بأن ظن أنه عليه ثم تبين خلافه لا يلزمه إتمامه إلا الحج ، فإنه يلزمه إتمامه مطلقا كما مر أول الفصل .

[ تنبيه ]

لو شك في عدد الأشواط في طواف الركن أعاده ولا يبني على غالب ظنه ، بخلاف الصلاة ، وقيل إذا كان يكثر ذلك يتحرى ، ولو أخبره عدل بعدد يستحب أن يأخذ بقوله ، ولو أخبره عدلان وجب العمل بقولهما لباب قال شارحه ومفهومه أنه لو شك في أشواط غير الركن لا يعيده بل يبني على غلبة ظنه لأن غير الفرض [ ص: 497 ] على التوسعة والظاهر أن الواجب في حكم الركن لأنه فرض عملي . ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية