صفحة جزء
[ ص: 682 ] باب التدبير ( هو ) لغة الإعتاق عن دبر ، وهو ما بعد الموت : وشرعا ( تعليق العتق بمطلق موته ) ولو معنى كإن مت إلى مائة سنة ، وخرج بقيد الإطلاق التدبير المقيد كما سيجيء ; وبموته تعليقه بموت غيره فإنه ليس بتدبير أصلا بل تعليق بشرط ( كإذا ) أو متى أو إن ( مت ) أو هلكت أو حدث بي حادث ( فأنت حر ) أو عتيق أو معتق ( أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو دبرتك ) زاد بعد موتي أو لا ( أو أنت حر يوم أموت ) أريد به مطلق الوقت لقرانه بما لا يمتد ، فإن نوى النهار صح وكان مقيدا ( أو إن مت إلى مائة سنة ) مثلا ( وغلب موته قبلها ) هو المختار [ ص: 683 ] لأنه كالكائن لا محالة ، وأفاد بالكاف عدم الحصر ، حتى لو أوصى لعبده بسهم من ماله عتق بموته . ولو بجزء لا ، والفرق لا يخفى ، وذكرناه في شرح الملتقى .


[ ص: 682 ] باب التدبير

شروع في العتق الواقع بعد الموت بعد الفراغ من الواقع في الحياة ، وقدمه على الاستيلاد لشموله الذكر أيضا وركنه اللفظ الدال على معناه . وشرائطه نوعان : عام وخاص . فالعام ما مر في شرائط العتق كونه من الأهل في المحل منجزا أو معلقا أو مضافا إلى الوقت أو إلى الملك أو سببه . والخاص تعليقه بمطلق موت المولى لا بموت غيره كما يأتي . وصفته التجزؤ عنده خلافا لهما ، فلو دبره أحدهما اقتصر على نصيبه وللآخر عند يسار شريكه ست خيارات الخمسة المارة والترك على حاله وسيأتي بيان أحكامه ، من عدم جواز إخراجه عن الملك ، ومن عتقه من الثلث بعد موت المولى إلخ بحر .

( قوله هو لغة إلخ ) يشمل تعليقه بموته مقيدا وبموت غيره ، فهو أعم من المعنى الشرعي ، وفيه بيان وجه التسمية ، فإن الدبر كما في المصباح بضمتين ويخفف : خلاف القبل من كل شيء ، ومنه يقال لآخر الأمر دبر ، وأصله ما أدبر عنه الإنسان ومنه دبر عبده وأعتقه عن دبر : أي بعد دبر . وفي ضياء الحلوم : التدبير العتق بعد الموت . وتدبير الأمر النظر فيه إلى ما تصير إليه العاقبة . وقصر في الدرر تفسيره لغة على هذا الأخير وقال كأن المولى نظر إلى عاقبة أمره فأخرج عبده إلى الحرية بعده . ثم قال : إنه شرعا يستعمل في المطلق والمقيد اشتراكا معنويا وهو تعليق العتق بالموت : أي موت المولى أو غيره ، فما مر من المعنى اللغوي جعله المعنى الشرعي .

ورد بأنه خلاف ظاهر كلام عامة أئمتنا حيث قصروه شرعا على المدبر المطلق كما بسطه في الشرنبلالية ، ولذا خالفه المصنف والشارح مع كثرة متابعتهما له ( قوله ولو معنى ) قال في النهر : وقولنا لفظا أو معنى يصح أن يكونا حالين من التعليق ، والتعليق معنى الوصية برقبته أو بنفسه أو بثلث ماله لأمته وأن يكونا حالين من مطلق ، والمطلق معنى كإن مت إلى مائة سنة فأنت حر فإنه مطلق في المختار . ا هـ . وتمثيل الشارح للثاني فقط يوهم قصره عليه ( قوله وخرج إلخ ) فيه رد على الدرر كما مر ، ومن التدبير المقيد تعليقه بموته وموت فلان كما سيأتي ، وكذا أنت حر قبل موتي بشهر وسيأتي تمامه .

( قوله أصلا ) أي لا مطلقا ولا مقيدا ، خلافا لما يذكره المصنف ( قوله أو حدث بي حادث ) ; لأنه تعورف الحدث والحادث في الموت بحر ( قوله زاد بعد موتي أو لا ) أي يصير مدبرا الساعة ; لأن التدبير بعد الموت لا يتصور ، فيلغو قوله بعد موتي ، أو يجعل قوله أنت مدبر بمعنى أنت حر كما في البحر عن المحيط ( قوله أو أنت حر يوم أموت ) لا فرق في العتق المضاف إلى الموت بين أن يكون معلقا بشرط آخر أو لا ، فلو قال : إن كلمت فلانا فأنت حر بعد موتي فكلمه صار مدبرا ; لأنه بعد الكلام صار التدبير مطلقا وكذا لو قال أنت حر بعد كلامك فلانا وبعد موتي فكلمه فلان كان مدبرا كذا في البدائع ، ولا فرق في التدبير بين كونه منجزا أو مضافا كأنت مدبر غدا أو رأس شهر كذا فإذا جاء الوقت صار مدبرا بحر ( قوله صح إلخ ) ; لأنه نوى حقيقة كلامه وكان مدبرا مقيدا ; لأنه علق عتقه بما ليس بكائن لا محالة وهو موته بالنهار بحر عن المبسوط ( قوله وغلب موته قبلها ) بأن كان كبير السن ( قوله هو المختار ) [ ص: 683 ] كذا في الزيلعي ، لكن ذكر قاضي خان ، أنه على قول أصحابنا مدبر مقيد . وهكذا في الينابيع وجوامع الفقه . واعترض في الفتح على صاحب الهداية بأنه كالمناقض ; لأنه اعتبره في النكاح توقيتا وأبطل به النكاح ، وهنا جعله تأبيدا . وأجاب في البحر بأنه اعتبر في النكاح توقيتا للنهي عن النكاح المؤقت فالاحتياط في منعه تقديما للمحرم ; لأنه موقت صورة ، وهنا نظر إلى التأبيد المعنوي ; لأن الأصلي اعتبار المعنى بلا مانع فلذا كان المختار وإن جزم الولوالجي بأنه غير مدبر ، مطلق تسوية بينه وبين النكاح .

مطلب في الوصية للعبد ( قوله وأفاد بالكاف ) أي في قوله كإذا مت عدم الحصر ، لما في الفتح أن كل ما أفاد إثبات العتق عن دبر فهو صريح . وهو ثلاثة أقسام .

الأول ما يكون بلفظ إضافة كدبرتك ، ومنه حررتك أو أعتقتك أو أنت حر أو عتيق بعد موتي . الثاني ما يكون بلفظ التعليق كإن مت إلخ ، وكذا أنت حر مع موتي أو في موتي بناء على أن مع وفي تستعار لمعنى حرف الشرط . الثالث ما يكون بلفظ الوصية كأوصيت لك برقبتك أو بنفسك أو بعتقك وكذا أوصيت لك بثلث مالي ، فتدخل رقبته ; لأنها من ماله فيعتق ثلث رقبته . ا هـ ملخصا ( قوله وذكرناه في شرح الملتقى ) عبارته : وعن الثاني أوصى لعبده بسهم من ماله يعتق بعد موته ، ولو بجزء : لا ، إذ الجزء عبارة عن الشيء المبهم والتعيين فيه للورثة : أي فلم تكن الرقبة داخلة تحت الوصية ، بخلاف السهم فإنه السدس ، فكان سدس رقبته داخلا في الوصية . ا هـ ومثله في البحر عن المحيط . ثم قال : وما عن أبي يوسف هنا جزم به في الاختيار . ا هـ . قلت : ومقتضى قوله يعتق بعد موته أنه يعتق كله ، وهو خلاف ما مر آنفا عن الفتح في أوصيت لك بثلث مالي أنه يعتق ثلث رقبته إذ لا فرق بين الوصية بالثلث أو بالسدس الذي هو معنى السهم ، ولعل ما هنا مبني على قول الصاحبين بعدم تجزؤ التدبير كالإعتاق ، فحيث دخل سدسه في الوصية عتق كله . وما في الفتح مبني على قول الإمام فتأمل . ثم رأيت في وصايا خزانة الأكمل : أوصى لعبده بدراهم مسماة أو بشيء من الأشياء لم يجز . ولو أوصى له ببعض رقبته عتق ذلك القدر ويسعى في الباقي عند أبي حنيفة . ولو وهب له رقبته أو تصدق عليه بها عتق من ثلثه . ولو أوصى له بثلث ماله صح وعتق ثلثه ، فإن بقي من الثلث أكمل له ، وإن كان في قيمته فضل على الثلث سعى للورثة . ا هـ . وقوله عند أبي حنيفة يشير إلى أنه عندهما يعتق كله بلا سعاية ، وقوله فإن بقي من الثلث إلخ معناه - والله أعلم - أنه بحكم الوصية استحق ثلث جميع المال ومنه ثلث رقبته ، فإن كانت رقبته جميع المال سعى للورثة في ثلثي رقبته ; وإن كان المال أكثر فإن زاد له على ثلثي رقبته شيء أكمل له ليستوفي ثلث جميع المال ، وإن كان ثلثا رقبته أقل من ثلث باقي المال سعى للورثة فيما زاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية