صفحة جزء
باب النفقة هي لغة : ما ينفقه الإنسان على عياله . [ ص: 572 ] وشرعا : ( هي الطعام والكسوة والسكنى ) وعرفا هي : الطعام ( ونفقة الغير تجب على الغير بأسباب ثلاثة : زوجية ، وقرابة ، وملك ) بدأ بالأول لمناسبة ما مر أو ; لأنها أصل الولد ( فتجب للزوجة ) بنكاح صحيح ، فلو بان فساده أو بطلانه رجع بما أخذته من النفقة بحر ( على زوجها ) ; لأنها جزاء الاحتباس ، وكل محبوس لمنفعة غيره يلزمه نفقته [ ص: 573 ] كمفت وقاض ووصي زيلعي ، وعامل ومقاتلة قاموا بدفع العدو ومضارب سافر بمال مضاربه ، ولا يرد الرهن لحبسه لمنفعتهما .


باب النفقة

( قوله هي لغة إلخ ) النفقة مشتقة من النفوق : وهو الهلاك ، نفقت الدابة نفوقا : هلكت ، أو من النفاق وهو الرواج ، نفقت السلعة نفاقا : راجت ، ذكر الزمخشري أن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج [ ص: 572 ] والذهاب مثل نفق ونفر ونفخ ونفس ونفى ونفد . وفي الشرع : الإدرار على شيء بما فيه بقاؤه ، كذا في الفتح . قلت : ولا يخفى أن ما ذكره بيان لأصل مادتها ومأخذ اشتقاقها ووجه تسميتها فإن بها هلاك المال ورواج الحال ، فلا ينافي قولهم أيضا إنها في اللغة ما ينفقه الإنسان على عياله ونحوهم ، فإنه بيان لحقيقة مدلولها وأنها اسم عين لا حدث .

مطلب : اللفظ جامد ومشتق وعن هذا قالوا : إن اللفظ قسمان : جامد وهو ما لم يوافق مصدرا بحروفه الأصول ومعناه كرجل وأسد ، ومشتق وهو خلافه . وهو قسمان : مطرد وغيره . فالأول كاسم الفاعل والمفعول وبقية المشتقات السبعة ، فضارب مثلا يطرد إطلاقه على كل من اتصف بمعنى المشتق هو منه . والثاني ما كان معنى المشتق منه مرجحا للتسمية غير داخل فيها كقارورة حتى لا يطرد في كل ما وجد فيه ذلك المعنى ، فلا يصح إطلاق قارورة على نحو البئر وإن وجد فيه قرار الماء فالنفقة من هذا القبيل لا من المطرد ولا من الجامد غير المشتق ، وبهذا التقرير اندفع ما أورده في البحر فافهم . ( قوله وشرعا هي الطعام إلخ ) كذا فسرها محمد بالثلاثة لما سأله هشام عنها كما في البحر عن الخلاصة ( قوله وعرفا ) أي في العرف الطارئ في لسان أهل الشرع هي الطعام فقط ، ولذا يعطفون عليه الكسوة والسكنى والعطف يقتضي المغايرة رحمتي ، وعبارة المتون كالكنز والملتقى وغيرهما على هذا ( قوله وملك ) شامل لنفقة المملوك من بني آدم والحيوانات والعقار كما في الدر المنتقى ، لكن في الأخير لا يجبر قضاء ، وفي الثاني خلاف كما سيأتي آخر الباب ( قوله لمناسبة ما مر ) أي من النكاح والطلاق والعدة بحر ( قوله أو ; لأنها أصل الولد ) أي ; لأن القرابة لا تكون إلا بالتوالد ، والولد الذي تكون ابنا أو أبا أو أخا أو عما لا يحصل إلا بالزوجية فقدم الكلام عليها لتقدمها فافهم .

( قوله بنكاح صحيح ) فلا نفقة على مسلم في نكاح فاسد لانعدام سبب الوجوب وهو حق الحبس الثابت للزوج عليها بالنكاح وكذا في عدته ; لأن حق الحبس وإن ثبت لكنه لم يثبت بالنكاح بل لتحصين الماء ، ولأن حال العدة لا يكون أقوى من حال النكاح بدائع ( قوله فلو بان فساده أو بطلانه إلخ ) لم يذكر في البحر البطلان ، وقدمنا في العدة عن الفتح وغيره عدم الفرق بين الفاسد والباطل في النكاح ، بخلاف البيع .

وفي الهندية عن الذخيرة : ولو كان النكاح صحيحا من حيث الظاهر ففرض لها القاضي النفقة وأخذتها شهرا ثم ظهر فساد النكاح بأن شهدوا أنها أخته رضاعا وفرق بينهما رجع عليها بما أخذت ; ولو أنفق بلا فرض القاضي لم يرجع بشيء . ا هـ ونحوه في الفتح . وفي الهندية أيضا عن الخلاصة : وأجمعوا أن في النكاح بلا شهود تستحق النفقة . ا هـ قال ط : ونظر فيه الحموي بأنه من أفراد الفاسد . ا هـ . قلت : ومثله في النهر . والظاهر أن الصواب لا تستحق بلا النافية إذ لا احتباس فيه ( قوله على زوجها ) أي ولو عبدا حتى يباع في نفقتها ( قوله وكل محبوس إلخ ) هذه كبرى قياس من الشكل الأول طويت صغراه للعلم بها من التعليل السابق ، والتقدير : الزوجة محبوسة لمنفعة الزوج إلخ ، وينتج [ ص: 573 ] لزوم نفقتها عليه فافهم .

( قوله كمفت وقاض ) أي ووال ، فلهم قدر ما يكفيهم ويكفي من تلزمهم نفقتهم من بيت المال لاحتباسهم في مصلحة المسلمين رحمتي ( قوله ووصي ) فله الأقل من نفقته وأجر عمله في مال الميت . رحمتي وظاهره ولو غنيا أو وصي الميت وفيه كلام سيأتي - إن شاء الله تعالى - في بابه آخر الكتاب ( قوله زيلعي ) يوهم أن الزيلعي ذكر هذه الثلاثة فقط مع أنه ذكر الستة وزاد عليهم الوالي ح ( قوله وعامل ) أي في الصدقات زيلعي ( قوله قاموا بدفع العدو ) أي نصبوا أنفسهم لذلك وترقبوا غرته فتجب النفقة لهم ولذريتهم ( قوله ومضارب ) فنفقته في مال المضاربة ما دام مسافرا لاحتباسه لها ، فلو كان مضاربا بالرجلين أو أكثر فنفقته على حسب المال رحمتي ( قوله ولا يرد الرهن ) قال في البحر . واعترض بأن الرهن محبوس لحق المرتهن وهو الاستيفاء ، ولذا كان أحق به من سائر الغرماء مع أن نفقته على الراهن . وأجيب بأنه محبوس بحق الراهن أيضا ، وهو وفاء دينه عنه عند الهلاك مع كونه ملكا له . ا هـ فقوله مع كونه ملكا له ترجيح لجانب الراهن في وجوب النفقة عليه وحده مع كونه محبوسا لحقهما والشارح أخل به ح . قلت : لا إخلال بتركه ، فإن المحقق ابن الهمام لم يذكره ; لأن منفعة الحبس إذا كانت غير مختصة بالغير لا تجب النفقة على الغير ، فهو كالأجير إذا عمل في المشترك لا يستحق أجرا ; لأنه عامل لنفسه من وجه فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية