صفحة جزء
[ ص: 113 ] ( باب قطع الطريق ) وهو السرقة الكبرى

( من قصده ) ولو في المصر ليلا به يفتى ( وهو معصوم على ) شخص ( معصوم ) ولو ذميا ، فلو على المستأمنين فلا حد ( فأخذ قبل أخذ شيء وقتل ) نفس ( حبس ) [ ص: 114 ] وهو المراد بالنفي في الآية : وظاهر أن المراد توزيع الأجزية على الأحوال كما تقرر في الأصول ( بعد التعزير ) لمباشرة منكر التخويف ( حتى يتوب ) لا بالقول بل بظهور سيما الصلحاء ( أو يموت )


باب قطع الطريق أي قطع المارة عن الطريق فهو من الحذف والإيصال ، أو المراد بالطريق المارة من إطلاق المحل على الحال أو الإضافة على معنى في : أي قطع في الطريق : أي منع الناس المرور فيه ، أخره عن السرقة لأنه ليس سرقة مطلقة ; لأن المتبادر منها الأخذ خفية عن الناس ، وأطلق عليه اسمها مجازا لضرب من الإخفاء وهو الإخفاء عن الإمام ومن نصبهم لحفظ الطريق ، ولذا لا يطلق عليه اسمها إلا مقيدة بالكبرى ولزوم التقييد من علامات المجاز كما في الفتح ، وسميت كبرى لعظم ضررها لكونه على عامة المسلمين أو لعظم جزائها ( قوله من قصده ) أي قصد قطع الطريق ، وعبر بمن ليفيد أنه لا يشترط كون القاطع جماعة ، فيشمل ما إذا كان واحدا له منعة بقوته ونجدته كما في القهستاني والفتح ، وشمل العبد وكذا المرأة في ظاهر الرواية إلا أنها لا تصلب كما سيأتي ( قوله ولو في المصر ليلا ) أي بسلاح أو بدونه وكذا نهارا لو بسلاح كما سيأتي ، وهذا هو رواية عن أبي يوسف أفتى بها المشايخ دفعا لشر المتغلبة المفسدين كما في القهستاني عن الاختيار وغيره ، ومثله في البحر .

أما ظاهر الرواية فلا بد أن يكون في صحراء دارنا على مسافة السفر فصاعدا دون القرى والأمصار ولا ما بينهما كما في القهستاني . وفي كافي الحاكم : وإن قطعوا الطريق في دار الحرب على تجار مستأمنين أو في دار الإسلام في موضع غلب عسكر الخوارج ثم أتى بهم الإمام لم يمض الحدود عليهم ( قوله وهو معصوم ) أي بالعصمة المؤبدة وهو المسلم أو الذمي قهستاني . والعصمة : الحفظ ، والمراد عصمة دمه وماله بالإسلام أو عقد الذمة . وفي حاشية السيد أبو السعود : مفاده لو قطع الطريق مستأمن لا يحد ، وبه صرح في شرح النقاية معللا بأنه لا يخاطب بالشرائع . وحكى في المحيط اختلاف المشايخ فيه ( قوله فلو على المستأمنين فلا حد ) لكن يلزمه التعزير والحبس باعتبار إخافة الطريق وإخفاره ذمة المسلمين فتح . قال في الشرنبلالية : ويضمن المال لثبوت عصمة مال المستأمن حالا وإن لم يكن على التأبيد ، ومحل عدم الحد بالقطع على المستأمن فيما إذا كان منفردا ، أما إذا كان مع القافلة فإنه يحد ولا يصير شبهة ، بخلاف اختلاط ذي الرحم بالقافلة كما في الفتح . ا هـ . قلت : لكن لو لم يقع القتل والأخذ إلا في المستأمن فلا حد كما في الفتح أيضا .

[ تنبيه ] قد علم من شروط قطع الطريق كونه ممن له قوة ومنعة ، وكونه في دار العدل ، ولو في المصر ولو نهارا إن كان بسلاح ، وكون كل من القاطع والمقطوع عليه معصوما ، ومنها كما يعلم مما يأتي كون القطاع كلهم أجانب لأصحاب الأموال ، وكونهم عقلاء بالغين ناطقين ، وأن يصيب كلا منهم نصاب تام من المال المأخوذ ، وأن يؤخذوا قبل التوبة . ثم اعلم أن القطع يثبت بالإقرار مرة واحدة . وعند أبي يوسف بمرتين ويسقط الحد برجوعه لكن يؤخذ بالمال إن أقر به يثبت بشهادة اثنين بمعاينته أو بالإقرار به ، فلو لأحدهما بالمعاينة والآخر بالإقرار لا تقبل ; ولو قالا قطعوا علينا وعلى أصحابنا لا تقبل ; لأنهما شهدا لأنفسهما ولو شهدا أنهم قطعوا على رجل من عرض الناس وله ولي يعرف أو لا يعرف لا يحدهم إلا بمحضر من الخصم وتمامه في الفتح آخر الباب ( قوله حبس ) وما في الخانية من أنه [ ص: 114 ] يعزر ويخلى سبيله خلاف المشهور فتح ، وأفاد أيضا أن الحبس في بلده لا في غيرها خلافا لمالك ( قوله وهو المراد بالنفي في الآية ) ; لأن النفي من جميع الأرض محال وإلى بلد أخرى فيه إيذاء أهلها فلم يبق إلا الحبس ، والمحبوس يسمى منفيا من الأرض ; لأنه لا ينتفع بطيبات الدنيا ولذاتها ، ولا يجتمع بأقاربه وأحبابه . قال في الفتح قال صالح بن عبد القدوس فيما ذكره الشريف في الغرر :

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها ولا الموتى     إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا

( قوله وظاهر أن المراد إلخ ) أي وليس المراد ما قاله بعض السلف أن الإمام مخير في هذه الأجزية الأربعة إذ من المقطوع به أنها أجزية على جناية القطع المتفاوتة خفة وغلظا ، ولا يجوز أن يرتب على أغلظها أخف الأجزية المذكورة ، وعلى أخفها أغلظ الأجزية ; لأنه مما يدفعه قواعد الشرع والعقل ، فوجب القول بالتوزيع على أحوال الجنايات ; لأنها مقابلة بها فاقتضت الانقسام .

فتقدير الآية أن يقتلوا إن قتلوا ، أو يصلبوا إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال أو ينفوا إن أخافوا ، وتمامه في الفتح والزيلعي ( قوله بعد التعزير ) أي بالضرب ، وإلا فالحبس تعزير أيضا كما مر في بابه ( قوله أو يموت ) عطف على يتوب

التالي السابق


الخدمات العلمية