صفحة جزء
[ ص: 502 ] باب العدة : ( هي ) لغة بالكسر الإحصاء ، وبالضم الاستعداد للأمر . وشرعا ترابص يلزم المرأة ، أو الرجل عند وجود سببه . [ ص: 503 ] ومواضع تربصه عشرون مذكورة في الخزانة ، حاصلها يرجع إلى أن من امتنع نكاحها عليه لمانع لزم زواله كنكاح أختها وأربع سواها واصطلاحا ( تربص يلزم المرأة ) أو ولي الصغيرة ( عند زوال النكاح ) فلا عدة لزنا ( أو شبهته ) كنكاح فاسد ومزفوفة لغير زوجها .

[ ص: 504 ] وينبغي زيادة " أو شبهه " ليشمل عدة أم الولد .

( وسبب وجوبها ) عقد ( النكاح المتأكد بالتسليم وما جرى مجراه ) من موت ، أو خلوة أي صحيحة ، فلا عدة بخلوة الرتقاء . وشرطها الفرقة . وركنها حرمات ثابتة بها كحرمة تزوج وخروج ( وصحة الطلاق فيها ) أي في العدة ، وحكمها حرمة نكاح أختها .


باب العدة

لما ترتبت في الوجود على الفرقة بجميع أنواعها أوردها عقيب الكل بحر ( قوله : الإحصاء ) يقال : عددت الشيء عدة أحصيته إحصاء ، وتقال أيضا على المعدود فتح . قلت : وفي الصحاح والقاموس وغيرهما : عدة المرأة أيام أقرائها فهو معنى لغوي أيضا ( قوله : الاستعداد ) أي التهيؤ للأمر ، ويقال لما أعددته لحوادث الدهر من مال وسلاح نهر ومصباح ( قوله : وشرعا تربص إلخ ) أي انتظار انقضاء المدة بالتزوج ، فحقيقته الترك للتزوج والزينة اللازم شرعا في مدة معينة شرعا ، قالوا : وركنها حرمات تثبت عند الفرقة ، وعليه فينبغي أن يقال في التعريف هي لزوم التربص ليصح كون ركنها حرمات ، لأنها لزومات ، وإلا فالتربص فعلها ، والحرمات أحكام الله تعالى فلا تكون نفسه وتمامه في الفتح .

قلت : لكن تقدير اللزوم مع قول الشارح - كالكنز - " يلزم المرأة " ركيك ، وأي مانع من أن يراد بالتربص الامتناع من التزوج والخروج ونحوهما ، ويكون المراد من الحرمات هذه الامتناعات بدليل أن العدة صفة شرعية قائمة بالمرأة فلا بد أن يكون ركنها قائما بالمرأة ، وعليه فلا حاجة إلى ما في الحواشي السعدية من أنه إذا كان ركنها الحرمات يكون التعريف بالتربص تعريفا باللازم . ا هـ . وعرفها في البدائع بأنها أجل تضرب لانقضاء ما بقي من آثار النكاح .

قال : وعند الشافعي هي اسم لفعل التربص الذي هو الكف .

قلت : وهذا الموافق لما مر عن الصحاح وغيره ، وهو الذي حققه في الفتح عند قوله : وإذا وطئت المعتدة بشبهة ، وقال : إن الذي يفيده حقيقة كتاب الله تعالى - وهو قوله : سبحانه - { فعدتهن ثلاثة أشهر } - أنه نفس المدة الخاصة التي تعلقت الحرمات فيها وتقيدت بها ، لا الحرمات الثابتة فيها ولا وجود الكفء ولا التربص . ا هـ . ولا يشكل عليه كون الحرمات ركنا ، لأن له منعه ولذا جعلها بعضهم حكم العدة وهو الأظهر على التعريفين

قال في النهر : وتعريف البدائع شامل لعدة الصغيرة ، بخلاف تعريف المصنف ، وأكثر المشايخ لا يطلقون لفظ الوجوب عليها بل يقولون تعتد ، والوجوب إنما هو على الولي بأن لا يزوجها حتى تنقضي العدة . قال شمس الأئمة : إنها مجرد مضي المدة ، فثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجيه خطاب الشرع عليها .

فإن قلت : كون مسماها المدة لا يستلزم انتفاء خطاب الولي أن لا يزوجها . قلت : إذا كان كذلك فالثابت فيها عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم صحة التزوج لو فعل ا هـ وهو ملخص من الفتح . والحاصل أن الصغير أهل لخطاب الوضع وهذا منه كما خوطب بضمان المتلفات كما مر في البحر ( قوله : أو الرجل إلخ ) قال في الفتح حرمة [ ص: 503 ] تزوجه بأختها لا يكون من العدة بل هو حكم عدتها ولا شك أنه معنى كونه هو أيضا في العدة لأن معنى العدة وجوب الانتظار بالتزوج وهو مضي المدة وهو كذلك في العدة غير أن اسم العدة اصطلاحا خص بتربصها لا بتربصه ا هـ

مطلب عشرون موضعا يعتد فيها الرجل

( قوله : عشرون ) وهي : نكاح أخت امرأته وعمتها وخالتها ، وبنت أخيها ، وبنت أختها ، والخامسة ، وإدخال الأمة على الحرة ، ونكاح أخت الموطوءة في نكاح فاسد ، أو في شبهة عقد ، ونكاح الرابعة كذلك أي إذا كان له ثلاث زوجات ووطئ أخرى بنكاح فاسد ، أو شبهة عقد ليس له تزوج الرابعة حتى تمضي عدة الموطوءة ، ونكاح المعتدة للأجنبي أي بخلاف معتدته ونكاح المطلقة ثلاثا أي قبل التحليل ، ووطء الأمة المشتراة أي قبل الاستبراء ، والحامل من الزنا إذا تزوجها أي قبل الوضع ، والحربية إذا أسلمت في دار الحرب وهاجرت إلينا وكانت حاملا فتزوجها رجل أي قبل الوضع ، والمسبية لا توطأ حتى تحيض ، أو يمضي شهر لو لا تحيض لصغر ، أو كبر ، ونكاح المكاتبة ، ووطؤها لمولاها حتى تعتق ، أو تعجز نفسها ، ونكاح الوثنية والمرتدة والمجوسية لا يجوز حتى تسلم . ا هـ . بحر موضحا .

وقوله : والخامسة يحتمل أن يراد به أن من له أربع يمنع عن نكاح الخامسة حتى يطلق إحدى الأربع ، ويحتمل أن يراد أنه لو طلق إحدى الأربع يمنع عن تزوج خامسة مكانها حتى تمضي عدة المطلقة ، وهكذا يقال في المسائل الخمس التي قبلها ، وكذا في قوله : وإدخال الأمة على الحرة فافهم ( قوله : لمانع ) كحق الغير عقدا أو عدة ، وإدخال الأمة على الحرة ، والزيادة على أربع ، والجمع بين المحارم ، أو لوجوب تحليل ، أو استبراء ( قوله : وأربع سواها ) أي تزوج أربع سوى امرأته بعقد واحد ( قوله : واصطلاحا ) أي في اصطلاح الفقهاء ، وهو أخص من المعنى الشرعي المار ، لما علمت من أن اسم العدة خص بتربصها لا بتربصه ( قوله : أو ولي الصغيرة ) بمعنى أنه يجب عليه أن يربصها أي يجعلها متصفة بصفة المعتدات لأن العدة صفتها لا صفة وليها ، إذ لا يصح أن يقال إذا طلقت ، أو مات زوجها وجب على وليها أن يعتد وقد مر أنهم يقولون تعتد هي ، والوجوب إنما هو على الولي بأن لا يزوجها حتى تنقضي العدة أي مدة العدة تأمل ، والمجنونة كالصغيرة ( قوله : عند زوال النكاح ) أورد عليه أن الرجعي لا يزول فيه النكاح إلا بانقضاء العدة ، فالأولى تعريف البدائع المار ، ويندفع عنه إيراد الصغيرة ، إذ ليس فيه ذكر اللزوم ، وأولى منه قول ابن كمال هي اسم لأجل ضرب لانتفاء ما بقي من آثار النكاح ، أو الفراش لشموله عدة أم الولد ط ( قوله : فلا عدة لزنا ) بل يجوز تزوج المزني بها وإن كانت حاملا ، لكن يمنع عن الوطء حتى تضع وإلا فيندب له الاستبراء ط وسيأتي آخر الباب : لو تزوجت امرأة الغير ودخل بها عالما بذلك لا يحرم على الزوج وطؤها لأنه زنا ( قوله : أو شبهته ) عطف على " زوال " لا على " النكاح " لأنه لو عطف عليه لاقتضى أنها لا تجب إلا عند زوال الشبهة وليس كذلك ، كذا في البحر ، ومراده الرد على الفتح حيث صرح بعطفه على النكاح .

قلت : أي لأن الشبهة التي هي صفة الوطء السابق لا تزول عنه ، إذ لو زالت لوجب به الحد ، نعم إذا أريد زوال منشئها صح عطف " أو شبهته " على النكاح لما سيأتي من أن مبدأ العدة في النكاح الفاسد بعد التفريق من القاضي [ ص: 504 ] بينهما ، أو المتاركة ، وبذلك يزول منشؤها الذي هو النكاح الفاسد ، وفي الوطء بشبهة عند انتهاء الوطء واتضاح الحال فافهم ( قوله : زيادة " أو شبهه " ) أي بكسر الشين وسكون الباء ، أو بفتحهما وكسر الهاءين ، ثانيتهما ضمير النكاح والشبه المثل ( قوله : ليشمل عدة أم الولد ) لأن لها فراشا كالحرة وإن كان أضعف من فراشها ، وقد زال بالعتق بحر ( قوله : عقد النكاح ) أي ولو فاسدا بحر ( قوله : بالتسليم ) أي بالوطء ( قوله : وما جرى مجراه ) عطف على التسليم والضمير يعود إليه ، والأولى العطف بأو لأن التأكد يكون بأحدهما ، وهذا خاص بالنكاح الصحيح أما الفاسد فلا تجب فيه العدة إلا بالوطء كما مر في باب المهر ، ويأتي .

قلت : ومما جرى مجراه ما لو استدخلت منيه في فرجها كما بحثه في البحر وسيأتي في الفروع آخر الباب ( قوله : أي صحيحة ) فيه نظر ، فإن الذي تقدم في باب المهر أن المذهب وجوب العدة للخلوة صحيحة أو فاسدة .

وقال القدوري : إن كان الفساد لمانع شرعي كالصوم وجبت ، وإن كان لمانع حسي كالرتق لا تجب ; فكلام الشارح لم يوافق واحدا من القولين ا هـ ح .

قلت : يمكن حمله على الثاني بجعل المانع الشرعي كالعدم غير مفسد لها فهي صحيحة معه ، وإنما المفسد المانع الحسي ، ويدل عليه قوله : فلا عدة بخلوة الرتقاء ( قوله : وشرطها الفرقة ) أي زوال النكاح ، أو شبهته كما في الفتح .

قال : فالإضافة في قولنا عدة الطلاق إلى الشرط ( قوله : وركنها حرمات ) أي لزومات كما مر عن الفتح لا نفس التحريم : أي أشياء لازمة للمرأة يحرم عليها تعديها ، وقوله : ثابتة بها على تقدير مضاف أي بسببها عند وجود شرطها ، وإلا لزم ثبوت الشيء بنفسه لأن ركن الشيء ماهيته تأمل ( قوله : كحرمة تزوج ) أي تزوجها غيره فإنها حرمة عليها ، بخلاف تزوجه أختها ، أو أربعا سواها فإنه حرمة عليه فلا يكون من العدة بل هو حكمها كما أفاده في الفتح ( قوله : وخروج ) أي حرمة خروجها من منزل طلقت فيه وسيأتي في الحرمات في فصل الحداد ( قوله : وصحة الطلاق فيها ) لا وجه لجعله ركنا من العدة بل هو من أحكامها كما مشى عليه في الدرر ، على أنه لا يتحقق في عدة البائن بعد البائن ولا في عدة الثلاث ، فذكره هنا سبق قلم ، والظاهر أنه أراد أن يقول وحكمها حرمات إلخ فسبق قلمه إلى قوله وركنها ، ويدل عليه تعبيره بقوله ثابتة بها فإنه يناسب الحكم لا الركن ، وجعل هذه الحرمات أحكاما تبعا لصاحب الدرر وغيره أظهر من جعلها أركانا كما مر فتدبر ( قوله : وحكمها حرمة نكاح أختها ) أي من حكمها ، والمراد بالأخت ما يشمل كل ذات رحم محرم منها ، وكثير من المسائل التي يتربص فيها الرجل من حكم العدة ومنه صحة الطلاق فيها كما علمت .

التالي السابق


الخدمات العلمية