صفحة جزء
باب الكفارة اختلف في سببها . والجمهور أنه الظهار والعود ( هي ) لغة من كفر الله عنه الذنب : محاه - . [ ص: 473 ] وشرعا ( تحرير رقبة ) قبل الوطء

: أي إعتاقها بنية الكفارة ، فلو ورث أباه ناويا الكفارة لم يجز ( ولو صغيرا ) رضيعا ( أو كافرا ) أو مباح الدم ، أو مرهونا ، أو مديونا ، أو آبقا علمت حياته ، أو مرتدة ، وفي المرتد وحربي خلي سبيله خلاف ( أو أصم ) وإن صيح به يسمع وإلا لا ( أو خصيا ، أو مجبوبا ) ، أو رتقاء ، أو قرناء ( أو مقطوع الأذنين ) . [ ص: 474 ] أو ذاهب الحاجبين وشعر لحية ورأس ، أو مقطوع أنف أو شفتين إن قدر على الأكل وإلا لا ( أو أعور ) ، أو أعمش ، أو مقطوع إحدى يديه وإحدى رجليه من خلاف ، أو مكاتبا ( لم يؤد شيئا ) وأعتقه مولاه لا الوارث .


باب الكفارة

( قوله : اختلف في سببها ) أي سبب وجوبها ، أما سبب مشروعيتها فما هو سبب لوجوب التوبة وهو إسلامه وعهده مع الله تعالى أن لا يعصيه ، وإذا عصاه تاب لأنها من تمام التوبة لأنها شرعت للتكفير بحر ( قوله : والجمهور أنه الظهار والعود ) أي هو مركب منها ، وقيل الظهار فقط والعود شرط لأن سببها ما تضاف إليه ، وقيل عكسه ، وقيل العزم على إباحة الوطء ، وهو قول كثير من مشايخنا وتمام الكلام عليه في الفتح أول الباب السابق . مطلب : لا استحالة في جعل المعصية سببا للعبادة

وفي البحر ما يؤيد أنه ظهار ، حيث قال : وفي الطريقة المعينة : لا استحالة في جعل المعصية سببا للعبارة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب السيئة ، خصوصا إذا صار معنى الزجر فيها مقصودا ، وإنما المحال أن تجعل سببا للعبادة الموصلة إلى الجنة ا هـ وفيه أيضا أنه لا ثمرة لهذا الاختلاف ( قوله : من كفر ) بيان لمادة الاشتقاق لا للمشتق منه لأنه المصدر لا الفعل ( قوله : محاه ) كذا في المصباح ، والأنسب ستره . ففي البحر عن المحيط أنها منبئة عن الستر لغة ، لأنها مأخوذة من الكفر وهو التغطية والستر ا هـ ومنه سمي الزارع كافرا . وظاهر هذا أن المعصية لا تمحى من الصحيفة بل تستر ولا يؤاخذ بها مع بقائها فيها ، وهو أحد قولين ، وأن الذنب يسقط بها بدون توبة ، وإليه يشير ما مر عن الطريقة المعينة ، لكن يخالفه ما مر عن البحر من أنها من تمام التوبة وهو الظاهر . [ تنبيه ]

ركن الكفارة الفعل المخصوص من إعتاق وصيام وإطعام . ويشترط لوجوبها القدرة عليها ، ولصحتها النية المقارنة لفعلها لا المتأخرة ، ومصرفها مصرف الزكاة ، لكن الذمي مصرف لها أيضا دون الحربي ، وفيه كلام سيأتي . وصفتها أنها عقوبة وجوبا عبادة أداء . وحكمها سقوط الواجب عن الذمة وحصول الثواب المقتضي لتكفير الخطايا ، وهي واجبة على التراخي على الصحيح ، فلا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ويكون مؤديا لا قاضيا ويتضيق من آخر عمره ، فيأثم بموته قبل أدائها ، ولا تؤخذ من تركته بلا وصية من الثلث ، ولو تبرع الورثة بها جاز إلا في الإعتاق والصوم ، وتمامه في البحر . [ ص: 473 ]

قلت : لكن مر أنه يجبر على التكفير للظهار ، ومقتضاه الإثم بالتأخير . وأيضا فحيث كانت من تمام التوبة يجب تعجيلها فتأمل ( قوله : تحرير رقبة ) لا بد أن تكون الرقبة غير المظاهر منها ، لما في الظهيرية والتتارخانية : أمة تحت رجل ظاهر منها ثم اشتراها وأعتقها عن ظهاره قبل لم يجز عندهما ، خلافا لأبي يوسف بحر . وفيه عن التتارخانية : ولا بد أن يكون المعتق صحيحا ، وإلا فإن مات من مرضه وهو لا يخرج من الثلث لا يجوز وإن أجاز الورثة ولو برئ جاز ( قوله : قبل الوطء ) ليس قيدا للصحة بل للوجوب ونفي الحرمة ، وفي معنى الوطء دواعيه ( قوله : بنية الكفارة ) أي نية مقارنة لإعتاقه ، أو لشراء القريب كما يأتي .

( قوله : فلو ورث أباه ) تفريع على قوله " أي إعتاقها " فإنه يفيد أنه لا بد من صنعه والإرث جبري . وصورة إرث الأب أن يملكه ذو رحم من الابن كخالته ثم تموت عنه فلو نوى الكفارة حين موتها لم يجزه ، بخلاف ما لو نواها عند شرائه أباه كما يأتي ( قوله : ولو صغيرا إلخ ) تعميم للرقبة ، لأن الرقبة كما في الهداية عبارة عن الذات : أي الشيء المرقوق المملوك من كل وجه ا هـ فشمل جميع ما ذكر وقوله : من كل وجه متعلق بالمرقوق لأن الكمال في الرق شرط دون الملك ، ولذا جاز المكاتب الذي لم يؤد شيئا لا المدبر عناية ، وخرج الجنين وإن ولدته لأقل من ستة أشهر لأنه رقبة من وجه جزء من الأم من وجه حتى يعتق بإعتاقها كما في البحر عن المحيط ، ودخل الكبير ولو شيخا فانيا ، والمريض الذي يرجى برؤه ، والمغصوب إذا وصل إليه ، بحر ، لكن في الهندية عن غاية السروجي : ولا يجزئ الهرم العاجز ( قوله : أو مباح الدم ) عزاه في البحر إلى جامع الجوامع .

وذكر قبله عن محمد أنه إذا قضي بدمه ثم أعتقه عن ظهاره ثم عفي عنه لم يجز ، ومثله في الفتح ، وظاهر الأول الجواز وإن لم يعف عنه ، وليراجع فافهم ( قوله : أو مرهونا ) في البحر عن البدائع : وكذا لو أعتق عبدا مرهونا فسعى العبد في الدين فإنه يجوز عن الكفارة ويرجع على المولى لأن السعاية ليست ببدل عن الرق ( قوله : أو مديونا ) أي وإن اختار الغرماء استسعاءه لأن استغراق الدين واستسعاءه لا يخل بالرق والملك ، فإن السعاية لم توجب الإخراج عن الحرية فوقع تحريرا من كل وجه بغير بدل عليه بحر عن المحيط .

( قوله : أو مرتدة ) أي بلا خلاف لأنها لا تقتل ، كذا في الفتح ( قوله : وفي المرتد إلخ ) خبر مقدم ، وقوله " خلاف " مبتدأ مؤخر ، وقد علمت أن مباح الدم فيه خلاف أيضا فكان المناسب ذكره هنا . وظاهر الفتح اختيار الجواز في المرتد ، فإنه قال : ويدخل في الكافرة المرتد والمرتدة ، ولا خلاف في المرتدة لأنها لا تقتل . وظاهره أن العلة في المرتد أنه يقتل . وفي النهر : وفي المرتد خلاف ، وبالجواز قال الكرخي ، كما لو أعتق حلال الدم . ومن منع قال إنه بالردة صار حربيا ، وصرف الكفارة إليه لا يجوز ا هـ أي لأن إعتاقه في حكم صرف الكفارة إليه ، ومقتضى هذا التعليل أن إعتاق الحربي لا يجزئ اتفاقا ، ولذا أطلق في الفتح عدم الإجزاء ، لكن في البحر عن التتارخانية : لو أعتق عبدا حربيا في دار الحرب ، وإن لم يخل سبيله لا يجوز وإن خلى سبيله ففيه اختلاف المشايخ ، بعضهم قالوا لا يجوز ( قوله : إن صيح به يسمع وإلا لا ) كذا في الهداية ، وبه حصل التوفيق بين ظاهر الرواية أنه يجوز ، ورواية النوادر أنه لا يجوز بحمل الثانية على الذي ولد أصم وهو الأخرس فتح ( قوله : أو خصيا إلى قوله : أو قرناء ) لأنهم وإن فات فيهم جنس المنفعة لكنها غير مقصودة في الرقيق إذ المقصود فيه الاستخدام ذكرا ، أو أنثى ، حتى قالوا إن وطئ الأمة من باب الاستخدام فإذا لم يمكن وطؤها كان استخدامها قاصرا لا منعدما رحمتي ( قوله : أو مقطوع الأذنين ) أي إذا كان السمع باقيا بحر [ ص: 474 ] لأن الفائت في هذه المسائل الزينة وهي غير مقصودة في الرقيق ، أما إذا عجز عن الأكل فإنه يؤدي إلى هلاكه ومنفعة الأكل فيه مقصودة ، فكان هالكا حكما كالمريض الذي لا يرجى برؤه رحمتي ( قوله : أو مكاتبا ) لأن الرق فيه كامل وإن كان الملك ناقصا فيه ، وجواز الإعتاق عنها يعتمد كمال الرق لا كمال الملك . أما لو أدى شيئا فلا يجوز عنها كما يأتي بحر ( قوله : لا الوارث ) أي لو أعتقه الوارث عن كفارته لا يجوز عنها لأن المكاتب لا ينتقل إلى ملك الوارث بعد موت سيده لبقاء الكتابة بعد موته ، فلا ملك للوارث فيه ، بخلاف سيده ، وإنما جاز إعتاق الوارث له لتضمنه الإبراء عن بدل الكتابة المقتضي للإعتاق بحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية