صفحة جزء
[ فرع ] اختلف في محدث انغمس في بئر لدلو [ ص: 202 ] أو تبرد مستنجيا بالماء ولا نجس عليه ولم ينو ولم يتدلك والأصح أنه طاهر والماء مستعمل لاشتراط الانفصال للاستعمال ، والمراد أن ما اتصل بأعضائه وانفصل عنها مستعمل لا كل الماء على ما مر .


مطلب مسألة البئر " جحط : ( قوله فرع إلخ ) هذا ما عبر عنه في الكنز وغيره بقوله ومسألة البئر " جحط " فأشار بالجيم إلى ما قال الإمام إن الرجل والماء نجسان ، وبالحاء إلى ما قال الثاني إنهما بحالهما ، وبالطاء إلى ما قال الثالث من طهارتهما ، ثم اختلف التصحيح في نجاسة الرجل على الأول ، فقيل للجنابة فلا يقرأ القرآن ، وقيل لنجاسة الماء المستعمل فيقرأ إذا غسل فاه واستظهره في الخانية . قلت : ومبنى الأول على تنجس الماء لسقوط فرض الغسل عن بعض الأعضاء بأول الملاقاة قبل تمام الانغماس ، والثاني على أنه بعد الخروج من الجنابة كما يفيده ما في البحر عن الخانية وشروح الهداية ، وينبغي على الأول أن تكون النجاسة نجاسة الماء أيضا لا الجنابة فقط تأمل ، ومبنى قول الثاني على اشتراط الصب في الخروج من الجنابة في غير الماء الجاري وما في حكمه ، ومبنى قول الثالث على عدم اشتراطه ولم يصر الماء مستعملا للضرورة ، كذا قرره في البحر وغيره ( قوله في محدث ) أي حدثا أصغر أو أكبر جنابة أو حيضا أو نفاسا بعد انقطاعهما ، أما قبل الانقطاع وليس على أعضائهما نجاسة فهما كالطاهر إذا انغمس للتبرد لعدم خروجها من الحيض ، فلا يصير الماء مستعملا بحر عن الخانية والخلاصة ، وتمامه في ح ( قوله في بئر ) أي دون عشر في عشر " ح " أي وليست جارية ( قوله لدلو ) أي لاستخراجه ، وقيد به ; لأنه لو كان للاغتسال صار مستعملا اتفاقا قال في النهر : أي بين الإمام ، والثالث لما مر من اشتراط الصب على قول الثاني . ا هـ . وذكره في البحر بحثا . [ ص: 202 ] أقول : والظاهر أن اشتراط الصب على قول الثاني عند عدم النية لقيامه مقامها كما يدل عليه ما يأتي من تصريحه بقيام التدليك مقامها فتدبر ( قوله أو تبرد ) تبع في ذكره صاحب البحر والنهر ، بناء على ما قيل إنه عند محمد لا يصير الماء مستعملا إلا بنية القربة ، وقدمنا أن ذلك خلاف الصحيح عنده وأن عدم الاستعمال في مسألة البئر عنده هي الضرورة ولا ضرورة في التبرد فلذا اقتصر في الهداية على قوله لطلب الدلو ( قوله مستنجيا بالماء ) قيد به ; لأنه لو كان بالأحجار تنجس كل الماء اتفاقا كما في البزازية نهر . قلت : وفي دعوى الاتفاق نظر ، فقد نقل في التتارخانية اختلاف التصحيح في التنجس وعدمه : أي بناء على أن الحجر مخفف أو مطهر ورجح في الفتح الثاني ، نعم الذي في أكثر الكتب ترجيح الأول كما أفاده في تنوير البصائر ، وتمام الكلام عليه سيأتي في فصل الاستنجاء - إن شاء الله تعالى - .

( قوله ولا نجس عليه ) عطف عام على خاص ، فلو كان على بدنه أو ثوبه نجاسة تنجس الماء اتفاقا ( قوله ولم ينو ) أي الاغتسال ، فلو نواه صار مستعملا بالاتفاق إلا في قول زفر سراج ، وهذا مؤيد لما قدمناه من أنه عند الثاني مستعمل أيضا ، والمراد أنه لم ينو بعد انغماسه في الماء فلا ينافي قوله لدلو أفاده ط ( قوله ولم يتدلك ) كذا في المحيط والخلاصة ، وظاهره أنه لو نزل للدلو وتدلك في الماء صار مستعملا اتفاقا ; لأن التدلك فعل منه قائم مقام النية فصار كما لو نزل للاغتسال بحر ونهر فتنبه ، وقيده في شرح المنية الصغير بما إذا لم يكن تدلكه لإزالة الوسخ ( قوله والأصح إلخ ) هذا القول غير الأقوال الثلاثة المارة المرموز إليها " بجحط " ذكره في الهداية رواية عن الإمام . قال في البحر : وعن أبي حنيفة إن الرجل طاهر ; لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال قبل الانفصال من العضو . قال الزيلعي والهندي وغيرهما تبعا لصاحب الهداية : وهذه الرواية أوفق الروايات أي للقياس . وفي فتح القدير وشرح المجمع أنها الرواية المصححة ، ثم قال في البحر : فعلم أن المذهب المختار في هذه المسألة أن الرجل طاهر والماء طاهر غير طهور ; أما كون الرجل طاهرا فقد علمت تصحيحه ، وأما كون الماء المستعمل كذلك على الصحيح فقد علمته أيضا مما قدمناه ا هـ ومثله في الحلية ، وبه علم أن هذا ليس قول محمد ; لأن عنده لا يصير الماء مستعملا للضرورة كما مر . وأما الإمام فلم يعتبر الضرورة هنا بل حكم باستعماله لسقوط الفرض كما تقدم تقريره ، ولو اعتبر الضرورة لم يصح الخلاف المرموز له ، نعم ذكر في البحر عن الجرجاني أنه أنكر الخلاف إذ لا نص فيه وأنه لا يصير مستعملا كما لو اغترف الماء بكفه للضرورة بلا خلاف . أقول : وهو خلاف المشهور في كتب المذهب من إثبات الخلاف ومن أن الذي اعتبر الضرورة هو محمد فقط وكأن غيره لم يعتبر هنا لندرة الاحتياج إلى الانغماس ، بخلاف الاحتياج إلى الاغتراف باليد فافهم ( قوله والمراد إلخ ) صرح به في الحلية والبحر والنهر ، ورده العلامة المقدسي في شرح نظم الكنز بأنه تأويل بعيد جدا ، وقوله على ما مر : أي من أنه لا فرق بين الملقي والملاقي ، وهذه مسألة الفساقي ، وقد علمت ما فيها من المعترك العظيم بين العلماء المتأخرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية