صفحة جزء
[ ص: 484 ] ( فمن قذف ) بصريح الزنا في دار الإسلام ( زوجته ) الحية بنكاح صحيح - ولو في عدة الرجعي - العفيفة عن فعل الزنا وتهمته ، بأن لم توطأ حراما ولو مرة بشبهة ، ولا بنكاح فاسد ولا لها ولد بلا أب ( وصلحا لأداء الشهادة ) على المسلم ; فخرج نحو قن وصغير ، ودخل الأعمى والفاسق لأنهما من أهل الأداء ( أو ) من ( نفى نسب الولد ) منه ، أو من غيره ( وطالبته ) - - [ ص: 485 ] أو طالبه الولد المنفي ( به ) أي بموجب القذف وهو الحد عند القاضي ولو بعد العفو ، أو التقادم ، فإن تقادم الزمان لا يبطل الحق في قذف وقصاص وحقوق عباد جوهرة . والأفضل لها الستر ، وللحاكم أن يأمرها به ( لاعن ) خبر لمن : أي إن أقر بقذفه ، أو ثبت قذفه بالبينة ، فلو أنكر ولا بينة لها لم يستحلف وسقط اللعان ( فإن أبى حبس حتى يلاعن ، أو يكذب نفسه فيحد ) للقذف ( فإن لاعن لاعنت ) بعده لأنه المدعي ، فلو بدأ بلعانها أعادت ، فلو فرق قبل الإعادة صح لحصول المقصود اختيار ( وإلا حبست ) حتى تلاعن أو تصدقه ( فيندفع به اللعان ، ولا تحد ) .

[ ص: 486 ] وإن صدقته أربعا لأنه ليس بإقرار قصدا ، ولا ينتفي النسب لأنه حق الولد فلا يصدقان في إبطاله ، ولو امتنعا حبسا ، وحمله في البحر على ما إذا لم تعف المرأة . واستشكل في النهر حبسها بعد امتناعه لعدم وجوبه عليها حينئذ . .


( قوله : بصريح الزنا ) كيا زانية ، أو يا زان لأنه ترخيم : قد زنيت قبل أن أتزوجك جسدك ، أو نفسك زان ، وخرج الكناية والتعريض نحو لست أنا بزان ، أفاده القهستاني ، وخرج بذكر الزنا اللواط فلا لعان فيه عنده ، وعندهما يثبت فيه كذا في البحر ط ، وخرج أيضا وجدت معها رجلا يجامعها لأن الجماع لا يستلزم الزنا بحر ( قوله : في دار الإسلام ) أخرج دار الحرب لانقطاع الولاية ( قوله : زوجته ) شمل غير المدخول بها كما في الدر المنتقى وغيره ( قوله : الحية ) لأن الميتة لم تبق زوجة ولأنه لا يتأتى منها اللعان ، فلو قذف زوجته الميتة فطلب من وقع القدح في نسبه من غير أولاد القاذف يحد للقذف إن لم يبرهن .

أما لو طالبه من للقاذف عليه ولادة يسقط عنه لأنه لا يحد لولده رحمتي ( قوله : بنكاح صحيح ) هو إيضاح للتقييد بالزوجية ، لأن المنكوحة فاسدا غير زوجة ، ولو دخل بها فيه لم تبق عفيفة أيضا فلا يحد قاذفها أفاده الرحمتي ( قوله : ولو في عدة الرجعي ) خرجت المبانة فلا لعان فيها ، لكنه يحد كالأجنبي قهستاني عن شرح الطحاوي ط ( قوله : العفيفة ) ذات لها صفة تغلب على الشهوة ، وفي الشريعة امرأة بريئة من الوطء الحرام والتهمة قهستاني .

( قوله : بأن لم توطأ إلخ ) بيان للعفة الشرعية ، وقوله : حراما : أي وطئا حراما : أي محرما لعينه لا لعارض ، وذلك بأن يكون في غير ملك صحيح ، بخلاف ما لو كان في ملكه وحرم لعارض حيض ونحوه ، فليس المراد بالزنا هنا ما أوجب الحد ، ولذا قال ولو مرة بشبهة : أي ولو كان بشبهة كوطء معتدته من بائن وإن ظن حله ، وقوله : ولا بنكاح فاسد ، الأولى ، أو بنكاح فاسد عطفا على قوله بشبهة لأنه من الوطء الحرام ، وقوله : ولا لها ولد إلخ الأولى ولم يكن لها ولد عطفا على قوله لم توطأ لأنه بيان لقوله " وتهمته " فإنها تتهم بالزنا بوجود ولد لها بلا أب أي بلا أب معروف وسيأتي في باب القذف إن شاء الله تعالى أن المراد بعدم معرفته عدمها في بلد القذف لا في كل البلاد ( قوله : وصلحا ) أي كل من الزوجين ( قوله : لأداء الشهادة ) لا لتحملها كما مر فإن الصبي أهل للتحمل لا للأداء ( قوله : فخرج نحو قن إلخ ) أي من كل من لا تصح شهادته ، ومنه ما إذا كان أحدهما محدودا في قذف ، أو كافرا كما مر . وصورة ما إذا كان الزوج كافرا فقط ما في البدائع : أسلمت امرأته ثم قبل عرض الإسلام عليه قذفها بالزنا ا هـ أي لأنه يشهد عليها بالزنا ، ولا شهادة لكافر على مسلم ، وهذا يرد ما في القهستاني من أنه يشترط صلاحية الشهادة حالة اللعان لا حالة القذف ، فإنه يلزم عليه جريانه بين كافرين ورقيقين بعد الإسلام والعتق . والظاهر أنه شرط في الحالتين وسيذكر المصنف أيضا أن العبرة للإحصان حالة القذف ( قوله : ودخل الأعمى إلخ ) تقدم بيانه ( قوله : أو من نفى نسب الولد ) أطلقه فشمل ما إذا صرح معه بالزنا ، أو لا على مختار صاحب الهداية والزيلعي وهو الحق ، خلافا لما في المحيط والمبتغى لأن قطع النسب من كل وجه يستلزم الزنا ، واحتمال كون الولد بوطء شبهة ساقط بالإجماع على أن من قال لست بأبيك يكون قاذفا لأمه حتى يلزمه حد القذف مع وجود هذا الاحتمال ، وتمامه في البحر . [ تنبيه ]

في الذخيرة لا يشرع اللعان بنفي الولد في المجبوب والخصي ومن لا يولد له ولد لأنه لا يلحق به الولد ا هـ وفيه نظر لأن المجبوب ينزل بالسحق ويثبت نسب ولده على ما هو المختار ، كذا في الفتح ويأتي في أول اللعان ما يؤيده ( قوله : منه ) متعلق بنسب ، أو بنفى ، وقوله : أو من غيره بأن نفى نسب ولد زوجته من أبيه ( قوله : وطالبته ) [ ص: 485 ] قيد به لأنها لو لم تطالبه فلا لعان لأنه حقها لدفع العار عنها ، ومراده طلبها إذا كان القذف بصريح الزنا ، أما بنفي الولد فالطلب حقه أيضا لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده عنه بحر ( قوله : أو طالبه الولد المنفي ) هذا سبق قلم ولم أره لغيره ، والصواب أن يقال : أو طالب النافي للولد .

وعبارة الفتح : ويشترط طلبها بخلاف ما إذا كان القذف بنفي الولد فإن الشرط طلبه لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده عنه . وعبارة الزيلعي لا بد من طلبها إلا أن يكون القذف بنفي الولد فإن له أن يطالب لاحتياجه إلخ ، ومثله ما ذكرناه آنفا عن البحر : ولا يخفى أن الضمير في طلبه راجع للقاذف لا للولد ، نعم طلب الولد شرط لوجوب حد القذف إن كان ولد غير القاذف وكانت الأم ميتة وإلا فالشرط طلبها كما سيأتي في بابه ; والكلام في الطلب الذي هو شرط وجوب اللعان ولا يكون بعد موتها ، وهذا ظاهر جلي ثم رأيت الرحمتي أشار إلى بعض ما قلنا ( قوله : أي بموجب القذف ) أشار إلى أن الضمير راجع إلى القذف المفهوم من قوله " قذف " ; لكن على تقدير مضاف وهو " موجب " أو أعاد الضمير عليه بمعنى موجبه على طريق الاستخدام وعليه اقتصر القهستاني ( قوله : وهو الحد ) أي حد القذف - إن أكذب نفسه - أو اللعان - إن أصر - كما يأتي .

( قوله : عند القاضي ) متعلق بطالبته . قال في البحر : ولا بد من كونه : أي الطالب في مجلس القاضي ، كذا في البدائع ( قوله : ولو بعد العفو ) أي لا يسقط بالعفو ، لكن مع العفو لا حد لا لصحة العفو بل لترك الطلب ، حتى لو عاد المقذوف وطلب يحد القاذف ، خلافا لمن فهم من عدم سقوطه بالعفو أن القاضي يقيم الحد عليه مع العفو كما نبه عليه في البحر في باب حد القذف ( قوله : لا يبطل الحق في قذف إلخ ) بخلاف بقية الحدود ، وسيأتي في القضاء - إن شاء الله تعالى - أن السلطان إذا نهى القاضي عن سماع الدعوى بعد مضي خمس عشرة سنة صح ، ولا يصح سماعها منه ، وهذا إذا كان الخصم منكرا ولم يكن الترك بعذر ، وإلا فإنه يصح . ولا يخفى أن النهي عن سماعها لا يسقط الحق بل هو باق في الدنيا والآخرة .

ولذا لو أذن السلطان بسماعها بعد ذلك يثبت الحق فافهم ( قوله : إن أقر بقذفه إلخ ) قيد لقوله " لاعن " ، وهو مقيد أيضا بإصراره وبعجزه عن البينة على زناها ، أو على إقرارها به ، أو على تصديقها له ، وتمامه في البحر ( قوله : أو ثبت قذفه بالبينة ) هي رجلان لا رجل وامرأتان بحر ، وعلله في كافي الحاكم بأنه لا شهادة للنساء في الحدود وهذا منها ا هـ . فما في النهر وتبعه في الدر المنتقى - من قوله ، أو رجل وامرأتان - سبق قلم ( قوله : لم يستحلف ) أي لأنه حد كاف أي والاستحلاف فائدته النكول وهو إقرار معنى لا صريح ففيه شبهة يندرئ الحد بها ( قوله : حبس حتى يلاعن إلخ ) قال ابن كمال : هنا غاية أخرى ينتهي الحبس بها ، وهي أن تبين منه بطلاق ، أو غيره ذكره السرخسي في المبسوط ا هـ وهو مفهوم من قول المصنف سابقا وشرطه قيام الزوجية شرنبلالية ( قوله : فيحد ) فيه دلالة على أنه لا يحد بمجرد امتناعه خلافا لمن شذ من المشايخ نهر ( قوله : لأنه المدعي ) علة للبعدية ( قوله : فلو بدأ ) ضميره يعود للقاضي ، وكذا ضمير فرق ( قوله : أعادت ) ليكون على الترتيب المشروع بحر عن الاختيار ، وظاهره الوجوب ، لكن قال في محل آخر ، وفي الغاية لا تجب الإعادة ، وقد أخطأ السنة ورجحه في الفتح بأنه الوجه ، وهو قول مالك ا هـ ومثلها في الشرنبلالية ( قوله : ولا تحد ) وما في بعض نسخ القدوري [ ص: 486 ] فتحد " غلط ، لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة بحر وزيلعي .

قلت : وقد يجاب بأن مراد القدوري بالتصديق الإقرار بالزنا لا مجرد قولها صدقت ، واكتفى عن ذكر التكرار اعتمادا على ما ذكره في بابه ، ويشير إلى هذا قول الحاكم في الكافي ، وإذا صدقت المرأة زوجها عند الإمام فقالت : صدق ولم تقل : زنيت وأعادت ذلك أربع مرات في مجالس متفرقة لم يلزمها حد الزنا ، ويبطل اللعان ولا يحد من قذفها بعد هذا . ا هـ . ( قوله : ولا ينتفي النسب ) لأنه إنما ينتفي باللعان ولم يوجد ، وبه ظهر أن ما في شرحي الوقاية والنقاية - من أنها إذا صدقته ينتفي - غير صحيح كما نبه عليه في شرح الدرر والغرر بحر وسيأتي أن شروط النفي ستة منها تفريق القاضي بينهما بعد اللعان ( قوله : لعدم وجوبه عليها حينئذ ) أي حين امتنع لأنه لا يجب عليها إلا بعد لعانه ، فقبله ليس امتناعا لحق وجب نهر . وأجاب ط بأنه بعد الترافع منهما صار إمضاء اللعان حق الشرع فإذا لم تعف وأظهرت الامتناع تحبس ، بخلاف ما إذا أبى هو فقط فلا تحبس ا هـ فتأمل . وأجاب الرحمتي بأنه ليس المراد أنهما امتنعا في آن واحد بل المراد امتناعه بعد المطالبة به وامتناعها بعد لعانه فأرجع المسألة إلى ما في المتن ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية