صفحة جزء
( ويطهر مني ) أي : محله ( يابس بفرك ) ولا يضر بقاء أثره ( إن طهر رأس حشفة ) كأن كان مستنجيا بماء .

وفي المجتبى أولج فنزع فأنزل لم يطهر إلا بغسله لتلوثه بالنجس انتهى [ ص: 313 ] أي : برطوبة الفرج ، فيكون مفرعا على قولهما بنجاستها ، أما عنده فهي طاهرة كسائر رطوبات البدن جوهرة ( وإلا ) يكن يابسا أو لا رأسها طاهرا ( فيغسل ) كسائر النجاسات ولو دما عبيطا على المشهور ( بلا فرق بين منيه ) ولو رقيقا لمرض به ( ومنيها ) ولا بين مني آدمي وغيره كما بحثه الباقاني ( ولا بين ثوب ) ولو جديدا أو مبطنا [ ص: 314 ] في الأصح ( و بدن على الظاهر ) من المذهب ، ثم هل يعود نجسا ببله بعد فركه ؟ ؟ المعتمد لا ، وكذا كل ما حكم بطهارته بغير مائع . وقد أنهيت في الخزائن المطهرات إلى نيف وثلاثين ، وغيرت نظم ابن وهبان فقلت : [ ص: 315 ] وغسل ومسح والجفاف مطهر ونحت وقلب العين والحفر يذكر     ودبغ وتخليل ذكاة تخلل
وفرك ودلك والدخول التغور     تصرفه في البعض ندف ونزحها
ونار وغلي غسل بعض تقور


( قوله : بفرك ) هو الحك باليد حتى يتفتت بحر . ( قوله : ولا يضر بقاء أثره ) أي : كبقائه بعد الغسل بحر . ( قوله : إن طهر رأس حشفة ) قيل هو مقيد أيضا بما إذا لم يسبقه مذي ، فإن سبقه فلا يطهر إلا بالغسل . وعن هذا قال شمس الأئمة الحلواني : مسألة المني مشكلة ; لأن كل فحل يمذي ثم يمني إلا أن يقال : إنه مغلوب بالمني مستهلك فيه فيجعل تبعا . ا هـ . وهذا ظاهر ، فإنه إذا كان كل فحل كذلك وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه اعتبر مستهلكا للضرورة ، بخلاف ما إذا بال فلم يستنج بالماء حتى أمنى لعدم الملجئ ا هـ فتح . وما في البحر من أن ظاهر المتون الإطلاق فإن المذي لم يعف عنه إلا لكونه مستهلكا لا للضرورة فكذا البول . رده في النهر بأن الأصل أن لا يجعل النجس تبعا لغيره إلا بدليل وقد قام في المذي دون البول . ا هـ . قال الشيخ إسماعيل : وهو وجيه كما لا يخفى . ا هـ . وقال العلامة نوح : والحق أن المذي إنما عفي عنه للضرورة لا للاستهلاك ، ثم أطال في رد ما في حاشية أخي جلبي من أن اللائق بحال المسلم أن لا يكتفي بالفرك في المني أبدا ; لأن القيود المعتبرة فيه مما يستحيل رعايتها عادة فراجعه . ( قوله : كأن كان مستنجيا بماء ) أي : بعد البول ، واحترز عن الاستنجاء بالحجر ; لأنه مقلل للنجاسة لا قالع لها كما مر في مسألة البئر . قال في شرح المنية : ولو بال ولم يستنج بالماء ، قيل لا يطهر المني الخارج بعده بالفرك قاله أبو إسحاق الحافظ ، وهكذا روى الحسن عن أصحابنا . وقيل : إن لم ينتشر البول على رأس الذكر ولم يجاوز الثقب يطهر به وكذا إن انتشر ولكن خرج المني دفقا ; لأنه لم يوجد مروره على البول الخارج ، ولا أثر لمروره عليه في الداخل لعدم الحكم بنجاسته . ا هـ .

وحاصله كما قال نوح أفندي : إما أن ينتشر كل من البول والمني أو لا ، أو البول فقط ، أو المني فقط ، ففي الأول لا يطهر بالفرك وفي الثلاثة الأخيرة يطهر . ( قوله : لتلوثه بالنجس ) قد يقال بناء على القول المار آنفا : إنه [ ص: 313 ] إذا خرج المني ولم ينتشر على رأس الذكر لا تلوث فيه أفاده ط . ( قوله : برطوبة الفرج ) أي : الداخل بدليل قوله أولج . وأما رطوبة الفرج الخارج فطاهرة اتفاقا ا هـ ح . وفي منهاج الإمام النووي رطوبة الفرج ليست بنجسة في الأصح . قال ابن حجر في شرحه : وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله ، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا ، ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله . ا هـ . وسنذكر في آخر باب الاستنجاء أن رطوبة الولد طاهرة وكذا السخلة والبيضة . ( قوله : أما عنده ) أي : عند الإمام ، وظاهر كلامه في آخر الفصل الآتي أنه المعتمد . ( قوله : أو لا رأسها طاهرا ) أو مانعة الخلو مجوزة الجمع ، فيصدق بما إذا كان يابسا ورأسها غير طاهر ، أو رطبا ورأسها طاهر ، أو لم يكن يابسا ولا رأسها طاهرا . وفي بعض النسخ بالواو بدل أو ، وهو سهو من الناسخ . ا هـ . ح .

أقول : لا سهو بل غاية ما يلزمه أنه تصريح ببعض الصور وهو صورة الجمع دون صورتي الانفراد فافهم . ( قوله : ولو دما عبيطا ) بالعين المهملة : أي : طريا مغرب وقاموس أي : ولو كانت النجاسة دما عبيطا فإنها لا تطهر إلا بالغسل على المشهور لتصريحهم بأن طهارة الثوب بالفرك إنما هو في المني لا في غيره بحر ، فما في المجتبى لو أصاب الثوب دم عبيط فيبس فحته طهر كالمني فشاذ نهر ، وكذا ما في القهستاني عن النوازل أن الثوب يطهر عن العذرة الغليظة بالفرك قياسا على المني . ا هـ . نعم لو خرج المني دما عبيطا فالظاهر طهارته بالفرك . ( قوله : بلا فرق ) أي : في فركه يابسا وغسله طريا ( قوله : ومنيها ) أي : المرأة كما صححه في الخانية ، وهو ظاهر الرواية عندنا كما في مختارات النوازل وجزم في السراج وغيره بخلافه ورجحه في الحلية بما حاصله : إن كلامهم متظافر على أن الاكتفاء بالفرك في المني استحسان بالأثر على خلاف القياس ، فلا يلحق به إلا ما في معناه من كل وجه ، والنص ورد في مني الرجل ومني المرأة ليس مثله لرقته وغلظ مني الرجل ، والفرك إنما يؤثر زوال المفروك أو تقليله وذلك فيما له جرم ، والرقيق المائع لا يحصل من فركه هذا الغرض فيدخل مني المرأة إذا كان غليظا ويخرج مني الرجل إذا كان رقيقا لعارض ا هـ

أقول : وقد يؤيد ما صححه في الخانية بما صح { عن عائشة رضي الله عنها كنت أحك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي } ولا خفاء أنه كان من جماع ; لأن الأنبياء لا تحتلم ، فيلزم اختلاط مني المرأة به ، فيدل على طهارة منيها بالفرك بالأثر لا بالإلحاق فتدبر . ( قوله : كما بحثه الباقاني ) لعله في شرحه على النقاية . وأما في شرحه على الملتقى فلم أجده فيه ، وسبقه إلى ذلك القهستاني فقال : والمني شامل لكل حيوان فينبغي أن يطهر به ا هـ أي : بالفرك .

وفي حاشية أبي السعود : لا فرق بين مني الآدمي وغيره كما في الفيض والقهستاني أيضا ، خلافا لما نقله الحموي عن السمرقندي من تقييده بمني الآدمي . ا هـ .

أقول : المنقول في البحر والتتارخانية أن مني كل حيوان نجس ، وأما عدم الفرق في التطهير فمحتاج إلى نقل ، وما مر عن السمرقندي متجه ولذا قال : ح إن الرخصة وردت في مني الآدمي على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره ، فإن الحق دلالة يحتاج إلى بيان أن مني غير الآدمي خصوصا مني الخنزير والكلب والفيل الداخل في عموم كلامه في معنى مني الآدمي ودونه خرط القتاد . ا هـ . [ ص: 314 ] ورأيت في بعض الهوامش عن شرح النقاية للبرجندي أنه قال : قد ذكروا أن الحكمة في تطهير الثوب من المني بالفرك عموم البلوى وعدم تداخله الثوب ، فبالنظر إلى الأول لا يكون حكم غيره من سائر الحيوانات كذلك . ا هـ . [ تنبيه ]

نجاسة المني عندنا مغلظة سراج والعلقة والمضغة نجسان كالمني نهاية وزيلعي . وكذا الولد إذا لم يستهل . لما في الخانية لو سقط في الماء أفسده وإن غسل ، وكذا لو حمله المصلي لا تصح صلاته بحر . وأما ما نقله في البحر بعد ذلك عن الفتح من أن العلقة إذا صارت مضغة تطهر فمشكل ، إلا أن يجاب بحمله على ما إذا نفخت فيها الروح واستمرت الحياة إلى الولادة تأمل . ( قوله : بغير مائع ) أي : كالدلك في الخف ، والجفاف في الأرض ، والدباغة الحكمية في الجلد ، وغوران الماء في البئر ، والمسح في الصقيل . قال في البحر بعد سوق عباراتهم فيها : فالحاصل أن التصحيح والاختيار قد اختلف في كل مسألة منها كما ترى فالأولى اعتبار الطهارة في الكل كما يفيده أصحاب المتون حيث صرحوا بالطهارة في كل واختاره في الفتح . ولا يرد المستنجي بالحجر إذا دخل الماء فإنه ينجسه ; لأن غير المائع لم يعتبر مطهرا في البدن إلا في المني ا هـ أي : فالحجر لا يطهر محل الاستنجاء من البدن ، وإنما هو مقلل فلذا نجس الماء بخلاف الدلك ونحوه فإنه مطهر ، ومقتضاه أن الخف لو وقع في ماء قليل لا ينجسه . ثم رأيت في التجنيس قال : ولو ألقي تراب هذه الأرض بعد ما جف في الماء هل ينجس ؟ هو على هاتين الروايتين ا هـ أي : فعلى رواية الطهارة لا ينجس وقدمنا أن الآجرة إذا تنجست فجفت ثم قلعت فالمختار عدم العود . ( قوله : وقد أنهيت في الخزائن إلخ ) ونصها ذكروا أن التطهير يكون بغسل وجري الماء على نحو بساط ، ودخوله من جانب وخروجه من آخر بحيث يعد جاريا ، وغسل طرف ثوب نسي محل نجاسته ، ومسح صقيل ، ومسح نطع ، وموضع محجمة وفصد بثلاث خرق ، وجفاف أرض ، ودلك خف ، وفرك مني ، واستنجاء بنحو حجر ، ونحت ملح وخشبة ، وتقور نحو سمن جامد بأن لا يستوي من ساعته ، وذكاة ودبغ ونار وندف قطن تنجس أقله ، وقسمة مثلي ، وغسل وبيع وهبة ، وأكل لبعضه وانقلاب عين ، وقلبها بجعل أعلى الأرض أسفل ، ونزح بئر وغورانها ، وغوران قدر الواجب وجريانها ، وتخلل خمر ، وكذا تخليلها عندنا ، وغلي اللحم عند الثاني ونضح بول صغير عند الشافعي ، فهذه نيف وثلاثون وفي بعضها مسامحة ا هـ .

ووجه المسامحة ما أوضحه في النهر ، من أنه لا ينبغي عد التقور ; لأن السمن الجامد لم يتنجس كله ، بل ما ألقي منه فقط ولا قلب الأرض لبقاء النجاسة في الأسفل ، وكذا القسمة والأربعة بعدها ; وإنما يجوز الانتفاع لوقوع الشك في بقاء النجاسة في الموجود وكذا الندف ، ومن عده شرط كون النجس مقدارا قليلا يذهب بالندف وإلا فلا يطهر كما في البزازية . ا هـ .

أقول : ومثل التقور النحت ، على أن في كثير من هذه المسائل تداخلا ، ولا ينبغي ذكر نضح بول الصبي الصغير بالماء ; لأنه ليس مذهبنا .

هذا وقد زاد بعضهم نفخ الروح بناء على ما قدمناه آنفا عن الفتح ، وزاد بعضهم التمويه كالسكين إذا موه : أي : سقي بماء نجس يموه بماء طاهر ثلاثا فيطهر ، وكذا لحس اليد ونحوها . ( قوله : وغيرت نظم ابن وهبان ) حيث قال : فصل المعاياة ملغزا : [ ص: 315 ] وآخر دون الفرك والندف والجفا ف والنحت قلب العين والغسل يطور     ولا دبغ تخليل ذكاة تخلل
ولا المسح والنزح الدخول التغور وزاد شارحها بيتا فقال :     وأكل وقسم غسل بعض ونحله
وندف وغلي بيع بعض تقور ا هـ وأراد بقوله وآخر الحفر أي : ما شيء آخر من المطهرات غير هذه المذكورات . ( قوله : وقلب العين ) كانقلاب الخنزير ملحا كما سيأتي متنا . ( قوله : الحفر ) أي : قلب الأرض يجعل الأعلى أسفل ( قوله : وتخليل ) أي : تخليل الخمر بالتاء شيء فيها وهو كالتخلل بنفسها ، وهما داخلان في انقلاب العين كما يعلم من البحر . قال في الفتح : ولو صب ماء في خمر أو بالعكس ثم صار خلا طهر في الصحيح ، بخلاف ما لو وقعت فيها فأرة ثم أخرجت بعدما تخللت في الصحيح ; لأنها تنجست بعد التخلل ، بخلاف ما لو أخرجت قبله . ا هـ . وكذا لو وقعت في العصير أو ولغ فيه كلب ثم تخمر ثم تخلل لا يطهر هو المختار بحر عن الخلاصة .

وفي الخانية : خمر صب في قدر الطعام ثم صب فيه الخل وصار حامضا بحيث لا يمكن أكله لحموضته حموضة الخل لا بأس بأكله وعلى هذا كل ما صب فيه الخل وصار خلا ، وكذا لو وقعت فأرة في خمر واستخرجت قبل التفسخ ثم صارت خلا ; فلو بعده لا يحل .

والخل النجس إذا صب في خمر فصار خلا يكون نجسا ; لأن النجس لم يتغير وإذا ألقي في الخمر رغيف أو بصل ثم صار الخمر خلا فالصحيح أنه طاهر . ا هـ . . وسيأتي شيء من ذلك في الفروع آخر الفصل الآتي . ( قوله : ذكاة ) أي : ذبح حيوان فإنه يطهر الجلد ، كذا اللحم ولو من غير مأكول على أحد التصحيحين كما مر في محله . ( قوله : والدخول ) أي : دخول الماء الطاهر في الحوض الصغير النجس مع خروجه من جانب آخر وإن قل في الصحيح كما مر . ( قوله : التغور ) أي : غوران ماء البئر قدر ما يجب نزحه منها مطهر لها كالنزح كما تقدم ( قوله : تصرفه في البعض ) أي : من نحو حنطة تنجس بعضها ، والتصرف يعم الأكل والبيع والهبة والصدقة أفاده ح وهذه المسألة ستأتي متنا ، وينبغي تقييد التصرف بأن يكون بمقدار ما تنجس منها أو أكثر لا أقل ، كما يقيده ما قدمناه في الندف عن النهر . ( قوله : ونزحها ) أي : نزح البئر . ( قوله : ونار ) كما لو أحرق موضع الدم من رأس الشاة بحر وله نظائر تأتي قريبا ولا تظن أن كل ما دخلته النار يطهر كما بلغني عن بعض الناس أنه توهم ذلك ، بل المراد أن ما استحالت به النجاسة بالنار أو زال أثرها بها يطهر ، ولذا قيد ذلك في المنية بقوله في مواضع . ( قوله : وغلي ) أي : بالنار كغلي الدهن أو اللحم ثلاثا على ما سيأتي بيانه . ( قوله : غسل بعض ) أي : بعض نحو ثوب تنجس شيء منه كما سيأتي الكلام عليه . ( قوله : تقور ) أي : تقوير نحو سمن جامد من جوانب النجاسة . فهو من استعمال مصدر اللازم في المتعدي كالطهارة بمعنى التطهير كما أفاده الحموي . وخرج بالجامد المائع ، وهو ما ينضم بعضه إلى بعض فإنه ينجس كله ما لم يبلغ القدر الكثير على ما مر . ا هـ . فتح . أي : بأن كان عشرا في عشر وسيأتي كيفية تطهيره إذا تنجس

التالي السابق


الخدمات العلمية