صفحة جزء
( وينجس ) الماء القليل ( بموت مائي معاش بري مولد ) في الأصح ( كبط وإوز ) وحكم سائر المائعات كالماء في الأصح ، حتى لو وقع بول في عصير عشر في عشر لم يفسد ، ولو سال دم رجله مع العصير لا ينجس خلافا لمحمد ذكره الشمني وغيره ( وبتغير أحد أوصافه ) من لون أو طعم أو ريح ( ينجس ) الكثير ولو جاريا إجماعا ، أما القليل فينجس وإن لم يتغير خلافا لمالك [ ص: 186 ] ( لا لو تغير ) بطول ( مكث ) فلو علم نتنه بنجاسة لم يجز ، ولو شك فالأصل الطهارة والتوضؤ من الحوض أفضل من النهر رغما للمعتزلة .


( قوله : القليل ) أما الكثير فيأتي حكمه بعد .

( قوله : في الأصح ) أي من الروايتين ; لأن له نفسا سائلة ، واتفقت الروايات على الإفساد في غير الماء كذا في شرح الجامع لقاضي خان فما في المجتبى من تصحيح عدم الإفساد به غير ظاهر نهر .

( قوله : كبط وإوز ) فسر في القاموس كلا منهما بالآخر فهما مترادفان ، والإوز بكسر ففتح وزاي مشددة وقد تحذف الهمزة . مطلب حكم سائر المائعات كالماء في الأصح .

( قوله : وحكم سائر المائعات إلخ ) فكل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء وهو الأصح محيط وتحفة والأشبه بالفقه بدائع . ا هـ . بحر ، وفيه من موضع آخر وسائر المائعات كماء في القلة والكثرة ، يعني كل مقدار لو كان ماء تنجس ، فإذا كان غيره ينجس ا هـ ومثله في الفتح .

( قوله : في عصير ) أي في حوض عصير ط .

( قوله : لم يفسد ) أي ما لم يظهر أثر النجاسة .

( قوله : مع العصر ) أي والعصير يسيل ولم يظهر فيه أثر الدم كما في المنية عن المحيط .

( قوله : لا ينجس ) أي ويحل شربه ; لأنه جعل في حكم الماء فتستهلك فيه النجاسة ، بخلاف مسألة الضفدع المتقدمة تأمل .

( قوله : خلافا لمحمد ) أفاد أن هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وبه صرح في المنية .

( قوله : وبتغير ) عطف على قوله بموت مائي المتعلق بقوله قبله وينجس ، وقوله بنجس جار ومجرور متعلق بقوله تغير ، وقوله الكثير فاعل ينجس الذي تعلق به قوله بتغير ، وقيد بالكثير إصلاحا لعبارة المتن ; لأن الكلام في القليل ولا يصح إرادته هنا ، ويوجد في بعض النسخ ينجس الكثير بصيغة المضارع وهو تحريف ، وكأن المحشين لم تقع لهم نسخة صحيحة فاعترضوا على ما رأوا فافهم .

( قوله : خلافا لمالك ) فإن ما هو قليل عندنا لا ينجس عنده ما لم يتغير ، والقليل عندهما تغير ، والكثير بخلافه . وعند الشافعي : الكثير ما بلغ القلتين ، والقليل ما دونه . وأما عندنا فسيأتي الفرق بينهما [ ص: 186 ] والأدلة مبسوطة في البحر .

( قوله : لا لو تغير إلخ ) أي لا ينجس لو تغير فهو عطف على قوله وينجس لا على قوله بموت فتأمل ممعنا .

( قوله : فلو علم إلخ ) صرح به لزيادة التوضيح وإلا فهو داخل تحت قول المصنف وبتغير أحد أوصافه بنجس .

( قوله : ولو شك إلخ ) أي ولا يلزمه السؤال بحر ، وفيه عن المبتغى بالغين وبرؤية آثار أقدام الوحوش عند الماء القليل لا يتوضأ به ، ولو مر سبع بالركية وغلب على ظنه شربه منها تنجس وإلا فلا ا هـ وينبغي حمل الأول على ما إذا غلب على ظنه أن الوحوش شربت منه بدليل الفرع الثاني وإلا فمجرد الشك لا يمنع لما فيه الأصل أنه يتوضأ من الحوض الذي يخاف قذرا ولا يتيقنه ، وينبغي حمل التيقن المذكور على غلبة الظن والخوف على الشك أو الوهم كما لا يخفى . ا هـ . مطلب في أن التوضؤ من الحوض أفضل رغما للمعتزلة

وبيان الجزء الذي لا يتجزأ الجزء الذي لا يتجزأ : جوهر ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا لا بحسب الخارج ولا بحسب الوهم ، أو الفرض العقلي ، تتألف الأجسام من أفراد بانضمام بعضها إلى بعض ا هـ تعريفات السيد ا هـ منه .

( قوله : والتوضؤ من الحوض أفضل إلخ ) أي لأن المعتزلة لا يجيزونه من الحياض فنرغمهم بالوضوء منها قال في الفتح : وهذا إنما يفيد الأفضلية لهذا العارض ، ففي مكان لا يتحقق يكون النهر أفضل ا هـ . بقي الكلام في وجه منع المعتزلة ذلك ، ففي المعراج قيل مسألة الحوض بناء على الجزء الذي لا يتجزأ ، فإنه عند أهل السنة موجود في الخارج فتتصل أجزاء النجاسة إلى جزء لا يمكن تجزئته فيكون باقي الحوض طاهرا . وعند المعتزلة والفلاسفة هو معدوم ، فيكون كل الماء مجاورا للنجاسة ، فيكون الحوض نجسا عندهم ، وفي هذا التقرير نظر . ا هـ . أقول : وتوضيح ذلك أن الجزء الذي لا يتجزأ عبارة عن الجوهر الفرد الذي لا يقبل الانقسام أصلا ، وهو ما تتألف الأجسام من أفراده بانضمام بعضها إلى بعض ، وهو ثابت عند أهل السنة ، فكل جسم يتناهى بالانقسام إليه ، فإذا وقعت في الحوض الكبير نجاسة وفرضنا انقسامها إلى أجزاء لا تتجزأ ، وقابلها من الماء الطاهر مثلها يبقى الزائد عليها طاهرا فلا يحكم على الماء كله بالنجاسة .

وعند الفلاسفة : هو معدوم بمعنى أن كل جسم قابل لانقسامات غير متناهية ، فكل جزء من النجاسة قابل للقسمة وكذا الماء الطاهر ، فلا يوجد جزء من الطاهرة إلا ويقابله جزء من النجاسة لعدم تناهي القسمة فتتصل أجزاء النجاسة بجميع أجزاء الماء الطاهر فيحكم عليه كله بأنه نجس ، ولعل وجه النظر في هذا التقرير أنه لو كانت المسألة مبنية على ذلك لزم أن لا يحكم بنجاسة ما دون عشر في عشر أيضا إلا إذا غلبت النجاسة عليه أو ساوته لبقاء الزائد على الطهارة فلا يحكم على الكل بالنجاسة . وأيضا فالتعبير بالنجاسة مبني على خلاف المعتمد من طهارة الماء المستعمل . [ ص: 187 ] على أن المشهور أن الخلاف في مسألة الجزء الذي لا يتجزأ بين المسلمين وحكماء الفلاسفة ، فنفاه الفلاسفة وبنوا عليه قدم العالم وعدم حشر الأجساد وغير ذلك من أنواع الإلحاد ، وأثبته المسلمون لرد ذلك ; لأن مادة العالم إذا تناهت بالانقسام إليه يكون ذلك الجزء حادثا محتاجا إلى موجد وهو الله تعالى كما بين ذلك في محله وأما المعتزلة فلم يخالفوا أهل السنة في شيء من ذلك وإلا لكفروا قطعا مع أنهم من أهل قبلتنا ومقلدون في الفروع لمذهبنا ، فالأولى ما قيل من بناء المسألة على أن الماء يتنجس عندهم بالمجاورة .

وعندنا لا بل بالسريان ، وذلك يعلم بظهور أثرها فيه ، فما لم يظهر لا يحكم بالنجاسة بناء على أن المستعمل نجس ، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل ، فاغتنمه فإنك لا تكاد تجده موضحا كذلك في غير هذا الكتاب ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية