صفحة جزء
( وعفا ) الشارع ( عن قدر درهم ) وإن كره تحريما ، فيجب غسله ، وما دونه تنزيها فيسن ، وفوقه مبطل [ ص: 317 ] فيفرض ، والعبرة لوقت الصلاة لا الإصابة على الأكثر نهر [ ص: 318 ] ( وهو مثقال ) عشرون قيراطا ( في ) نجس ( كثيف ) له جرم


( قوله : وعفا الشارع ) فيه تغيير للفظ المتن ; لأنه كان مبنيا للمجهول ، لكنه قصد التنبيه على أن ذلك مروي لا محض قياس فقط .

قال في شرح المنية : ولنا أن القليل عفو إجماعا ، إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالإجماع وهو لا يستأصل النجاسة ، والتقدير بالدرهم مروي عن عمر وعلي وابن مسعود ، وهو مما لا يعرف بالرأي فيحمل على السماع . ا هـ .

وفي الحلية : التقدير بالدرهم وقع على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث من الدبر كما أفاده إبراهيم النخعي بقوله : إنهم استكرهوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم ، ويعضده ما ذكره المشايخ عن عمر أنه سئل عن القليل من النجاسة في الثوب فقال : إذا كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة ، قالوا وظفره كان قريبا من كفنا . ( قوله : وإن كره تحريما ) أشار إلى أن العفو عنه بالنسبة إلى صحة الصلاة به ، فلا ينافي الإثم كما [ ص: 317 ] استنبطه في البحر من عبارة السراج ، ونحوه في شرح المنية فإنه ذكر ما ذكره الشارح من التفصيل ، وقد نقله أيضا في الحلية عن الينابيع ، لكنه قال بعده : والأقرب أن غسل الدرهم وما دونه مستحب مع العلم به والقدرة على غسله ، فتركه حينئذ خلاف الأولى ، نعم الدرهم غسله آكد مما دونه ، فتركه أشد كراهة كما يستفاد من غير ما كتاب من مشاهير كتب المذهب .

ففي المحيط : يكره أن يصلي ومعه قدر درهم أو دونه من النجاسة عالما به لاختلاف الناس فيه . زاد في مختارات النوازل قادرا على إزالته وحديث { تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم } لم يثبت ، ولو ثبت حمل على استحباب الإعادة توفيقا بينه وبين ما دل عليه الإجماع على سقوط غسل المخرج بعد الاستجمار من سقوط قدر الدرهم من النجاسة مطلقا ا هـ ملخصا .

أقول : ويؤيده قوله في الفتح : والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع ، حتى قيل لو علم قليل النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوت الوقت أو الجماعة . ا هـ . ومثله في النهاية والمحيط كما في البحر ، فقد سوى بين الدرهم وما دونه في الكراهة ورفض الصلاة ، ومعلوم أن ما دونه لا يكره تحريما إذ لا قائل به ، فالتسوية في أصل الكراهة التنزيهية وإن تفاوتت فيهما ، ويؤيده تعليل المحيط للكراهة باختلاف الناس فيه إذ لا يستلزم التحريم . وفي النتف ما نصه : فالواجبة إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم ، والنافلة إذا كانت مقدار الدرهم وما دونه . وما في الخلاصة من قوله " وقدر الدرهم لا يمنع ، ويكون مسيئا وإن قل ، فالأفضل أن يغسلها ولا يكون مسيئا . ا هـ . لا يدل على كراهة التحريم في الدرهم لقول الأصوليين : إن الإساءة دون الكراهة ، نعم يدل على تأكد إزالته على ما دونه فيوافق ما مر عن الحلية ولا يخالف ما في الفتح كما لا يخفى ، ويؤيد إطلاق أصحاب المتون قولهم " وعفي قدر الدرهم " فإنه شامل لعدم الإثم فتقدم هذه النقول على ما مر عن الينابيع - والله تعالى أعلم - . ( قوله : والعبرة لوقت الصلاة ) أي : لو أصاب ثوبه دهن نجس أقل من قدر الدرهم ثم انبسط وقت الصلاة فزاد على الدرهم ، قيل : يمنع . وبه أخذ الأكثرون كما في البحر عن السراج . وفي المنية وبه يؤخذ ، وقال شارحها : وتحقيقه أن المعتبر في المقدار من النجاسة الرقيقة ليس جوهر النجاسة بل جوهر المتنجس عكس الكثيفة فليتأمل . ا هـ . وقيل : لا يمنع اعتبار الوقت الإصابة . قال القهستاني : وهو المختار ، وبه يفتى . وظاهر الفتح اختياره أيضا . وفي الحلية وهو الأشبه عندي ، وإليه مال سيدي عبد الغني وقال : فلو كانت أزيد من الدرهم وقت الإصابة ثم جفت فخفت فصارت أقل منعت .

هذا وفي البحر وغيره : ولا يعتبر نفوذ المقدار إلى الوجه الآخر لو الثوب واحدا ، بخلاف ما إذا كان ذا طاقين كدرهم متنجس الوجهين ا هـ . وما في الخانية من أن الصحيح عدم المنع في الدرهم ; لأنه واحد . وفي الخلاصة أنه المختار . قال في الحلية : الحق أن الذي يظهر خلافه ; لأن نفس ما في أحد الوجهين لا ينفذ إلى الآخر ، فلم تكن النجاسة متحدة بل متعددة وهو المناط . ا هـ .

[ تتمة ] قال في الفتح وغيره : ثم إنما يعتبر المانع مضافا إلى المصلي ، فلو جلس الصبي أو الحمام المتنجس في حجره جازت صلاته لو الصبي مستمسكا بنفسه ; لأنه هو الحامل لها ، بخلاف غير المستمسك كالرضيع الصغير حيث يصير مضافا إليه ، وبحث فيه في الحلية بأنه لا أثر فيما يظهر للاستمساك ; لأن المصلي في المعنى حامل للنجاسة ، ومن ادعاه فعليه البيان .

أقول : وهو قوي ، لكن المنقول خلافه . وروي بإسناد حسن عن { أنس رضي الله عنه قال رأيت [ ص: 318 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والحسن على ظهره ، فإذا سجد نحاه } ولا يخفى أن الصغير لا يخلو عن النجاسة عادة ، فهو مؤيد للمنقول . ( قوله : وهو مثقال ) هذا هو الصحيح ، وقيل يعتبر في كل زمان درهمه بحر . وأفاد أن الدرهم هنا غيره في باب الزكاة فإنه هناك ما كان كل عشرة منه وزن سبعة مثاقيل . ( قوله : في نجس كثيف ) لما اختلف تفسير محمد للدرهم ، فتارة فسره بعرض الكف وتارة بالمثقال اختلف المشايخ فيه ، ووفق الهندواني بينهما بما ذكره المصنف واختاره كثير منهم وصححه الزيلعي والزاهدي ، وأقره في الفتح ; لأن إعمال الروايتين إذا أمكن أولى ، وتمامه في البحر والحلية ، ومقتضاه أن قدر الدرهم من الكثيفة لو كان منبسطا في الثوب أكثر من عرض الكف لا يمنع كما ذكره سيدي عبد الغني . ( قوله : له جرم ) تفسير للكثيف ، وعد منه في الهداية الدم ، وعده قاضي خان مما ليس له جرم ، ووفق في الحلية بحمل الأول على ما إذا كان غليظا ، والثاني على ما إذا كان رقيقا . قال : وينبغي أن يكون المني كذلك . ا هـ . فالمراد بذي الجرم ما تشاهد بالبصر ذاته لا أثره كما مر ويأتي

التالي السابق


الخدمات العلمية