صفحة جزء
[ ص: 614 ] باب الهدي ( هو ) في اللغة والشرع ( ما يهدى إلى الحرم ) من النعم ( ليتقرب به ) فيه ( أدناه شاة ، وهو إبل ) ابن خمس سنين ( وبقر ) ابن سنتين ( وغنم ) ابن سنة ( ولا يجب تعريفه ) بل يندب في دم الشكر ( ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاز في الضحايا ) كما سيجيء ، [ ص: 615 ] فصح اشتراك ستة في بدنة شريت لقربة ، وإن اختلفت أجناسها .


باب الهدي

لما دار ذكر الهدي فيما تقدم من المسائل نسكا وجزاء احتيج إلى بيانه وما يتعلق به ابن كمال ، ويقال فيه هدي بالتشديد على فعيل الواحد هدية كمطية ومطي ومطايا مغرب ( قوله ما يهدى ) مأخوذ من الهدية التي هي أعم من الهدى لا من الهدي ، وإلا لزم ذكر المعرف في التعريف ، فيلزم تعريف الشيء بنفسه ح . قلت : لو أخذ من الهدي يكون تعريفا لفظيا وهو سائغ ط . واحترز بقوله إلى الحرم عما يهدى إلى غيره نعما كان أو غيره ، وبقوله من النعم عما يهدى إلى الحرم من غير النعم ، فإطلاق الفقهاء في باب الأيمان والنذور والهدي على غيره مجاز بحر ، وبقوله ليتقرب به أي بإراقة دمه فيه : أي في الحرم عما يهدى من النعم إلى الحرم هدية لرجل . وأفاد به أنه لا بد من النية أي ولو دلالة . ففي البحر عن المحيط : الواحد من النعم يكون هديا بجعله صريحا أو دلالة ، وهي إما بالنية أو بسوق بدنة إلى مكة وإن لم ينو استحسانا لأن نية الهدي ثابتة عرفا لأن سوق البدنة إلى مكة في العرف يكون للهدي لا للركوب والتجارة ، قال : وأراد السوق بعد التقليد لا مجرد السوق ( قوله أدناه شاة ) أي وأعلاه بدنة من الإبل والبقر ، وفي حكم الأدنى سبع بدنة شرح اللباب .

وأفاد ببيان الأدنى أنه لو قال لله علي أن أهدي ولا نية له فإنه يلزمه شاة لأنها الأقل ، وإن عين شيئا لزمه ; ولو أهدى قيمتها جاز في رواية ، وفي أخرى لا وهي الأرجح ، ولا كلام فيما لو كان مما لا يراق دمه من المنقولات ، فلو عقارا تصدق بقيمته في الحرم أو غيره لأنه مجاز عن التصدق أفاده في البحر واللباب ( قوله ابن خمس سنين إلخ ) بيان لأدنى السن الجائز في الهدي وهو الثني ، وهو من الإبل ما له خمس سنين وطعن في السادسة ، ومن البقر ما طعن في الثالثة ، ومن الغنم ما طعن في الثانية لكنه يوهم أن الجذع من الغنم لا يجوز . قال في اللباب : ولا يجوزون الثني إلا الجذع من الضأن وهو ما أتى عليه أكثر السنة ، وإنما يجوز إذا كان عظيما وتفسيره أنه لو خلط بالثنايا اشتبه على الناظر أنه منها ا هـ ( قوله ولا يجب تعريفه ) أي الذهاب به إلى عرفات أو تشهيره بالتقليد ح عن البحر ( قوله بل يندب ) أي التعريف بمعنييه ح ، لكن الشاة لا يندب تقليدها . وفي اللباب : ويسن تقليد بدن الشكر دون بدن الجبر ، وحسن الذهاب بهدي الشكر إلى عرفة . ا هـ . فعبر في الأول بالبدن ليخرج الشاة ، وفي الثاني بالهدي ليدخلها فيه .

وأفاد أيضا أن الأول سنة والثاني مندوب ، ففي كلام الشارح إجمال ( قوله في دم الشكر ) أي القران والتمتع ، وكذا يقلد هدي التطوع والنذر ; ولو قلد دم الإحصار والجناية جاز ولا بأس به كما سيأتي ( قوله ولا يجوز في الهدايا إلا ما جاز في الضحايا ) كذا عبر في الهداية ، وعلله بأنه قربة تعلقت بإراقة الدم كالأضحية فيختصان بمحل واحد . ا هـ . فأشار إلى أنه مطرد منعكس فيجوز هنا ما يجوز ثمة ولا يجوز هنا ما لا يجوز ثمة . [ ص: 615 ] ولا يرد على طرده ما قدمناه من جواز إهداء قيمة المنذور في رواية مع أنه لا يجوز في الأضحية لأن " ما " واقعة على الحيوان كما اقتضاه قوله وهو إبل وبقر وغنم ، ولو سلم فتلك الرواية مرجوحة على أن القيمة قد تجزئ في الأضحية كما إذا مضت أيامها ولم يضح الغني فإنه يتصدق بقيمتها فافهم ( قوله فصح اشتراك ستة ) أي لأن ذلك جائز في الضحايا فيجوز هنا لما علمته من القاعدة ، واشتراك افتعال ، مصدر الرباعي المتعدي كالاختصاص والاكتساب وهو مضاف إلى مفعوله أي اشتراك واحد ستة . قال في الفتح عن الأصل والمبسوط : فإن اشترى بدنة لمتعة مثلا ثم اشترك فيها ستة بعد ما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا بعضها بإيجاب الشرع وبعضها بإيجابه ; فإن فعل فعليه أن يتصدق بالثمن وإن نوى أن يشرك فيها ستة أجزأته لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء ، فإن لم يكن له نية عند الشراء ولكن لم يوجبها حتى شرك الستة جاز : والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة في الابتداء . ا هـ .

وقوله لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء إلخ يدل على أن معنى إيجابها لنفسه أن يشتريها لنفسه أو ينوي بعده القربة ، ومثله قوله في شرح اللباب أي بتعيين النية وتخصيصها له . إذا عرفت ذلك فالصور ستة : إما أن يشتريها لنفسه خاصة ، أو يشتريها بلا نية ثم يعينها لنفسه ، أو يشتريها بلا نية ولم يعينها لنفسه ، أو يشتريها بنية الشركة أو يشتريها مع ستة ، أو يشتريها وحده بأمرهم ، فقول الشارح شريت لقربة لا يصلح على إطلاقه بل هو خاص بما عدا الصورتين الأوليين ، لكن ينبغي أن يكون هذا التفصيل محمولا على الفقير لأن الغني لا تجب عليه بالشراء بدليل ما ذكره في أضحية البدائع عن الأصل ، من أنه لو اشترى بقرة ليضحي بها عن نفسه فأشرك فيها يجزئهم والأحسن فعل ذلك قبل الشراء قال : وهذا : أي قوله يجزئهم محمول على الغني لأنها لم تتعين ، أما الفقير فلا يجوز أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت ا هـ . لكن سوى في الخانية في مسألة الأضحية بين الغني والفقير فتأمل ( قوله وإن اختلفت أجناسها ) في الفتح عن الأصل والمبسوط : كل من وجب عليه من المناسك جاز أن يشارك ستة نفر قد وجبت الدماء عليهم وإن اختلفت أجناسها من دم متعة وإحصار وجزاء صيد وغير ذلك ، ولو كان الكل من جنس واحد كان أحب إلي . ا هـ .

وذكر نحوه في البحر هنا ، وبه يظهر ما في قول البحر في القران والجنايات أن الاشتراك لا يكفي في الجنايات بخلاف دم الشكر وقد نبهنا على ذلك أول باب الجنايات

التالي السابق


الخدمات العلمية