صفحة جزء
[ ص: 264 ] فلم يجز على متخذ من زجاج وخشب أو حديد ( وهو جائز ) فالغسل أفضل إلا لتهمة فهو أفضل ، بل ينبغي وجوبه على من ليس معه إلا ما يكفيه ، أو خاف فوت وقت أو وقوف عرفة بحر . وفي القهستاني أنه رخصة مسقطة للعزيمة ، ولهذا لو صب الماء في خفه بنية الغسل ينبغي أن يصير آثما


( قوله فلم يجز إلخ ) وكذا لو لف على رجله خرقة ضعيفة لم يجز المسح ; لأنه لا تنقطع به مسافة السفر . ا هـ سراج عن الإيضاح ( قوله فالغسل أفضل ) وجه التفريع أنه لو كان المسح أفضل لكان المناسب أن يقول وهو مستحب ، فعدوله إلى قوله هو جائز يفيد أن الغسل أفضل منه ; لأنه أشق على البدن ( قوله إلا لتهمة ) أي لنفيها عنه ; لأن الروافض والخوارج لا يرونه ، وإنما يرون المسح على الرجل ، فإذا مسح الخف انتفت التهمة ، بخلاف ما إذا غسل فإن الروافض قد يغسلون تقية ويجعلون الغسل قائما مقام المسح فيشتبه الحال في الغسل فيتهم أفاده ح .

ثم إن ما ذكره الشارح نقله القهستاني عن الكرماني ، ثم قال : لكن في المضمرات وغيره أن الغسل أفضل ، وهو الصحيح كما في الزاهدي . ا هـ .

وفي البحر عن التوشيح ، وهذا مذهبنا ، وبه قال الشافعي ومالك : وقال الرستغفني من أصحابنا : المسح أفضل ، وهو أصح الروايتين عن أحمد ، إما لنفي التهمة ، أو للعمل بقراءة الجر ، وتمامه فيه ( قوله بل ينبغي إلخ ) أصل البحث لصاحب البحر ، فإنه نقل ذلك عن كتب الشافعية ، ثم قال : وقواعدنا لا تأباه ( قوله إلا ما يكفيه ) أي يكفي المسح فقط ، بأن كان لو غسل به رجليه لا يكفيه للوضوء ، ولو توضأ به ومسح كفاه ( قوله أو خاف ) عطف على صلة من ( قوله أو وقوف ) أي إنه إذا غسل رجليه يدرك الصلاة ، لكن يخاف فوت الوقوف بعرفة ، وإذا مسح يدركها جميعا يجب المسح ، بل لو كان بحيث لو صلى فاته الوقوف قدم الوقوف للمشقة كما في النهر ، لكنه أحد قولين حكاهما العمادي في مناسكه ( قوله رخصة ) هي ما بني على أعذار العباد ، ويقابلها العزيمة ، وهي ما كان أصلها غير مبني على أعذار العباد ، وهو الأصح في تعريفهما بحر ( قوله مسقطة للعزيمة ) أي مسقطة لمشروعيتها ، فلا تبقى العزيمة مشروعة فإذا أراد تحصين العزيمة مع بقاء سبب الرخصة يأثم ، لكنه قد لا يتأتى له تحصيلها ، كما إذا نوى الظهر أربعا في السفر فإنه لا يتأتى له جعل الأربعة فرضا ، بل الفرض الأوليان إذا قعد القعدة الأولى ، وإثمه حينئذ لبناء النفل على الفرض ، وقد يتأتى له تحصيلها كغسل الرجلين ما دام متخففا أفاده ح عن شيخه السيد . ثم قال : واحترز بقوله مسقطة عن رخصة الترفيه ، فإن العزيمة تبقى فيها مشروعة مع بقاء سبب الرخصة كالصوم في السفر ( قوله ينبغي أن يصير آثما ) أي لما علمت من أن العزيمة لم تبق مشروعة ما دام متخففا ، بخلاف ما إذا نزع وغسل لزوال سبب الرخصة [ ص: 265 ]

هذا وقد بحث العلامة الزيلعي في جعلهم المسح رخصة إسقاط بأن المنصوص عليه في عامة الكتب أنه لو خاض ماء بخفه فانغسل أكثر قدميه بطل المسح ; وكذا لو تكلف غسلهما من غير نزع أجزأه عن الغسل حتى لا يبطل بمضي المدة ، قال فعلم أن العزيمة مشروعة مع الخف . ا هـ .

ودفعه في البدائع بمنع صحة هذا الفرع ، لاتفاقهم على أن الخف اعتبر شرعا مانعا سراية الحدث إلى القدم فتبقى القدم عن طهارتها ويحل الحدث بالخف فيزال بالمسح ، فيكون غسل الرجل في الخف وعدمه سواء في أنه لم يزل به الحدث ; لأنه في غير محله .

واعترض أيضا في الدرر على الزيلعي مع تسليم صحة الفرع المذكور بما أشار إليه الشارح من أن المشروعية في قولهم : إن المسح رخصة مسقطة لمشروعية العزيمة ، ليس المراد بها الصحة كما فهمه الزيلعي فاعترضهم بالفرع المذكور ، وإنما المراد بها الجواز المترتب عليه الثواب فالمتخفف ما دام متخففا لا يجوز له الغسل ، حتى إذا تكلف وغسل بلا نزع أثم ، وإن أجزأه عن الغسل ، وإذا نزع وزال الترخص صار الغسل مشروعا يثاب عليه ، وقد انتصر البرهان الحلبي في شرحه على المنية للإمام الزيلعي . وأجاب عما في البدائع والدرر ، وبينا ما في كلامه من النظر فيما علقناه على البحر .

والحاصل أن ما ذكره الزيلعي من الفرع المذكور تبعا لعامة الكتب مسلم بل صححه غير واحد كما سيذكره الشارح في النواقص ، وما ذكره في البدائع من منع صحته موافق لما نقله الزاهدي وغيره ، واستظهره في السراج ; ومشى عليه المصنف فيما سيأتي ، ويأتي الكلام عليه فافهم

التالي السابق


الخدمات العلمية