صفحة جزء
( وحكم مسح جبيرة ) هي عيدان يجبر بها الكسر ( وخرقة قرحة وموضع فصد ) وكي ( ونحو ذلك ) كعصابة جراحة ولو برأسه [ ص: 279 ] ( كغسل لما تحتها ) فيكون فرضا يعني عمليا لثبوته بظني ، وهذا قولهما ، وإليه رجع الإمام خلاصة وعليه الفتوى شرح مجمع . وقدمنا أن لفظ الفتوى آكد في التصحيح من المختار والأصح والصحيح . [ ص: 280 ] ثم إنه يخالف مسح الخف من وجوه ذكر منها ثلاثة عشر ، فقال ( فلا يتوقف ) ; لأنه كالغسل حتى يؤم الأصحاء ، ولو بدلها بأخرى أو سقطت العليا لم يجب إعادة المسح بل يندب


( قوله قرحة ) بمعنى الجراحة . قال في القاموس : وقد يراد بها ما يخرج من البدن من بثور ، وفي القاف الضم والفتح نهر ( قوله وموضع ) بالجر عطفا على قرحة ط ( قوله كعصابة جراحة ) العصابة بالكسر ما يعصب به ، وكأنه خص القرحة بالمعنى الثاني ، أو أراد بخرقتها ما يوضع عليها كاللزقة فلا تكرار أفاده ط ( قوله ولو برأسه ) خصه بالذكر لما في المبتغى أنه لا يجب المسح ; لأنه بدل عن الغسل ولا بدل له . ا هـ . والصواب خلافه ; لأن المسح على الرأس أصل بنفسه لا بدل ، غير أنه إن بقي من الرأس ما يجوز المسح عليه مسح عليه وإلا فعلى العصابة كما في البدائع ، أفاده في البحر .

أقول : قوله والصواب خلافه يفيد أن كلام المبتغى خطأ أي بناء على ما فهمه من معنى البدلية وهو بعيد . والظاهر أن معنى قول المبتغى ; لأنه بدل إلخ أن المسح على الجبيرة بدل من الغسل ، وإذا وجب مسح الجبيرة على الرأس الذي وظيفته المسح لزم أن يكون المسح على الجبيرة بدلا عن المسح لا عن الغسل ، والمسح لا بدل له ; [ ص: 279 ] فالمناسب حينئذ قول النهر : إن ما في البدائع يفيد ترجيح الوجوب ، وهو الذي ينبغي التعويل عليه . ا هـ . أي بناء على منع قوله المسح بدل عن الغسل ، وقد أوضح معنى البدلية في البحر فراجعه .

( قوله فيكون فرضا ) أي حيث لم يضره كما سيأتي .

مطلب الفرق بين الفرض العملي والقطعي والواجب ( قوله يعني عمليا ) دفع لما يقتضيه ظاهر التشبيه ; لأن الغسل فرض قطعي ، والفرض العملي ما يفوت الجواز بفوته كمسح ربع الرأس ، وهو أقوى نوعي الواجب ، فهو فرض من جهة العمل ، ويلزم على تركه ما يلزم على تركه الفرض من الفساد لا من جهة العلم والاعتقاد ، فلا يكفر بجحده كما يكفر بجحد الفرض القطعي ; بخلاف النوع الآخر من الواجب كقراءة الفاتحة ، فإنه لا يلزم من تركه الفساد ولا من جحوده الإكفار ( قوله لثبوته بظني ) وهو ما رواه ابن ماجه عن { علي رضي الله عنه قال : انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر } وهو ضعيف ، ويتقوى بعدة طرق ، ويكفي ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه مسح على العصابة " فإنه كالمرفوع ; لأن الأبدال لا تنصب بالرأي بحر ( قوله وإليه رجع الإمام إلخ ) اعلم أن صاحب المجمع ذكر في شرحه أنه مستحب عنده واجب عندهما ، وقيل واجب عنده فرض عندهما ، وقيل : الوجوب متفق عليه ، وهذا أصح وعليه الفتوى . ا هـ . وفي المحيط : ولا يجوز تركه ولا الصلاة بدونه عندهما . والصحيح أنه عنده واجب لا فرض ، فتجوز الصلاة بدونه ، وكذا صححه في التجريد والغاية والتجنيس وغيرها . ولا يخفى أن صريح ذلك فرض أي عملي عندهما واجب عنده ، فقد اتفق الإمام وصاحباه على الوجوب بمعنى عدم جواز الترك ، لكن عندهما يفوت الجواز بفوته فلا تصح الصلاة بدونه أيضا ، وعنده يأثم بتركه فقط مع صحة الصلاة بدونه ، ووجوب إعادتها ، فهو أراد الوجوب الأدنى ، وهما أرادا الوجوب الأعلى . ويدل عليه ما في الخلاصة أن أبا حنيفة رجع إلى قولهما بعد جواز الترك فقيد بعدم جواز الترك ; لأنه لم يرجع إلى قولهما بعدم صحة الصلاة بتركه أيضا ، فلا ينافي ما مر مع تصحيح أنه واجب عنده لا فرض ، وعليه فقوله في شرح المجمع وقيل : الوجوب متفق عليه ، معناه عدم جواز الترك لرجوع الإمام عن الاستحباب إليه ، فليس المراد به الاتفاق على الوجوب بمعنى واحد ، هذا ما ظهر لي .

ثم رأيت نوحا أفندي نقله عن العلامة قاسم في حواشيه على شرح المجمع بقوله : معنى الوجوب مختلف ; فعنده يصح الوضوء بدونه وعندهما هو فرض عملي يفوت الجواز بفوته . ا هـ - ولله الحمد - فاغتنم هذا التحرير الفريد ، فقد خفي على الشارح والمصنف في المنح وصاحب البحر والنهر وغيرهم فافهم .

هذا ، وقد رجح في البدائع قول الإمام بأنه غاية ما يفيده الوارد في المسح عليها ، فعدم الفساد بتركه أقعد بالأصول . ا هـ لكن قال تلميذه العلامة قاسم في حواشيه إن قوله أقعد بالأصول وقولهما أحوط . وقال في العيون : الفتوى على قولهما . ا هـ ( قوله وقدمنا إلخ ) جواب عما في المحيط وغيره من تصحيح أنه واجب عنده لا فرض حتى تجوز الصلاة بدونه : أي إن هذا التصحيح لا يعارض لفظ الفتوى ; لأنه أقوى ، وهذا مبني على ما فهم تبعا لغيره من اتحاد معنى الوجوب في عبارة شرح المجمع ، وأن المراد به الفرض العملي عند الكل ، وقد علمت خلافه وأنه [ ص: 280 ] لا تعارض بين كلامهم ( قوله ثم إنه ) أي مسح الجبيرة وثم للتراخي في الذكر ( قوله ذكر منها ) أفاد أنها أكثر وهو كذلك ( قوله فلا يتوقف ) أي بوقت معين وإلا فهو موقت بالبرء بحر ( قوله حتى يؤم الأصحاء ) ; لأنه ليس بذي عذر ط ولم يظهر لي وجه هذا التفريع هنا ، ثم رأيته في [ خزائن الأسرار ] ذكر التفريع بعد قوله الآتي لا مسح خفها بل خفيه بقوله ; لأن طهارته كاملة حتى يؤم الأصحاء . ا هـ ظاهر ; لأن عدم الجمع بين مسح الجبيرة ومسح الخف مبني على أن مسحها كالغسل كما نذكره ( قوله ولو بدلها إلخ ) هذان الوجهان زادهما الشارح على الثلاثة عشر المذكورة في المتن ( قوله لم يجب ) وعن الثاني أنه يجب المسح على العصابة الباقية نهر

التالي السابق


الخدمات العلمية