صفحة جزء
( ونصب القاضي من ) أي وكيلا ( يأخذ حقه ) كغلاته وديونه المقر بها ( ويحفظ ماله ويقوم عليه ) عند الحاجة ، فلو له وكيل فله حفظ ماله لا تعمير داره إلا بإذن الحاكم لأنه لعله مات ، ولا يكون وصيا تجنيس ( لكنه ) أي هذا الوكيل المنصوب ( ليس بخصم فيما يدعى على المفقود من دين الوديعة وشركة في عقار [ ص: 294 ] أو رقيق ونحوه ) لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه ، وإنما هو وكيل بالقبض من جهة القاضي ، وأنه لا يملك الخصومة بلا خلاف ; ولو قضى بخصومته لم ينفذ زاد الزيلعي في القضاء وتبعه الكمال إلا بتنفيذ قاض آخر ، لكن في الخلاصة : الفتوى على النفاذ يعني لو القاضي مجتهدا نهر


( قوله : المقر بها ) بالبناء للمجهول : أي التي أقر بها غرماؤه ، قيد به لما في النهر : ويخاصم في دين وجب بعقده بلا خلاف ، لا فيما وجب بعقد المفقود ، ولا في نصيب له في عقار أو عرض في يد رجل ، ولا في حق من الحقوق إذا جحده من هو عنده أو عليه ; لأنه ليس بمالك ولا نائب عنه وإنما هو وكيل من جهة القاضي وهو لا يملك الخصومة بلا خلاف ( قوله : ويقوم عليه ) أعم مما قبله ; لأنه يشمل الحفظ وغيره كحصاد ودياس مثلا ( قوله : عند الحاجة إلخ ) متعلق بقوله ونصب القاضي ، وهذا بحث ذكره في البحر ، أصله أنه إنما ينصب إذا لم يكن له وكيل في الحفظ أقامه الغائب قبل فقده ; لأنه لا ينعزل بفقده ، لما في التجنيس : جعل داره بيد رجل ليعمرها أو دفع ماله ليحفظه وفقد الدافع فله الحفظ لا التعمير إلا بإذن الحاكم ; لأنه لعله مات ولا يكون الرجل وصيا . ا هـ . وأجاب في النهر بأن الظاهر أنه أي وكيل المفقود لا يملك قبض ديونه التي أقر بها غرماؤه ولا غلاته ، وحينئذ فيحتاج إلى النصب ، وكأن هذا هو السر في إطلاقهم نصب الوكيل . ا هـ .

قلت : وفيه نظر ; لأن مراد البحر أن القاضي إنما ينصب له من يأخذ حقه ويحفظ ماله إذا لم يكن له وكيل في ذلك ; لأن وكيله لا ينعزل بفقده ; وقول النهر الظاهر أنه لا يملك قبض ديونه إلخ غير مسلم إلا بنقل صريح ; لأنه إذا لم ينعزل وقد وكله بذلك فما المانع له منه ؟ فلذا والله أعلم لم يعول الشارح على كلامه ( قوله : ليس بخصم فيما يدعى على المفقود ) ولا فيما يدعى له كما علمته . قال في البحر وكذا ليس للورثة ما ذكر ; لأنهم يرثونه بعد موته ولم يثبت . [ ص: 294 ] ثم نقل عن البزازية : مات عن ابنين أحدهما مفقود فزعم ورثة المفقود أنه حي وله الميراث والابن الآخر يزعم موته لا خصومة بينهما ; لأن ورثة المفقود اعترفوا أنه لا حق لهم في التركة فكيف يخاصمون عمهم ا هـ ; لأن اعترافهم بحياته اعتراف بأن الحق له ( قوله : ونحوه ) أي نحو ما ذكر من رد بعيب أو مطالبة لاستحقاق بحر ( قوله : بلا خلاف ) لما فيه من تضمن الحكم على الغائب وإنما الخلاف المعروف بينهم فيمن وكله المالك بقبض الدين هل يملك الخصومة أم لا ؟ فعنده يملكها وعندهما لا . ا هـ . ح عن الزيلعي .

مطلب : قضاء القاضي ثلاثة أقسام ( قوله : لم ينفذ ) اعلم أن قضاء القاضي ثلاثة أقسام : قسم يرد بكل حال ، وهو ما خالف النص أو الإجماع . وقسم يمضي بكل حال ، حتى لو رفع إلى قاض آخر لا يراه نفذه وأمضاه ولا يبطله ، وهو ما يكون الخلاف فيه لا في نفس القضاء بل في سببه . وأمثلته كثيرة : منها لو قضى شافعي بشهادة المحدودين بعد التوبة أو قضى لامرأة بشهادة زوجها وأجنبي نفذ ; ولو رفع إلى حنفي لزمه تنفيذه ; لأن الاختلاف في سبب القضاء ، وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا ، أما نفس الحكم فلا اختلاف فيه . والقسم الثالث : الحكم المجتهد فيه ، وهو ما يقع الخلاف فيه في نفس الحكم ; فقيل ينفذ أيضا ، وقيل لا ينفذ إلا إذا نفذه قاض آخر ، فإذا نفذه الثاني نفذ ، حتى لو رفع إلى ثالث أمضاه وإذا أبطله الثاني فليس لأحد أن يجيزه وهذا هو الصحيح . وبعضهم صحح الأول ، وذلك كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته بشهادة رجلين ; لأن نفس القضاء مختلف فيه .

واختلفوا فيما لو قضى على الغائب ، فقيل هو من هذا القسم فلا ينفذ إلا بتنفيذ قاض آخر وهو ما نقله عن الزيلعي والكمال ، بناء على أن الاختلاف في نفس القضاء على الغائب . وقيل هو من القسم الثاني فينفذ بلا توقف على تنفيذ قاض آخر ، وهو ما نقله عن الخلاصة بناء على أن الاختلاف لا في نفس القضاء بل في سببه ، وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر أو لا ؟ ( قوله : يعني لو القاضي مجتهدا ) ومثله ما لو كان مقلدا المجتهد ، وهذا ترجيح لما حققه في البحر من كتاب القضاء من أن الخلاف في نفاذ القضاء على الغائب ، محله ما إذا كان مذهب القاضي صحة هذا القضاء بخلاف القاضي الحنفي وسيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية