صفحة جزء
( و ) أما في ( طلقي ضرتك أو ) قوله لأجنبي ( طلق امرأتي ) ف ( يصح رجوعه ) منه ولم يقيد بالمجلس لأنه توكيل محض ، وفي طلقي نفسك وضرتك كان تمليكا في حقها توكيلا في حق ضرتها جوهرة ( إلا إذا علقه بالمشيئة ) فيصير تمليكا لا توكيلا . والفرق بينهما في خمسة أحكام : ففي التمليك لا يرجع ولا يعزل ولا يبطل بجنون الزوج ويتقيد بمجلس لا بعقل ، فيصح تفويضه لمجنون وصبي لا يعقل ، بخلاف التوكيل بحر ، نعم لو جن بعد التفويض لم يقع فهنا تسومح ابتداء لا بقاء عكس القاعدة فليحفظ [ ص: 318 ] ( وجلوس القائمة واتكاء القاعدة وقعود المتكئة ودعاء الأب ) أو غيره ( للمشورة ) بفتح فضم المشاورة ( و ) دعاء ( شهود للإشهاد ) على اختيارها الطلاق إذا لم يكن عندها من يدعوهم ، سواء تحولت عن مكانها أو لا في الأصح خلاصة ( وإيقاف دابة هي راكبتها لا يقطع ) المجلس ، ولو أقامها أو جامعها مكرهة بطل لتمكنها من الاختيار ( والفلك لها كالبيت وسير دابتها كسيرها ) حتى لا يتبدل المجلس بجري الفلك ، ويتبدل بسير الدابة لإضافته إليه إلا أن تجيب مع سكوته أو يكون في محل يقودهما الجمال فإنه كالسفينة . [ ص: 319 ]

( وفي اختاري نفسك لا تصح نية الثلاث ) لعدم تنوع الاختيار ; بخلاف أنت بائن أو أمرك بيدك ( بل تبين ) بواحدة ( إن قالت اخترت ) نفسي ( أو ) أنا ( أختار نفسي ) استحسانا ، بخلاف قوله طلقي نفسك فقالت أنا طالق أو أنا أطلق نفسي لم يقع لأنه وعد جوهرة ، [ ص: 320 ] ما لم يتعارف أو تنو الإنشاء فتح ( وذكر النفس أو الاختيارة في أحد كلاميهما شرط ) صحة الوقوع بالإجماع ( ويشترط ذكرها متصلا ، فإن كان منفصلا فإن في المجلس صح ) لأنها تملك فيه الإنشاء ( وإلا لا ) إلا أن يتصادقا على اختيار النفس فيصح وإن خلا كلامهما عن ذكر النفس درر والتاجية وأقره البهنسي والباقاني ، لكن رده الكمال ونقله الأكمل بقيل ، والحق ضعفه نهر .


( قوله أو قوله لأجنبي طلق امرأتي ) قيد بالطلاق لأنه لو قال : أمر امرأتي بيدك يقتصر على المجلس ولا يملك الرجوع على الأصح بحر عن الخلاصة في فصل المشيئة ولو جمع له بين الأمر باليد والأمر بالتطليق ففيه تفصيل مذكور هناك ( قوله فيصح رجوعه ) زاد الشارح الفاء لتكون في جواب أما التي زادها قبل ( قوله لأنه توكيل محض ) أي بخلاف طلقي نفسك لأنها عاملة لنفسها فكان تمليكا لا توكيلا بحر ( قوله كان تمليكا في حقها ) لأنها عاملة فيه لنفسها وقوله توكيلا في حق ضرتها لأنها عاملة فيه لغيرها والظاهر أنه ليس من عموم المجاز ولا من استعمال المشترك في معنييه لأن حقيقة قوله طلقي واحدة وهو الأمر بالتطليق وإن اختلف الحكم المترتب عليه باختلاف متعلقه كما قال الآخر طلق امرأتي وامرأتك فإنه وكيل وأصيل فافهم ( قوله فيصير تمليكا ) فلا يملك الرجوع لأنه فوض الأمر إلى رأيه ، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته والوكيل مطلوب منه الفعل شاء أو لم يشأ ط عن المنح ( قوله لا توكيلا ) أي وإن صرح بالوكالة بحر عن الخانية ( قوله لا يرجع ولا يعزل ) لا يلزم عدم ملك الرجوع عدم ملك العزل ; لأنه لو قال لأجنبي أمر امرأتي بيدك ثم قال عزلتك وجعلته بيدها لا يصح عزله مع أنه لم يرجع عن التفويض بالكلية فافهم ( قوله ولا يبطل بجنون الزوج ) نظرا إلى أنه تعليق ط ( قوله لا بعقل ) هو الخامس ط ( قوله فيصح ) تفريع على الخامس .

وبيانه ما في البحر عن المحيط : لو جعل أمرها بيد صبي لا يعقل أو مجنون فذلك إليه ما دام في المجلس لأن هذا تمليك في ضمنه تعليق ، فإن لم يصح باعتبار التمليك يصح باعتبار معنى التعليق ، فصححناه باعتبار التعليق فكأنه قال : إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق ، وباعتبار معنى التمليك يقتصر على المجلس عملا بالشبهين . ا هـ . ط

قال في الذخيرة : ومن هذا استخرجنا جواب مسألة صارت واقعة الفتوى . صورتها : إذا قال لامرأته الصغيرة أمرك بيدك ينوي الطلاق فطلقت نفسها صح لأن تقدير كلامه : إن طلقت نفسك فأنت طالق ( قوله وصبي لا يعقل ) بشرط أن يتكلم ، فيصح أن يوقع عليها الطلاق ولا يلزم من التعبير العقل ط عن البحر ( قوله بخلاف التوكيل ) أي في المسائل الخمس ، لكن في الأخيرة بحث سأذكره في فصل المشيئة ( قوله نعم لو جن ) أي المفوض إليه ط ( قوله فهنا تسومح إلخ ) نظيره كما في البحر من فصل المشيئة : لو جن الوكيل بالبيع جنونا [ ص: 318 ] يعقل فيه البيع والشراء ثم باع لا ينعقد بيعه بخلاف ما لو وكل مجنونا بهذه الصفة ; لأنه في الأول كان التوكيل ببيع تكون العهدة فيه على الوكيل وبعدما جن تكون العهدة على الموكل فلا ينفذ ، وفي الثاني إنما وكل ببيع عهدته على الموكل فينفذ عليه كما في الخانية وفي تفويض الطلاق وإن كان لا عهدة أصلا ، لكن الزوج حين التفويض لم يعلق إلا على كلام عاقل ، فإذا طلق وهو مجنون لم يوجد الشرط ، بخلاف ما إذا فوض إلى مجنون ابتداء وإن لم يعقل أصلا فإنه يصح باعتبار معنى التعليق ، وفي التوكيل بالبيع لا يصح إلا إذا كان يعقل البيع والشراء كما مر وكأنه بمعنى المعتوه ومن فرعي التفويض والتوكيل بالبيع ظهر أنه تسومح في الابتداء ما لم يتسامح في البقاء . وهو خلاف القاعدة الفقهية من أنه يتسامح في البقاء ما لا يتسامح في الابتداء ا هـ ما في البحر ملخصا

قلت : وهذه القاعدة عبر عنها في الأشباه : بقوله : الرابعة يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها ، ثم فرع عليها فروعا ، ثم فرع على عكسها فرعين غير هذين الفرعين فتصير فروع العكس أربعة بزيادة هذين الفرعين ( قوله وجلوس القائمة ) في جامع الفصولين : ولو مشت في البيت من جانب إلى جانب لم يبطل . ا هـ . قال في البحر : ومعناه أن يخيرها وهي قائمة فمشت من جانب ، إلى آخر ، أما لو خيرها وهي قاعدة في البيت فقامت بطل خيارها بمجرد قيامها لأنه دليل الإعراض ا هـ

قلت : وفيه أن هذا قول البعض وأن الأصح أنه لا بد أن يكون مع القيام دليل الإعراض كما مر ( قوله واتكاء القاعدة ) أما لو اضطجعت ، فقيل لا يبطل وقيل إن هيأت الوسادة كما يفعل للنوم بطل بحر عن الخلاصة ( قوله للمشورة ) فلو دعته لغيرها بطل لما مر من أن الكلام الأجنبي دليل الإعراض ( قوله بفتح وضم ) أي فتح الميم . وضم الشين . وكذا بسكون الشين مع فتح الميم والواو كما في المصباح ( قوله إذا لم يكن عندها من يدعوهم ) صادق بما إذا لم يكن عندها أحد أصلا أو عنده ولا يدعوهم ، فلو عندها من يدعوهم فدعت بنفسها بطل والظاهر أن هذا الحكم يجري في دعاء الأب للمشورة ط ( قوله في الأصح ) وقيل إن تحولت بطل بناء على أن المعتبر إما تبدل المجلس أو الإعراض والأصح اعتبار الإعراض أفاده في البحر ( قوله لتمكنها من الاختيار ) أي اختيارها نفسها ، فعدم ذلك دليل الإعراض بحر ( قوله والفلك ) أي السفينة ( قوله حتى لا يتبدل إلخ ) لأن سيرها غير مضاف إلى راكبها بل إلى غيره من الريح ودفع الماء . فلا يبطل الخيار بسيرها بل بتبدل المجلس فتح ( قوله إلا أن تجيب مع سكوته ) لأنها لا يمكنها الجواب بأسرع من ذلك فلا يتبدل حكما لأن اتحاد المجلس إنما يعتبر ليصير الجواب متصلا بالخطاب وقد وجد إذا كان بلا فصل ، كذا في الفتح وفسر الإسراع في الخلاصة بأن يسبق جوابها خطوتها نهر وظاهر قول الفتح فلا يتبدل حكما أنه لا يشترط هذا السبق لأنه لا يحصل به التبدل لا حقيقة ولا حكما ( قوله فإنه كالسفينة ) يعني بجامع أن السير في كل منهما غير مضاف إلى راكب وقياس هذا أنها لو كانت على دابة وثمة من يقودها أن لا يبطل بسيرها نهر وأقره الرملي

قلت : قد يقال إنه قياس مع الفارق فإنهما لو كانا في محمل يقودهما آخر ينسب السير إلى القائد لعدم تمكن [ ص: 319 ] راكب المحمل من تسيير الدابة بخلاف راكب الدابة فإنه يمكنه التسيير فينسب إليه وإن قاده غيره تأمل . قال الرحمتي وينبغي أن الدابة لو جمحت وعجزت عن ردها أن تكون كالسفينة لأن فعلها حينئذ لا ينسب إلى الراكب كما يأتي في الجنايات .

[ تتمة ] لا يبطل خيارها فيما لو نامت قاعدة أو كانت تصلي المكتوبة أو الوتر فأتمتها ، أو السنة المؤكدة في الأصح أو ضمت إلى النافلة ركعة أخرى ، أو لبست من غير قيام ، أو أكلت قليلا ، أو شربت ، أو قرأت قليلا ، أو سبحت أو قالت لم لا تطلقني بلسانك . قال في الفتح : لأن المبدل للمجلس ما يكون قطعا للكلام الأول وإفاضة في غيره ، وليس هذا كذلك بل الكل يتعلق بمعنى واحد وهو الطلاق ، وتمامه في النهر ( قوله لعدم تنوع الاختيار ) لأن اختيارها إنما يفيد الخلوص والصفاء ، والبينونة تثبت به مقتضى ولا عموم له نهر أي معنى اخترت نفسي اصطفيتها من ملك أحد لها وذلك بالبينونة فصارت البينونة مقتضى وهو ما يقدر ضرورة تصحيح الكلام ; فإن اصطفاءها نفسها مع ملك الزوج لا يمكن فيقدر لأني أبنت نفسي ; والمقتضى لا عموم له لأنه ضروري فيقدر بقدر الضرورة وهو البينونة الصغرى إذ بها تستخلص نفسها وتصطفيها من ملك الزوج فلا تصح نية الكبرى لعدم احتمال اللفظ لها رحمتي .

( قوله بخلاف أنت بائن ) لأنه ملفوظ به لا مانع من عمومه ; فإذا أطلق انصرف إلى الأدنى وهو البينونة الصغرى ولو نوى الكبرى صح لأنه نوى محتمل لفظه ; وكذا قوله أمرك بيدك ; ولا يصح إيقاع الرجعي به لأنه تفريق بلفظ الكناية فالواقع بها البائن وهو يحتمل البينونتين فينصرف إلى الصغرى ; وإن نوى الكبرى فأوقعتها بلفظها أو بنيتها صح لما قلنا أفاده الرحمتي ( قوله استحسانا ) راجع إلى قوله أو أنا أختار نفسي : أي لو ذكرت بلفظ المضارع سواء ذكرت ( أنا ) أو لا ، ففي القياس لا يقع لأنه وعد . ووجه الاستحسان قول { عائشة رضي الله عنها لما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بل أختار الله ورسوله } ، واعتبره صلى الله عليه وسلم جوابا لأن المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال كما هو أحد المذاهب ، وقيل بالقلب ، وقيل مشترك بينهما ، وعلى الاشتراك يرجع هنا إرادة الحال بقرينة كونه إخبارا عن أمر قائم في الحال وذلك ممكن في الاختيار لأن محله القلب فيصحح الإخبار باللسان عما هو قائم بمحل آخر حال الإخبار كما في الشهادة ، بخلاف قولها أطلق نفسي لا يمكن جعله إخبارا عن طلاق قائم لأنه إنما يقوم باللسان ، فلو جاز لقام به الأمران في زمن واحد وهو محال ، وهذا بناء على أن الإيقاع لا يكون بنفس الطلاق لعدم التعارف ، وقدمنا أنه لو تعورف جاز ، ومقتضاه أن يقع به هنا لأنه إنشاء لا إخبار ، كذا في الفتح ملخصا . قال في النهر وقيد المسألة في المعراج بما إذا لم ينو إنشاء الطلاق ، فإن نواه وقع ا هـ والمناسب التعبير بضمير المؤنث : لأن المسألة هي قول المرأة أطلق نفسي تأمل ( قوله أنا طالق ) ليس هذا في الجوهرة ولا في البحر والنهر والفتح بل صرح في البحر في الفصل الآتي نقلا عن الاختيار وغيره ، وسيذكره الشارح أيضا هناك أنه يقع بقولها أنا طالق لأن المرأة توصف بالطلاق دون الرجل ا هـ .

وعبارة الجوهرة : وإن قال طلقي نفسك فقالت أنا أطلق لم يقع قياسا واستحسانا . ا هـ . نعم ذكر في البحر في فصل المشيئة عن الخانية قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت أنا طالق لا يقع شيء ا هـ لكن عدم الوقوع لأنه علق الثلاث على مشيئتها الثلاث ، ولا يمكن إيقاع الثلاث بلفظ طالق فلا يقع شيء لأنه لم يوجد المعلق عليه ، والذي [ ص: 320 ] قال في الذخيرة : لا يقع إلا أن تقول أنا طالق ثلاثا ، وبه علم أن لفظ أنا طالق يصلح جوابا ، وإنما لم يقع هنا لما قلنا فتدبر ( قوله أو تنو ) مضارع مبني للمعلوم فاعله ضمير المرأة مجزوم بحذف الياء عطفا على يتعارف المبني للمجهول ح ثم هذا ليس من عبارة الفتح بل من زيادة الشارح أخذا مما نقلناه آنفا عن النهر عن المعراج ( قوله أو الاختيارة ) مصدر اختاري وأفاد أن ذكر النفس ليس شرطا بخصوصه بل هي أو ما يقوم مقامها مما يأتي ( قوله في أحد كلاميهما ) وإذا كانت النفس في كلاميهما فبالأولى ، وإذا دخلت عن كلاميهما لم يقع بحر ( قوله بالإجماع ) لأن وقوع الطلاق بلفظ الاختيار عرف بإجماع الصحابة وإجماعهم في اللفظة المفسرة من أحد الجانبين ط عن إيضاح الإصلاح

( قوله لأنها تملك فيه الإنشاء ) أي فتملك تفسيره أيضا ط . قال في البحر عن المحيط والخانية : لو قالت في المجلس عنيت نفسي يقع لأنها ما دامت فيه تملك الإنشاء ( قوله إلا أن يتصادقا ) ظاهره ولو بعد المجلس بحر ( قوله والتاجية ) نسبة إلى تاج الشريعة ( قوله لكن رده الكمال ) حيث قال الإيقاع بالاختيار على خلاف القياس فيقتصر على مورد النص فيه ، ولولا هذا لأمكن الاكتفاء بتفسير القرينة الحالية دون المقالية بعد أن نوى الزوج وقوع الطلاق وتصادقا عليه لكنه بطل ، وإلا لوقع بمجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كاسقني . ا هـ . ( قوله ونقله الأكمل ) أي في العناية ط

التالي السابق


الخدمات العلمية