صفحة جزء
( وطلب المسروق منه ) المال لا القطع على الظاهر بحر ( شرط القطع مطلقا ) في إقرار وشهادة على المذهب لأن الخصومة شرط لظهور السرقة ( وكذا حضوره ) أي المسروق منه ( عند الأداء ) للشهادة ( و ) عند ( القطع ) لاحتمال أن يقر له بالملك فيسقط القطع لا حضور الشهود على الصحيح شرح المنظومة ، وأقره المصنف . قلت : لكنه مخالف لما قدمه متنا وشرحا فليحرر ، وقد حرره في الشرنبلالية بما يفيد ترجيح الأول فتأمل . ثم فرع على قوله وطلب المسروق إلى آخره فقال ( فلو أقر أنه سرق مال الغائب توقف القطع على حضوره [ ص: 107 ] ومخاصمته ، و ) كذا ( لو قال سرقت هذه الدراهم ولا أدري لمن هي أو لا أخبرك من صاحبها لا قطع ) لأنه يلزم من جهالته عدم طلبه ( و ) كل ( من له يد صحيحة ملك الخصومة ) ثم فرع عليه بقوله ( كمودع وغاصب ) ومرتهن ومتول وأب ووصي وقابض على سوم الشراء ( وصاحب ربا ) بأن باع درهما بدرهمين وقبضهما فسرقا منه لأن الشراء فاسدا بمنزلة المغصوب ، بخلاف معطي الربا لأنه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد شمني ولا قطع بسرقة اللقطة خانية . [ ص: 108 ] ( ومن لا ) يد له صحيحة ( فلا ) يملك الخصومة كسارق سرق منه بعد القطع لم يقطع بخصومة أحد ولو مالكا لأن يده غير صحيحة كما يأتي آنفا . ( ويقطع بطلب المالك ) أيضا ( لو سرق منهم ) أي من الثلاثة وكذا بطلب الراهن مع غيبة المرتهن على الظاهر لأنه هو المالك ( لا بطلب المالك ) للعين المسروقة ( أو ) بطلب ( السارق لو سرق من سارق بعد القطع ) لسقوط عصمته . ( بخلاف ما إذا سرق ) الثاني من السارق الأول ( قبل القطع ) أو بعدما درئ بشبهة ( فإن له ولرب المال القطع ) لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم توجد [ ص: 109 ] فصار كالغاصب ، ثم بعد القطع هل للأول استرداده ؟ روايتان واختار الكمال رده للمالك .


( قوله لا القطع على الظاهر ) قال في البحر : وأشار الشمني إلى أنه لا بد من الطلبين لكن في الكشف الكبير أن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلوص ولذا لا يملك المسروق منه الخصومة بدعوى الحد وإثباته ، ولا يملك العفو بعد الوجوب ولا يورث عنه ا هـ فقد صرح بأنه لا يملك طلب القطع إلا أن يقال إنه لا يملكه مجردا عن طلب المال .

والظاهر أن الشرط إنما هو طلب المال وتشترط حضرته عند القطع لا طلبه القطع إذ هو حقه تعالى فلا يتوقف على طلب العبد . ا هـ . وفي النهر : والظاهر ما جرى عليه الشارح الزيلعي وغيره من الاكتفاء بدعوى المال ( قوله على المذهب ) وروي عن أبي يوسف أنه في الإقرار لا تشترط المطالبة كما في الفتح ( قوله ; لأن الخصومة إلخ ) أفاد أن حد السرقة لا يثبت بدعوى الحسبة تأمل ( قوله قلت لكنه مخالف لما قدمه ) أي في الباب السابق في قوله وشرط للقطع حضور شاهديها وقته ( قوله بما يفيد ترجيح الأول ) أي ما تقدم من اشتراط الحضور ، وفيه نظر ، بل مفاده ترجيح ما هنا ، فإن الذي حرره هو ما نقله عن كافي الحاكم من أن ما هنا هو قول الإمام الأخير فيكون [ ص: 107 ] الأول مرجوعا عنه ، ولذا صحح ما هنا في شرح المنظومة الوهبانية كما حررناه فيما تقدم فافهم ( قوله وكل من له يد صحيحة ملك الخصومة ) شمل المالك والأمين والضامن كالغاصب فإنه يجب عليه حفظ المغصوب كالأمين فيملك الخصومة ; لأنه لا يقدر على إسقاط الضمان عن نفسه إلا بذلك كما أفاده في الفتح ، وشمل ما إذا كان المالك حاضرا أو غائبا كما في النهر عن السراج ( قوله ثم فرع عليه ) الأولى ثم مثل له ط .

( قوله متول ) أي متولي الوقف كما في الزيلعي والفتح ، وعبر في البحر ، بمتولي المسجد ، وهذا يرد ما بحثه في البحر في الباب السابق من أنه لا قطع بسرقة مال الوقف ، وقدمنا الكلام فيه هناك ( قوله وقابض على سوم الشراء ) ; لأنه إن سمى الثمن كان مضمونا عليه وإلا كان أمانة بمنزلة المودع ، وعلى كل فيده صحيحة ، ومثل من ذكر كما في الفتح وغيره المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع ( قوله بأن باع درهما بدرهمين ) الأحسن قول النهر باع عشرة بعشرين وقبضها فسرقت ا هـ لتحقيق النصاب الموجب للقطع . ا هـ . ح ( قوله ; لأن الشراء فاسدا ) أي الذي منه الربا بمنزلة المغصوب في أن كلا منهما مضمون على ذي اليد بالقيمة ( قوله بخلاف معطي الربا ) مخالف لقوله ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم ( قوله ; لأنه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد ) فيه نظر ، لما في الأشباه من أن الربا لا يملك فيجب عليه رد عينه مادام قائما ، حتى لو أبرأه صاحبه لا يبرأ منه ; لأن رد عينه القائمة حق الشرع . ا هـ .

وبه علم أن صاحب الربا في عبارة المصنف وهو الذي قبضه لم يملكه بل بقي على ملك المعطي فصار المعطي مالكا والقابض ذا يد فتصح مطالبة كل منهما بمنزلة المغصوب كما هو صريح عبارة المصنف الآتية تبعا للكنز ولصاحب النهر هنا كلام غير محرر فراجعه وتدبر ( قوله ولا قطع بسرقة اللقطة ) هذا لم يصرح به في الخانية ، وإنما يفهم منها كما بحثه في البحر . وعبارة الخانية : رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في يد غيره فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل ، بخلاف الوديعة فإن في الوديعة يكون للمودع أن يأخذها من الثاني ; لأن لقطة الثاني كالأول في ولاية أخذ اللقطة ، وليس الثاني كالأول في إثبات اليد على الوديعة ا هـ : قال في البحر : فينبغي أن لا يقطع بطلب الملتقط كما لا يخفى ا هـ وتبعه أخوه في النهر ، وكذا المقدسي . واعترضه السيد أبو السعود بأن نفي الخصومة بين الملتقط الأول والثاني لا يدل على أنه لا خصومة بين الملتقط والسارق منه ا هـ . قلت : أي ; لأن الملتقط يده يد أمانة حتى لا يتمكن أحد من أخذها منه ، ولو دفعها لآخر له أن يستردها منه ; ولو ذكر أحد علامتها ولم يصدقه الملتقط أنها له لا يجبر على دفعها إليه ، فلو لم تكن له يد صحيحة لم يكن له شيء من ذلك ، وهذا يدل على أن له مخاصمة السارق منه ، بخلاف ما إذا ضاعت منه فالتقطها غيره فإن يد الأول زالت بإثبات يد مثل يده عليها ; لأن الثاني له ولاية أخذها فليس للأول بعد زوال يده مخاصمة الثاني .

وأما الوديعة إذا ضاعت من المودع فإن له مخاصمة ملتقطها إذ ليس له إثبات يد عليها كالمودع ، ولعل وجه الفرق بين المودع والملتقط الأول مع أن كلا منهما يده يد أمانة أن يد المودع أقوى ; لأنها بإذن المالك فكانت يده يد المالك ، بخلاف يد الملتقط ، [ ص: 108 ] والله تعالى أعلم ( قوله سرق منه ) بالبناء للمجهول والجملة صفة لسارق ، وقوله بعد القطع : أي قطع السارق الأول ، وقوله لم يقطع : أي السارق الثاني وقوله ; لأن يده : أي يد السارق الأول ( قوله كما يأتي آنفا ) أي قريبا وهو بكسر النون ، ويجوز في أوله المد والقصر ، وقرئ بهما كما في القاموس ( قوله ويقطع بطلب المالك ) شمل ما إذا حضر المسروق منه أو لم يحضر .

وعن محمد أنه لا بد من حضوره وظاهر الرواية الأول كما في النهر والزيلعي ( قوله أي من الثلاثة ) هم المودع والغاصب وصاحب الربا زيلعي وغيره ولا يخفى أن المراد بالمالك في مسألة الربا هو المعطي ; لأنه باق على ملكه ، فهذا صريح في أنه يقطع السارق بطلبه خلافا لما قدمه عن الشمني ، ومثل الثلاثة غيرهم ممن مر كما في الفتح وغيره ( قوله وكذا بطلب الراهن ) أي إذا كانت العين قائمة وقد قضى الدين ، أما إذا لم يقضه أو استهلك السارق العين فلا قطع بخصومته ; لأنه قبل الإيفاء لا حق له في المطالبة بالعين ، وبالاستهلاك صار المرتهن مستوفيا لدينه . قال الزيلعي : وينبغي أن يقطع بخصومته فيما إذا زادت قيمة الرهن على دينه بما يبلغ نصابا ; لأن له المطالبة بما زاد كالوديعة ، وارتضاه في الفتح ، وهو المذكور في غاية البيان نهر أي أن له مطالبة السارق بعد الهلاك بما زاد كما عبر به الزيلعي ، فليس المراد أن له مطالبة المرتهن ، إذ ليس له ذلك ( قوله لا بطلب المالك إلخ ) أي لا يقطع السارق الثاني بطلب إلخ ( قوله لو سرق ) قيد لطلب المالك ولطلب السارق ( قوله بعد القطع ) أي قطع الأول ( قوله لسقوط عصمته ) أي المال ; لأنه لا ضمان على السارق بعدما قطعت يمينه كما يذكره المصنف . قال في الفتح : وقال مالك والشافعي في قول يقطع بخصومة المالك ; لأنه سرق نصابا من حرز لا شبهة فيه .

ولنا أن المال لما لم يجب على السارق ضمانه كان ساقط التقوم في حقه ، وكذا في حق المالك لعدم وجوب الضمان له ، فيد السارق الأول ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك فكان المسروق مالا غير معصوم فلا قطع فيه . ا هـ . ( قوله أو بعدما درئ بشبهة ) كدعواه أنه ملكه ونحو ذلك كما يأتي . واعترض بأن هذا يغني عنه قوله قبل القطع ، وفيه أن المتبادر من قوله قبل القطع كون القطع لازما له وهذا ساقط عنه بشبهة ، نعم يعلم حكم الساقط بالأولى ، لكنه تابع الهداية لزيادة الإيضاح فافهم ( قوله فإن له ) أي للسارق الأول ( قوله ; لأن سقوط التقوم ضرورة القطع إلخ ) كذا في الهداية ، وهو برفع ضرورة على أنه خبر أن أو بنصبه على أنه مفعول لأجله والخبر محذوف أي ثابت لضرورة القطع : أي أنه أمر ضروري للقطع : أي أنه يلزم من وجوب القطع سقوط التقوم لا ينفك عن القطع ولا يوجد بدونه ; لأن عدم سقوطه ينافي وجوب القطع كما يأتي بيانه ، هذا ما ظهر لي ، وفي هذا التعليل إشارة إلى الرد على ما قاله الكرخي والطحاوي من إطلاق عدم القطع سواء قطع الأول أو لا كما قدمناه أول كتاب السرقة . قلت : ومفهوم هذا التعليل أن المراد بقوله قبل القطع ما إذا لم يقطع الأول أصلا ، ويدل عليه ما يأتي من أنه لا فرق في عدم الضمان بين هلاك العين واستهلاكها قبل القطع أو بعده ، فإذا لم تكن مضمونة بالاستهلاك قبل [ ص: 109 ] القطع ، يعني ثم قطع تحقق سقوط التقوم . فعلم أن التقوم لا يسقط إلا إذا لم يوجد قطع أصلا تأمل ( قوله فصار كالغاصب ) أي في أن له يدا صحيحة هي يد الضمان ( قوله ثم بعد القطع إلخ ) أي قطع السارق الأول والأولى ذكر هذا قبل قوله بخلاف ما إذا سرق إلخ ( قوله روايتان ) إحداهما له استرداد المسروق من السارق الثاني لحاجته إلى الرد الواجب عليه ، والأخرى لا ; لأن يده ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك فتح ( قوله ، واختار الكمال إلخ ) أي اختار أن القاضي يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا وإلا حفظه له كما يحفظ أموال الغيب ، ولا يرده إلى الأول ولا يبقيه مع الثاني لظهور خيانة كل منهما

التالي السابق


الخدمات العلمية