صفحة جزء
( وإن اختلفت النقود مالية ) كذهب شريفي وبندقي ( فسد العقد مع الاستواء في رواجها [ ص: 537 - 538 ] إلا إذا بين ) في المجلس لزوال الجهالة


( قوله : كذهب شريفي وبندقي ) فإنهما اتفقا في الرواج لكن مالية أحدهما أكثر فإذا باع بمائة ذهب مثلا ، ولم يبين صفته فسد للتنازع ; لأن البائع يطلب الأكثر مالية ، والمشتري يدفع الأقل . ( قوله : مع الاستواء في رواجها ) أما إذا اختلفت رواجا مع اختلاف ماليتها أو بدونه فيصح ، وينصرف إلى الأروج وكذا يصح لو استوت مالية ورواجا ، لكن يخير المشتري بين أن يؤدي أيهما شاء . والحاصل : أن المسألة رباعية وأن الفساد في صورة واحدة : وهي الاختلاف في المالية فقط ، والصحة في الثلاث الباقية كما بسطه في البحر ، ومثل في الهداية مسألة الاستواء في المالية والرواج بالثنائي والثلاثي ، واعترضه الشراح بأن مالية الثلاثة أكثر من الاثنين وأجاب في البحر بأن المراد بالثنائي ما قطعتان منه بدرهم وبالثلاثي ما ثلاثة منه بدرهم .

[ ص: 537 ] مطلب مهم في حكم الشراء بالقروش في زماننا قلت : وحاصله : أنه إذا اشترى بدرهم فله دفع درهم كامل أو دفع درهم مكسر قطعتين ، أو ثلاثة حيث تساوى الكل في المالية والرواج ، ومثله في زماننا الذهب يكون كاملا ونصفين وأربعة أرباع ، وكلها سواء في المالية والرواج ، بل ذكر في القنية في باب المتعارف بين التجار كالمشروط برمز عت : باع شيئا بعشرة دنانير واستقرت العادة في ذلك البلد أنهم يعطون كل خمسة أسداس مكان الدينار ، واشتهرت بينهم فالعقد ينصرف إلى ما تعارفه الناس فيما بينهم في تلك التجارة ، ثم رمز فك : جرت العادة فيما بين أهل خوارزم أنهم يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودية أو ثلثي دينار و طسوج نيسابورية قال : يجري على المواضعة ولا تبقى الزيادة دينا عليهم . ا هـ .

ومثله في البحر عن التتارخانية ، ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش ، فإن القرش في الأصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقرش ، فمنها ما يساوي عشرة قروش ، ومنها أقل ومنها أكثر ، فإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد إما من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة من ريال أو ذهب ، ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا ، بل هي أو ما يساويها من أنواع العملة المتساوية في الرواج المختلفة في المالية ، ولا يرد أن صورة الاختلاف في المالية مع التساوي في الرواج : هي صورة الفساد من الصور الأربع ; لأنه هنا لم يحصل اختلاف مالية الثمن حيث قدر بالقروش ، وإنما يحصل الاختلاف إذا لم يقدر بها كما لو اشترى بمائة ذهب وكان الذهب أنواعا كلها رائجة ، مع اختلاف ماليتها ، فقد صار التقدير بالقروش في حكم ما إذا استوت في المالية والرواج وقد مر أن المشتري يخير في دفع أيهما شاء قال في البحر : فلو طلب البائع أحدهما للمشتري دفع غيره ; لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت . ا هـ .

بقي هنا شيء وهو أنا قدمنا أنه على قول أبي يوسف المفتى به : لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض إذا كانت فلوسا أو غالبة الغش ، وإن كان فضة خالصة أو مغلوبة الغش تجب قيمتها من الذهب ، يوم البيع على ما قاله الشارح ، أو مثلها على ما بحثناه وهذا إذا اشترى بالريال أو الذهب ، مما يراد نفسه ، أما إذا اشترى بالقروش المراد بها ما يعم الكل كما قررناه ، ثم رخص بعض أنواع العملة أو كلها واختلفت في الرخص ، كما وقع مرارا في زماننا ففيه اشتباه فإنها إذا كانت غالبة الغش ، وقلنا : تجب قيمتها يوم البيع ، فهنا لا يمكن ذلك ; لأنه ليس المراد بالقروش نوعا معينا من العملة حتى نوجب قيمته .

وإذا قلنا : إن الخيار للمشتري في تعيين نوع منها كما كان الخيار له قبل أن ترخص ، فإنه كان مخيرا في دفع أي نوع أراد ، فإبقاء الخيار له بعد الرخص يؤدي إلى النزاع والضرر فإن خياره قبل الرخص لا ضرر فيه على البائع أما بعده ففيه ضرر ; لأن المشتري ينظر إلى الأنفع له والأضر على البائع فيختاره ، فإن ما كان يساوي عشرة إذا صار نوع منه بثمانية ونوع منه بثمانية ونصف ، يختار ما صار بثمانية فيدفعه للبائع ، ويحسبه عليه بعشرة كما كان يوم البيع ، وهذا في الحقيقة دفع مثل ما كان يوم البيع لا قيمته ; لأن قيمة كل نوع تعتبر بغيره ، فحيث لم يمكن دفع القيمة لما قلنا ولزم من إبقاء الخيار للمشتري ، لزوم الضرر للبائع حصل الاشتباه [ ص: 538 ] في حكم المسألة كما قلنا ، والذي حررته في رسالتي : تنبيه الرقود أنه ينبغي أن يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا لا بالأكثر رخصا ولا بالأقل ، حتى لا يلزم اختصاص الضرر به ، ولا بالبائع لكن هذا إذا حصل الرخص لجميع أنواع العملة ، أما لو بقي منها نوع على حاله ، فينبغي أن يقال : بإلزام المشتري الدفع منه ; لأن اختياره دفع غيره يكون تعنتا بقصده إضرار البائع مع إمكان غيره ، بخلاف ما إذا لم يمكن بأن حصل الرخص للجميع ، فهذا غاية ما ظهر لي في هذه المسألة والله - سبحانه - أعلم . ( قوله : إلا إذا بين في المجلس ) قال : في البحر : فإذا ارتفعت الجهالة ببيان أحدهما في المجلس ، ورضي الآخر صح لارتفاع المفسد قبل تقرره فصار كالبيان المقارن .

التالي السابق


الخدمات العلمية