صفحة جزء
[ ص: 849 ] لا يدخل فلان داره فيمينه على النهي إن لم يملك منعه وإلا فعلى النهي والمنع جميعا .


مطلب حلف لا يدخل فلان داره

( قوله لا يدخل فلان داره إلخ ) نقله في النهر عن منية المفتي وهذا رأيته فيها لكن بلفظ الدار معرفة ، وهذا محمول على ما إذا كان فلان ظالما لا يمكن الحالف أن يمنعه كما يعلم مما ذكره الشرنبلالي في رسالة عن الخانية والخلاصة وغيرهما ، حلف لا يدع فلانا يدخل هذه الدار ، فلو الدار ملك الحالف فشرط البر منعه بالقول والفعل بقدر ما يطيق ، فلو منعه بالقول دون الفعل حنث ، وإن لم تكن له فمنعه بالقول دون الفعل لا يحنث بالدخول . وفي القنية عن الوبري : حلف ليخرجن ساكن داره اليوم ، والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان . ا هـ .

قال : وهذا يفيد أن ما مر من حنث المالك بالمنع بالقول فقط مقيد بما إذا قدر على منعه بالفعل وإلا فيكفيه القول ، ويفيده قول الخانية بقدر ما يطيق .

هذا حاصل ما ذكره في الرسالة ، وقد لخصها السيد أبو السعود تلخيصا مخلا ، ونقله عنه ط في الباب السابق وأنه أفتى بناء على ما فهمه فيمن حلف على أخته أن لا تتكلم بأنها لو تكلمت [ ص: 850 ] بعد ما نهاها عن الكلام لا يحنث لأنه لا يملك منعها وقاس على ذلك أيضا أنه لو كانت اليمين على الإثبات مثل لتفعلن يكفي أمره بالفعل .

مطلب في الفرق بين لا يدعه يدخل وبين لا يدخل

قلت : وهذا خطأ فاحش للفرق البين بين قولنا لا أدعه يفعل وبين لا يفعل يوضح ذلك ما قدمناه في التعليق عن الولوالجية رجل قال : إن أدخلت فلانا بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فاليمين في الأول على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله ، وفي الثاني على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لأنه وجد الدخول ; وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لأن شرط الحنث الترك للدخول ، فمتى علم ولم يمنع فقد ترك . ا هـ .

ونقل مثله في البحر عن المحيط وغيره ، فانظر كيف جعلوا اليمين في الثاني على مجرد الدخول لأن المحلوف عليه هو دخول فلان ، فمتى تحقق دخوله تحقق شرط الحنث وإن منعه قولا أو فعلا لأن منعه لا ينفي دخوله بعد تحققه .

وأما عدم الحنث بالمنع قولا وفعلا أو قولا فقط على التفصيل المار فهو خاص بالحلف على أنه لا يدعه أو لا يتركه يدخل ، وكذا قوله لا يخليه يدخل لأنه متى لم يمنعه تحقق أنه تركه أو خلاه فيحنث ، هذا هو المصرح به في عامة كتب المذهب ، وهو ظاهر الوجه وقدمنا في آخر باب اليمين في الأكل والشرب فيما لوقال لا أفارقك حتى تقضيني حقي أنه لو فر منه لا يحنث ، ولو قال لا يفارقني يحنث كما في الخانية فقد جزم بحنثه إذا فر منه بعد حلفه لا يفارقني .

وعلى هذا فالصواب في جواب الفتوى السابقة أن أخته إذا تكلمت يحنث سواء منعها عن الكلام أو لا لتحقق شرط الحنث وهو الكلام ، ومنعه لها لا يرفعه بعد تحققه كما لا يخفى ، نعم لو كان الحلف على أنه لا يتركها أو لا يخليها تتكلم فإنه يبر بالمنع قولا فقط ، ولا يحتاج إلى المنع بالفعل لأنه لا يملكه .

كما قال في الخانية : رجل حلف بطلاق امرأته أن لا يدع فلانا يمر على هذه القنطرة فمنعه بالقول يكون بارا لأنه لا يملك المنع بالفعل . ا هـ .

وبما قررناه ظهر أن ما نقله الشارح تبعا للمنية لا يصح حمله على ظاهره لمخالفته للمشهور في الكتب فلا بد من تأويله بما قدمناه . وقد يؤول بأنه أراد معنى لا يدعه يدخل كما أفتى به في الخيرية ، حيث سئل عمن حلف على صهره أنه لا يرحل من هذه القرية فرحل قهرا عليه فهل يحنث ؟ أجاب : مقتضى ما أفتى به قارئ الهداية واستدل به الشيخ محمد الغزي وأفتى به أنه إن نوى لا يمكنه فرحل قهرا عليه لا يحنث ا هـ أو يؤول بأنه سقط من عبارة المنية لفظ لا يدعه وإلا فهو مردود لأن العمل على ما هو المشهور الموافق للمعقول والمنقول دون الشاذ الخفي المعلول ، فاغتنم هذا التحرير والله سبحانه أعلم . [ تنبيه ]

علم أيضا مما ذكرناه أنه لو كان الحالف على الإثبات مثل قوله والله لتفعلن كذا فشرط البر هو الفعل حقيقة ، ولا يمكن قياسه على لا يدعه يفعل ، بأن يقال هنا : يكفي أمره بالفعل فإن ذلك لم يقل به أحد . وأما ما مر عن القنية في : ليخرجن ساكن داره فذاك في معنى لا يدعه يسكن كما علم مما مر ، أما هنا فلا يكفي الأمر لأن حلفه على الفعل لا على الأمر به ، ومجرد الأمر به لا يحققه كما لا يخفى ، فإذا لم يفعل يحنث الحالف كما مر سواء أمره أو لا ، وهذا ظاهر جلي أيضا ، ولكن جل من لا يسهو فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية