صفحة جزء
( ويحد الحر أو العبد ) ولو ذميا أو امرأة ( قاذف المسلم الحر ) الثابتة حريته وإلا ففيه التعزير ( البالغ العاقل العفيف ) عن فعل الزنا ، [ ص: 46 ] فينقص عن إحصان الرجم بشيئين : النكاح والدخول . وبقي من الشروط أن لا يكون ولده أو ولد ولده أو أخرس أو مجبوبا أو خصيا أو وطئ بنكاح أو ملك فاسد أو هي رتقاء أو قرناء وأن يوجد الإحصان وقت الحد ; حتى لو ارتد سقط حد القاذف ولو أسلم بعد ذلك فتح ( بصريح الزنا ) ومنه أنت أزنى من فلان أو مني على ما في الظهيرية ، [ ص: 47 ] ومثله النيك كما نقله المصنف عن شرح المنار ; ولو قال يا زانئ بالهمز لم يحد شرح تكملة ( أو ) بقوله ( زنأت في الجبل ) بالهمز فإنه مشترك بين الفاحشة والصعود .

وحالة الغضب تعين الفاحشة ( أو لست لأبيك ) ولو زاد ولست لأمك أو قال لست لأبويك فلا حد ( أو لست بابن فلان لأبيه ) المعروف به ( و ) الحال أن ( أمه محصنة ) لأنها المقذوفة في الصورتين إذ المعتبر إحصان المقذوفة لا الطالب شمني ( في غضب ) يتعلق بالصور الثلاث [ ص: 48 ] ( بطلب المقذوف ) المحصن لأنه حقه ( ولو ) المقذوف ( غائبا ) عن مجلس القاذف ( حال القذف ) وإن لم يسمعه أحد نهر ، بل وإن أمره المقذوف بذلك شرح تكملة


( قوله ويحد الحر إلخ ) أي الشخص الحر ، فلا ينافي قوله ولو ذميا أو امرأة فافهم ، ولم أر من تعرض لشروط القاذف ، وينبغي أن يقال إن كان عاقلا بالغا ناطقا طائعا في دار العدل ، فلا يحد الصبي بل يعزر ، ولا المجنون إلا إذا سكر بمحرم ; لأنه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد كما مر ، ولا المكره ولا الأخرس لعدم التصريح بالزنا كما صرح به ابن الشلبي عن النهاية ، ولا القاذف في دار الحرب أو البغي كما مر . وأما كونه عالما بالحرمة حقيقة أو حكما بكونه ناشئا في دار الإسلام فيحتمل أن يكون شرطا أيضا ، لكن في كافي الحاكم حربي دخل دار الإسلام بأمان فقذف مسلما لم يحد في قول أبي حنيفة الأول ، ويحد في قوله الأخير وهو قول صاحبيه ا هـ فظاهره أنه يحد ولو في فور دخوله ، ولعل وجهه أن الزنا حرام في كل ملة فيحرم القذف به أيضا فلا يصدق بالجهل ، هذا ما ظهر لي ، ولم أر من تعرض لشيء منه ( قوله ولو ذميا ) الأولى ولو كافرا ليشمل الحربي المستأمن كما علمته آنفا ، وسيذكره المصنف أيضا ( قوله قاذف المسلم الحر إلخ ) بيان لشروط المقذوف ( قوله الثابتة حريته ) أي بإقرار القاذف أو بالبينة إذا أنكر القاذف حريته ، وكذا لو أنكر حرية نفسه وقال أنا عبد ، وعلى حد العبيد كان القول قوله بحر عن الخانية ( قوله وإلا ) أي وإن لم يكن المقذوف مسلما حرا ، بأن كان كافرا أو مملوكا ، وكذا من ليس بمحصن إذا قذفه بالزنا فإنه يعزر ويبلغ به غايته كما سيذكره في بابه ( قوله البالغ العاقل ) خرج الصبي والمجنون ; لأنه لا يتصور منهما الزنا إذ هو فعل محرم والحرمة بالتكليف .

وفي الظهيرية : إذا قذف غلاما مراهقا فادعى الغلام البلوغ بالسن أو بالاحتلام لم يحد القاذف بقوله بحر ، فهذا يستثنى من قولهم : لو راهقا وقالا بلغنا صدقا ، وأحكامهما أحكام البالغين شرنبلالية ( قوله العفيف عن فعل الزنا ) زاد الشارح في باب اللعان وتهمته ، واحترز به عن قذف ذات ولد ليس له أب معروف ، ويأتي أنه لا يحد قاذفها ; لأن التهمة موجودة ، فينبغي ذكر هذا القيد هنا ، ولم أر من ذكره .

ثم اعلم أن الزنا في الشرع أعم مما يوجب الحد وما لا يوجبه وهو الوطء في غير الملك وشبهته ، حتى لو وطئ جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا فدل على أن فعله زنا وإن كان لا يحد به كما قدمناه عن الفتح أول الحدود . وأما لو وطئ جاريته قبل الاستبراء فليس بزنا ; لأنه في حقيقة الملك كوطء زوجته الحائض ، وإنما هو وطء محرم لعارض ، والزنا لا بد أن يكون وطئا محرما لعينه كما يأتي بيانه عند قوله أو رجل وطئ في غير ملكه ، ولهذا [ ص: 46 ] قال مسكين قوله عفيفا عن الزنا احتراز عن الوطء الحرام في الملك فإنه لا يخرج الواطئ عن أن يكون محصنا . ا هـ . فما قيل إنه لا يصح أن يراد بالزنا هنا المصطلح ولا غيره غير صحيح فافهم ( قوله فينقص عن إحصان الرجم بشيئين ) الأولى شيئين بدون الباء الجارة ; لأن نقص يتعدى بنفسه أفاده ط هذا .

وقدمنا أن شروط الإحصان تسعة فتدبره ( قوله وبقي من الشروط إلخ ) قلت : بقي منها أيضا على ما في شرح الوهبانية : أن لا يكون أم ولده الحرة الميتة ، وأن لا يكون أم عبده الحرة الميتة ، وأن يطلب المقذوف الحد ، وأن لا يموت قبل أن يحد القاذف ; لأن الحدود لا تورث ( قوله أن لا يكون ) أي المقذوف وولد القاذف ( قوله أو أخرس ) ; لأنه لا بد فيه من الدعوى ، وفي إشارة الأخرس احتمال يدرأ به الحد ( قوله أو مجبوبا ) هو مقطوع الذكر والأنثيين جميعا كما فسروه في باب العنين ، ولا يخفى أن مقطوع الذكر وحده مثله ا هـ ح ووجهه أن الزنا منه لا يتصور فلم يلحقه عار بالقذف لظهور كذب القاذف تأمل ( قوله أو خصيا ) بفتح الخاء : من سلت خصيتاه وبقي ذكره والشارح تبع في التعبير به صاحب النهر ، وهو وهم سرى من ذكر المجبوب لتقارنهما في الخيال .

قال في المحيط : بخلاف ما لو قذف خصيا أو عنينا ; لأن الزنا منهما متصور ; لأن لهما آلة الزنا . ا هـ . ح ( قوله أو ملك فاسد ) كذا في شرح الوهبانية عن النتف ، وتبعه المصنف في المنح ، وهو خلاف نص المذهب . ففي كافي الحاكم : رجل اشترى جارية شراء فاسدا فوطئها ثم قذفه إنسان قال على قاذفه الحد ا هـ ومثله في القهستاني ، وكذا في الفتح قال ; لأن الشراء الفاسد يوجب الملك ، بخلاف النكاح الفاسد لا يثبت فيه ملك فلذا يسقط إحصانه بالوطء فيه فلا يحد قاذفه ا هـ ونحوه في ح عن المحيط . قلت : وقد يجاب بأن المراد بالملك الفاسد ما ظهر فيه فساد الملك بالاستحقاق ، ففي الخانية : اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فقذفه إنسان لا يحد ( قوله حتى لو ارتد ) وكذا لو زنى أو وطئ وطئا حراما أو صار معتوها أو أخرس أو بقي كذلك لم يحد القاذف كافي الحاكم .

[ تنبيه ] ذكر في النهر عن السراجية أنه لو قذف خنثى بلغ مشكلا لا يحد . قال : ووجهه أن نكاحه موقوف وهو لا يفيد الحل . ا هـ .

واعترضه الحموي بأنه لا دخل للنكاح البات المفيد للحل في إيجاب حد القذف . حتى يترتب على عدمه عدم وجوب الحد ، وإنما ذاك في حد الزنا . ا هـ .

قلت : مراد النهر أن الخنثى لو تزوج ودخل فقذفه آخر لا يحد ; لأنه وطئ في غير ملكه إذ لا يصح النكاح إلا إذا زال الإشكال ( قوله بصريح الزنا ) بأي لسان كان شرنبلالية وغيرها .

واحترز عما لو قال وطئك فلان وطئا حراما أو جامعك حراما فلا حد بحر ، وكذا لو قال فجرت بفلانة أو عرض فقال لست بزان كما في الكافي ، وفيه : وإن قال قد أخبرت بأنك زان أو أشهدني رجل على شهادته إنك زان ، أو قال اذهب فقل لفلان إنك زان فذهب الرسول فقال له ذلك عنه لم يكن في شيء من ذلك حد ( قوله على ما في الظهيرية ) ويخالفه ما في الفتح عن المبسوط : أنت أزنى من فلان أو أزنى الناس لا حد عليه .

وعلله في الجوهرة بأن معناه أنت أقدر الناس على الزنا ونقل في الفتح أيضا عن الخانية أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان عليه الحد وفي أنت أزنى مني لا حد عليه ا هـ . [ ص: 47 ] قلت : ووجه ما في الظهيرية ظاهر ; لأن فيه النسبة إلى الزنا صريحا .

وما في المبسوط ناظر إلى احتمال التأويل ، وما في الخانية من التفرقة مشكل .

وقد يوجه بأن قوله أنت أزنى من فلان فيه نسبة فلان إلى الزنا وتشريك المخاطب معه في ذلك القذف ، بخلاف أنت أزنى مني ; لأن فيه نسبة نفسه إلى الزنا وذلك غير قذف فلا يكون قذفا للمخاطب أنه تشريك له فيما ليس بقذف ( قوله عن شرح المنار ) أي لابن مالك في بحث الكناية . ا هـ . ح .

قلت : ومثله في المغرب حيث قال : النيك من ألفاظ الصريح في باب النكاح ، ومنه حديث ماعز " أنكتها ؟ قال نعم " ( قوله لم يحد ) الظاهر أن ذكر لم سبق قلم . قال في المحيط : ولو قال لغيره يا زانئ برفع الهمزة ذكر في الأصل أنه إذا قال عنيت به الصعود على شيء أنه لا يصدق ويحد من غير ذكر خلاف ; لأنه نوى ما لا يحتمله لفظه ; لأن هذه الكلمة مع الهمز إنما يراد به الصعود إذا ذكر مقرونا بمحل الصعود ، يقال زانئ الجبل وزانئ السطح ، أما غير مقرون بمحل الصعود إنما يراد به الزنا إلا أن العرب قد تهمز اللين وقد تلين الهمزة ، فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصدق ا هـ ح . قلت : وقوله من غير ذكر خلاف صرح بالخلاف في كافي الحاكم فقال وقال محمد لا حد عليه ، ومثله في الخانية ، فما ذكره الشارح قول محمد فافهم ( قوله أو بقوله زنأت في الجبل ) أي وإن قال عنيت به الصعود خلافا لمحمد فلا يحد عنده ; لأنه حقيقة في الصعود عنده ( قوله بالهمز ) فلو أتى بالياء المثناة حد اتفاقا ، وكذا لو حذف الجبل كما أفاده في غاية البيان ، ولو قال عن الجبل ، قيل لا يحد وجزم في المبسوط بأنه يحد . قال في الفتح : وهو الأوجه ; لأن حالة الغضب تعين تلك الإرادة وكونها فوقه ، وتعين الصعود مسلم في غير حالة السباب نهر . وفي البحر عن غاية البيان : وهو المذهب عندي ( قوله فلا حد ) للكذب ، ولأن فيه نفي الزنا ; لأن نفي الولادة نفي للوطء بحر ، وكذا لو نفاه عن أمه فقط للصدق ; لأن النسب ليس لأمه بحر ( قوله لأبيه المعروف ) أي الذي يدعى له ، وكذا لست من ولد فلان أو لست لأب أو لم يلدك أبوك ، بخلاف لست من ولادة فلان فإنه ليس بقذف بحر عن الظهيرية .

وبه علم أن التقييد بأبيه المعروف احتراز عما لو نفاه عن شخص معين غير أبيه لا عما لو نفاه عن أب مطلق شامل لأبيه وغيره . قال في البحر : وأشار المصنف إلى أنه لو قال إنك ابن فلان لغير أبيه فالحكم كذلك من التفصيل . ا هـ . ( قوله ; لأنها المقذوفة في الصورتين ) ; لأن نفي نسبه من أبيه يستلزم كونه زانيا ، فلزم أن أمه زنت مع أبيه فجاءت به من الزنا نهر ونحوه في الفتح . قلت : وفيه نظر ، بل يستلزم كون المقذوف هو الأم وحدها كما صرح به أولا ، أما زنا الأب فغير لازم ; لأنه إذا ولد على فراش أبيه وقد نفى القاذف نسبه عن أبيه لزم منه أن أمه زنت برجل آخر ; لأن المراد بالأب أبوه المعروف الذي يدعى له كما مر ، نعم يصح ذلك لو أريد بالأب من خلق هو من مائه فحينئذ يكون قذفا للأم ولمن علقت به من مائه لا للأب المعروف ، لكنه يخالف قوله قبله لأبيه المعروف ، هذا ما ظهر لي فتأمله ( قوله لا الطالب ) هو الذي يقع القدح في نسبه كما يأتي ، والمراد به هنا الابن ، وهذا إذا كانت المقذوفة ميتة ، فلو حية فالطالب هي ، وعلى كل فالشرط إحصانها لا إحصان ابنها ( قوله في غضب ) إذ في الرضا يراد به المعاتبة بنفي مشابهته له في أسباب المروءة هداية ( قوله يتعلق بالصور الثلاث ) فيه رد على البحر ، حيث لم يقيده بالغضب في الثانية [ ص: 48 ] بل أطلق فيها تبعا لظاهر عبارة الهداية ، لكن أولها الشراح فأجروا التفصيل في الكل .

وذكر في شرح الوهبانية أنه ظاهر المذهب والاعتماد عليه ، وتمام تحقيقه في النهر ( قوله بطلب المقذوف المحصن ) لعل المراد به المحصن في نفس الأمر : وإلا فاشتراط الإحصان علم مما مر ، فيكون إشارة إلى ما بحثه في القنية حيث نقل أنه إذا كان غير عفيف في السر له مطالبة القاذف ديانة ، ثم قال : وفيه نظر ; لأنه إذا كان زانيا لم يكن قذفه موجبا للحد ، وأيده في النهر بأن رفع العار مجوز لا ملزم وإلا لامتنع عفوه عنه وأجبر على الدعوى وهو خلاف الواقع . ا هـ . قلت : بل في التتارخانية : وحسن أن لا يرفع القاذف إلى القاضي ولا يطالبه بالحد ، وحسن من الإمام أن يقول له قبل الثبوت أعرض عنه ودعه . ا هـ .

فحيث كان الطلب غير لازم ، بل يحسن تركه فكيف يحل طلبه ديانة إذا كان القاذف صادقا ( قوله ; لأنه حقه ) عبارة النهر ; لأن فيه حقه من حيث دفع العار عنه ا هـ وهذه العبارة أولى ; لأن فيه حق الشرع أيضا ، بل هو الغالب فيه كما أوضحه في الهداية وشروحها ( قوله ولو المقذوف غائبا إلخ ) ذكر هذا التعميم في التتارخانية نقلا عن المضمرات واعتمده في الدرر وقال : ولا بد من حفظه فإنه كثير الوقوع منح .

قلت : ولعله يشير إلى ضعف ما في حاوي الزاهدي : سمع من أناس كثيرة أن فلانا يزني بفلانة فتكلم ما سمعه منهم لآخر مع غيبة فلان لا يجب حد القذف ; لأنه غيبة لا رمي وقذف بالزنا ; لأن الرمي والقذف به إنما يكون بالخطاب كقوله يا زاني أو يا زانية ( قوله حال القذف ) احتراز عن حال الحد ، لما في البحر عن كافي الحاكم : غاب المقذوف بعدما ضرب بعض الحد لم يتم إلا وهو حاضر لاحتمال العفو ا هـ وسينبه عليه الشارح ( قوله وإن لم يسمعه أحد نهر ) لم أره في النهر هنا وإنما ذكره أول الباب عن البلقيني الشافعي ، وقدمنا الكلام عليه ( قوله وإن أمره المقذوف بذلك ) أي بالقذف ; لأن حق الله تعالى فيه غالب ولذا لم يسقط بالعفو كما يأتي بخلاف ما لو قال لآخر اقتلني فقتله حيث يسقط القصاص ; لأنه حقه ويصح عفوه عنه

التالي السابق


الخدمات العلمية