صفحة جزء
( بنى على أرض ثم وقف البناء ) قصدا ( بدونها أن الأرض مملوكة لا يصح [ ص: 390 ] وقيل صح وعليه الفتوى ) . سئل قارئ الهداية عن وقف البناء والغراس بلا أرض ؟ فأجاب : الفتوى على صحته ذلك ورجحه شارح الوهبانية وأقره المصنف معللا بأنه منقول فيه تعامل فيتعين به الإفتاء ( وإن موقوفة على ما عين البناء له جاز ) تبعا ( إجماعا ، وإن ) الأرض ( لجهة أخرى فمختلف فيه ) والصحيح الصحة كما في المنظومة المحبية . .


( قوله : بنى على أرض إلخ ) كان المناسب للمصنف ذكره هذه المسألة عند قوله : ومنقول فيه تعامل لما تقرر أن البناء والغراس من قسم المنقول ولذا لا تجري فيه الشفعة كما سنحققه في بابها ولزم من ذكرها هنا الفصل بين مسائل الاستبدال والبيع .

مطلب في وقف البناء بدون أرض ( قوله : ثم وقف البناء قصدا ) احترز به عن وقفه تبعا للأرض ، فإنه جائز بلا نزاع .

ثم اعلم أن العلامة قاسما أفتى بأنه لا يصح وقف البناء بدون أرض ، وعزاه في الأصل الإمام محمد وإلى هلال بن يحيى البصري والخصاف وإلى الواقعات والمضمرات وقال : يحتمل هذا المنع أن يكون لا لعدم التعارف بل لأن غير المنقولات تبقى بنفسها مدة طويلة ، فتكون متأبدة بخلاف البناء فإنه لا بقاء له بدون الأرض فلا يتم التخريج فثبت أنه باطل بالاتفاق والحكم به باطل ا هـ ملخصا .

قلت : لكن في البحر عن الذخيرة وقف البناء من غير وقف الأصل لم يجز هو الصحيح لأنه منقول وقفه غير متعارف وإذا كان أصل البقعة موقوفا على جهة قربة فبنى عليها بناء ووقف بناءها على جهة قربة أخرى اختلفوا فيه . ا هـ . مطلب مناظرة ابن الشحنة مع شيخه العلامة قاسم في وقف البناء فهذا صريح بأن علة عدم الجواز كونه غير متعارف لا لما ذكره العلامة قاسم فحيث تعورف وقفه جاز وعن هذا خالفه تلميذه العلامة عبد البر بن الشحنة بعد ما جرى بينهما كلام في مجلس السلطان الملك الظاهر سنة 872 وقال : إن الناس من زمن قديم نحو مائتي سنة وإلى الآن على جوازه والأحكام به من القضاة العلماء متواترة والعرف جار به فلا ينبغي أن يتوقف فيه ا هـ ورده العلامة محمد بن ظهيرة القرشي كما في فتاوى الكازروني بما حاصله أنه خالف نصوص المذهب على عدم جوازه ، وخالف شيخه الذي أجمع علماء عصره من المذاهب الأربعة على [ ص: 390 ] علمه وقبول قوله وأنه اعتمد على قول مرجوح ، وأنه احتج بالعرف وعمل القضاة والعرف لا يصادم المنقول وحكم القضاة بالمرجوح لا ينفذ . ا هـ .

قلت : لا يخفى عليك أن المفتى به الذي عليه المتون جواز وقف المنقول المتعارف وحيث صار وقف البناء متعارفا كان جوازه موافقا للمنقول ، ولم يخالف نصوص المذهب على عدم جوازه لأنها مبنية على أنه لم يكن متعارفا كما دل عليه كلام الذخيرة المار ويأتي قريبا نص الخصاف على جوازه إذا كان البناء في أرض محتكرة هذا : والذي حرره في البحر أخذا من قول الظهيرية ، وأما إذا وقفه على الجهة التي كانت البقعة وقفا عليها جاز اتفاقا تبعا للبقعة أن قول الذخيرة لم يجز هو الصحيح مقصور على ما عدا صورة الاتفاق وهو ما إذا كانت الأرض ملكا أو وقفا على جهة أخرى قال وقصره الطرسوسي على الملك وهو غير ظاهر . ا هـ .

قلت : وهو كذلك ، فإن شرط الوقف التأبيد والأرض إذا كانت ملكا لغيره فللمالك استردادها ، وأمره بنقض البناء وكذا لو كانت ملكا له فإن لورثته بعده ذلك ، فلا يكون الوقف مؤبدا وعلى هذا فينبغي أن يستثنى من أرض الوقف ما إذا كانت معدة للاحتكار ; لأن البناء يبقى فيها كما إذا كان وقف البناء على جهة وقف الأرض فإنه لا مطالب لنقضه والظاهر أن هذا وجه جواز وقفه إذا كان متعارفا ولهذا أجازوا وقف بناء قنطرة على النهر العام وقالوا إن بناءها لا يكون ميراثا وقال في الخانية إنه دليل على جواز وقف البناء وحده يعني فيما سبيله البقاء كما قلنا وبه يتضح الحال ويزول الإشكال ويحصل التوفيق بين الأقوال ( قوله وقيل صح وعليه الفتوى ) أخذه من إطلاق ما نقله عن قارئ الهداية فقد قال في البحر : إن ظاهره أنه لا فرق بين أن تكون الأرض ملكا أو وقفا لكنه لمخالف لما حرره كما علمته آنفا ، ولما يأتي عن فتاواه ، وقد علمت ما فيه من منافاته للتأبيد وعن هذا نص في الخانية وغيرها على أنه لا يجوز وقف البناء في أرض هي عارية أو إجارة كما يأتي فيجب حمل كلام قارئ الهداية على غير الملك ( قوله : وأقره المصنف ) ليس في عبارته التصريح بالملك ، وأما شارح الوهبانية فليس في كلامه تصريح بترجيحه فإنه قال نظما : وتجويز إيقاف البنا دون أرضه ولو تلك ملك الغير بعض يقرر ( قوله والصحيح الصحة ) أي إذا كانت الأرض محتكرة كما علمت ، وعن هذا قال في أنفع الوسائل إنه لو بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجدا أنه يجوز قال وإذا جاز فعلى من يكون حكره والظاهر أنه يكون على المستأجر ما دامت المدة باقية ، فإذا انقضت ينبغي أن يكون من بيت مال الخراج وأخواته ومصالح المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية