صفحة جزء
وما كان في الدرر والغرر لم أعزه إلا ما ندر ، وما زاد وعز نقله عزوته لقائله وما للاختصار ، ومأمولي من الناظر فيه أن ينظر بعين الرضا والاستبصار ، وأن يتلافى تلافه [ ص: 21 ] بقدر الإمكان ، أو يصفح ليصفح عنه عالم الإسرار والإضمار ، ولعمري إن السلامة من هذا الخطر لأمر يعز على البشر .


( قوله : في الدرر والغرر ) كلاهما لمنلا خسرو والدرر هو شرح الغرر ( قوله : لم أعزه ) أي لم أنسبه ، من عزا يعزو واسم المفعول منه معزو كمدعو بالتصحيح أرجح من معزي بالإعلال . قال في الألفية :

وصحح المفعول من نحو عدا واعلله إن لم تتحر الأجودا

ويروى بالوجهين قول الشاعر

أنا الليث معديا عليه وعاديا

والثاني هو الجاري على ألسنة الفقهاء ( قوله : ما زاد وعز نقله ) أي وما زاد على ما في الدرر والغرر وعز نقله في الكتب المتداولة عزوته لقائله . وفي بعض النسخ : وما زاد عن نقله ، أي وما زاد عن المنقول في الدرر والغرر ، فعن بمعنى على والمصدر بمعنى اسم المفعول ( قوله : وما ) أي قصدا للاختصار علة لقوله لم أعزه ، وفيه إشارة إلى كثرة نقله عن الدرر ومتابعته له كعادة المصنف في متنه وشرحه ، وهو بذلك حقيق فإنه كتاب مبني على غاية التحقيق ( قوله : ومأمولي ) من الأمل وهو الرجاء ( قوله : من الناظر ) أي المتأمل . قال الراغب : النظر قد يراد به التأمل والتفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ، واستعمال النظر في البصيرة أكثر عند الخاصة والعامة بالعكس ا هـ وتمامه في حاشية الحموي ( قوله : فيه ) أي في شرحي هذا ( قوله : بعين الرضا ) أي بالعين الدالة على الرضا ، ولا ينظر بعين المقت ، فإن من نظر بها تبين له الحق باطلا ، كما قال الشاعر :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة     كما أن عين السخط تبدي المساويا

أو أنه شبه الرضا بإنسان له عين تشبيها مضمرا في النفس وذكر العين تخييل ط ( قوله : والاستبصار ) السين والتاء زائدتان : أي والإبصار ، والمراد به التبصر والتأمل ط ( قوله : وأن يتلافى ) أي يتدارك . في القاموس : تلافاه تداركه ( قوله : تلافه ) الذي في القاموس وجامع اللغة ولسان العرب : التلف الهلاك ، ولم يذكروا التلاف فليراجع . ا هـ . ح . ووقع التعبير به لغير الشارح كالإمام عمر بن الفارض قدس سره في قصيدته الكافية بقوله :

وتلافي إن كان فيه     ائتلافي بك عجل به جعلت فداكا

ويحتمل أن الألف إشباع وهو لغة قوم ط . وفسر العلامة البوريني في شرحه على ديوان ابن الفارض التلاف [ ص: 21 ] بالتلف ، وكذا قال سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه عليه ، وتلافي مصدر مضاف إلى المتكلم ، ووقع في كلام الشعراء كثيرا ، ومنه قول ابن عنين يخاطب بعض الملوك وكان مريضا :

انظر إلي بعين مولى لم يزل     يولي الندى وتلاف قبل تلاف
أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه     فاغنم دعائي والثناء الوافي

فجاءه الملك بألف دينار وقال له : أنت الذي ، وهذه الصلة ، وأنا العائد ( قوله : بقدر الإمكان ) متعلق بقوله يتلافى والإضافة بيانية : أي إذا رأى فيه عيبا يتداركه بإمكانه ، بأن يحمله على محمل حسن حيث أمكن ، أو يصلحه بتغيير لفظه إن لم يمكن تأويله ( قوله : أو يصغى ) في بعض النسخ بالواو : أي يسمح ولا يفضح . والصفح في الأصل : الميل بصفحة العنق ثم أريد به مطلق الإعراض ( قوله : ليصفح عنه إلخ ) لأن الجزاء من جنس العمل ( قوله : الإسرار ) بكسر الهمزة مصدر أسر ليناسب الإضمار وإن احتمل أن يكون بفتحها جمع سر . ا هـ . ح ، وعلى الأول فعطف الإضمار عليه عطف مرادف ، وعلى الثاني عطف مغاير . قال ط : والأولى أن يقول بدل الإضمار الإظهار ليكون في كلامه صنعة الطباق ، وهي الجمع بين لفظين متقابلي المعنى ( قوله : ولعمري ) تقدم الكلام عليه ، وهذه الفقرة وقعت في خطبة النهر ( قوله : الخطر ) هو الإشراف على الهلاك ، والمراد به هنا الشيء الشاق ، وهو الخطأ والسهو المعبر عنه بالتلاف ( قوله : يعز ) على وزن يقل أو يمل كما في القاموس ، والمادة تأتي بمعنى العسر وبمعنى القلة وبمعنى الضيق وبمعنى العظمة كما أفاده في القاموس ، وكل صحيح أفاده ط ( قوله : البشر ) اسم جنس . والبشر : ظاهر البشرة ، وهو ما ظهر من الجسد . والجن : ما اختفى من الاجتنان ، وهو الاستتار ط

التالي السابق


الخدمات العلمية