صفحة جزء
( إمكان تصور البر [ ص: 787 ] في المستقبل شرط انعقاد اليمين ) ولو بطلاق ( وبقائها ) إذ لا بد من تصور الأصل لتنعقد في حق الخلف وهو الكفارة ثم فرع عليه ( ففي ) حلفه ( لأشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه أو كان فيه ) ماء ( وصب ) ولو بفعله أو بنفسه ( في يومه ) قبل الليل ( أو أطلق ) يمينه عن الوقت ( ولا ماء فيه لا يحنث ) سواء علم وقت الحلف أن فيه ماء أو لا في الأصح [ ص: 788 ] لعدم إمكان البر ( وإن ) أطلق و ( كان ) فيه ماء ( فصب حنث ) لوجوب البر في المطلقة كما فرغ وقد فات بصبه ، أما الموقتة ففي آخر الوقت ، وهذا الأصل فروعه كثيرة .

.
مطلب تصور البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين وبقائها

( قوله إمكان تصور البر ) قال في المنح كل ما وقع في هذه المسائل من لفظ تصور فمعناه ممكن وليس معناه متعقل ا هـ فالصواب حينئذ إسقاط تصور كما هو في بعض النسخ ط :

قلت : لكن عبر في البحر وعليه فالمراد بتصوره كونه ذا صورة أي كونه موجودا فالمراد إمكان وجوده [ ص: 787 ] في المستقبل أي إمكانه عقلا وإن استحال عادة احترازا عما لا يمكن عقلا ولا عادة كما في المثال الآتي فهذا لا تنعقد فيه اليمين ولا تبقى منعقدة بخلاف ما أمكن وجوده عقلا وعادة أو عقلا فقط مع استحالته عادة كما في مسألة صعود السماء وقلب الحجر ذهبا فإنها تنعقد كما سيأتي ( قوله في المستقبل ) قيد لبيان الواقع لأن المنعقدة لا تتأتى في غيره ( قوله شرط انعقاد اليمين ) أي المطلقة أو المقيدة بوقت ( قوله ولو بطلاق ) تعميم لليمين أي لا فرق بين اليمين بالله تعالى أو بطلاق ( قوله وبقائها ) أي شرط بقاء اليمين منعقدة ، وهذا في اليمين المقيدة فقط فإذا قال : والله لأوفينك حقك غدا فمات أحدهما قبل الغد بطلت اليمين ، بخلاف المطلقة حيث لا يشترط لها تصور البر في البقاء باتفاق كما يأتي في قوله وإن أطلق وكان فيه ماء فصب حنث ( قوله إذ لا بد من تصور الأصل إلخ ) بيانه أن اليمين إنما تنعقد لتحقيق البر فإن من أخبر بخير أو وعد بوعد يؤكده باليمين لتحقيق الصدق ، فكان المقصود هو البر ثم تجب الكفارة خلفا عنه . لرفع حكم الحنث ، وهو الإثم ليصير بالتكفير كالبار ، فإذا لم يكن البر متصورا لا تنعقد فلا تجب الكفارة خلفا عنه لأن الكفارة حكم اليمين ، وحكم الشيء إنما يثبت بعد انعقاده كسائر العقود وتمامه في شرح الجامع الكبير . ثم اعلم أن هذا الأصل وما فرع عليه قولهما ، وقال أبو يوسف : لا يشترط تصور البر .

مطلب حلف لا يشرب ماء هذا الكوز ولا ماء فيه أو كان فيه ماء فصب

( قوله ففي حلفه إلخ ) في محل مفعول فرع .

وحاصل المسألة أربعة أوجه : لأن اليمين إما مقيدة ، أو مطلقة ، وكل منهما على وجهين : إما أن لا يكون فيه ماء أصلا أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب ، ففي المقيدة لا يحنث في الوجهين لعدم انعقادها في الوجه الأول ولبطلانها عند الصب في الثاني وفي المطلقة لا يحنث أيضا في الوجه الأول لعدم الانعقاد ويحنث في الثاني ( قوله اليوم ) أي مثلا إذ المراد كل وقت معين من يوم أو جمعة أو شهر ( قوله أو بنفسه ) أي أو انصب بنفسه بلا فعل أحد ( قوله قبل الليل ) أشار إلى أن المراد باليوم بياض النهار فلا يدخل فيه الليل ( قوله أو لا ) صادق بما إذا علم عدم الماء فيه أو لم يعلم شيئا وقصره الإسبيجابي على الثاني لأنه إذا علم تقع يمينه على ما يخلقه الله تعالى فيه ، وقد تحقق العدم فيحنث وصحح الزيلعي الإطلاق ، وبه جزم في الفتح فقوله في الأصح قيد للتعميم في قوله أو لا لكن فصل المصنف في قوله الآتي ليقتلن فلانا بين علمه بموته فيحنث ، وبين عدمه فلا ومثله في الكنى فيحمل ما هنا على التفصيل الآتي فيقيد عدم حنثه بما إذا لم يعلم لكن فرق الزيلعي هناك بأن حنثه إذا علم تكون يمينه عقدت على حياة ستحدث وهو متصور أما هنا فلأن ما يحدث في الكوز غير المحلوف عليه ا هـ أي لأن المحلوف عليه ماء مظروف في الكوز وقت الحلف دون الحادث بعد .

قلت : وفيه نظر فإنه إذا علم بأنه لا ماء فيه يراد ماء مظروف فيه بعد الحلف أي ماء سيحدث مثل لأقتلن زيدا فإن الفعل إزهاق الروح فإذا علم بموته يراد روح ستحدث لكن سيأتي أن ذات الشخص لم تتغير بخلاف الماء فليتأمل .

[ ص: 788 ] تنبيه ]

قال ط : هل يأثم إذا علم أنه لا ماء فيه ؟ قياس ما مر عن التمرتاشي في ليصعدن السماء الإثم . ا هـ .

قلت : وقد مر أن الغموس تكون على المستقبل فهذا منها ( قوله لعدم إمكان البر ) اعترض بأن البر متصور في صورة الإراقة لأن الإعادة ممكنة ، وأجيب بأن البر إنما يجب في هذه الصورة في آخر جزء من أجزاء اليوم بحيث لا يسع فيه غيره فلا يمكن إعادة الماء في الكوز وشربه في ذلك الزمان . ا هـ . ح عن العناية ( قوله لوجوب البر في المطلقة كما فرع ) قال في الفتح : لقائل أن يقول وجوبه في الحال إن كان بمعنى تعينه حتى يحنث في ثاني الحال ، فلا شك أنه ليس كذلك ، وإن كان بمعنى الوجوب الموسع إلى الموت ، فيحنث في آخر جزء من الحياة فالموقتة كذلك لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من الوقت الذي ذكره فذلك الجزء بمنزلة آخر جزء من الحياة فلأي معنى تبطل اليمين عند آخر جزء من الوقت في الموقتة ، ولم تبطل عند آخر جزء من الحياة في المطلقة . ا هـ .

وأجاب في النهر بما حاصله : أن الحالف في الموقتة لم يلزم نفسه بالفعل إلا في آخر الوقت بخلاف المطلقة لأنه لا فائدة في التأخير .

قلت : أنت خبير بأنه غير دافع مع استلزامه وجوب البر في المطلقة على فور الحلف ، وإلا فلا فرق فافهم ، ويظهر لي الجواب بأن المقيدة لما كان لها غاية معلومة لم يتعين الفعل إلا في آخر وقتها فإذا فات المحل فقد فات قبل الوجوب ، فتبطل ولا يحنث لعدم إمكان البر وقت تعينه أما المطلقة فغايتها آخر جزء من الحياة وذلك الوقت لا يمكن البر فيه ، ولا خلفه وهو الكفارة ففي تأخير الوجوب إليه إضرار بالحالف لأنه إذا حنث في آخر الحياة لا يمكنه التكفير ولا الوصية بالكفارة ، فيبقى في الإثم فتعين الوجوب قبله ولا ترجيح لوقت دون آخر ، فلزم الوجوب عقب الحلف موسعا بشرط عدم الفوات ، فإذا فات المحل ظهر أن الوجوب كان مضيقا من أول أوقات الإمكان ونظيره ما قرروه في القول بوجوب الحج موسعا ، فقد ظهر المعنى الذي لأجله اعتبر آخر الوقت في الموقتة ولم يعتبر آخر الحياة في المطلقة هذا ما وصل إليه فهمي القاصر فتدبره .

( قوله وهذا الأصل ) وهو إمكان البر في المستقبل

التالي السابق


الخدمات العلمية